جدل الموضة الإسلاميّة: حذر فرنسيّ معادٍ للحجاب

جدل الموضة الإسلاميّة: حذر فرنسيّ معادٍ للحجاب

08 ابريل 2016
(Getty)
+ الخط -
لم يكن مستغرباً أن يهبّ رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، لنجدة "الفيلسوفة" إليزابيث بادنتر، وهي تندد بالعديد من الماركات العالمية في الأزياء التي قررت الانفتاح على سوق المرأة المسلمة المحجبة، وهي سوق يدر نحو 230 مليار دولار ويرجح أن يصل سنة 2020 إلى نحو 320 مليار دولار. رئيس الوزراء نفسه يصرّ على أقواله، ويقول: "إن أقلية سلفية بصدد الانتصار في المعركة الأيديولوجية والثقافية للإسلام في فرنسا". ويضيف: "يمثل السلفيون نحو 1% من مسلمي بلدنا، ولكننا لا نسمع سوى خطابهم، وخطاباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي".
وكرر فالس مقولات بادنتر: "الحجاب هو استعباد للمرأة"، وأن "الحجاب لا يمثل ظاهرة موضة، وإنما يمثل استعباداً للمرأة"، وحيّا رئيس الوزراء اللقاء "المضيء" الذي أُجرٍيَ مع إليزابيث بادنتر، والذي دعت فيه إلى مقاطعة الماركات العالمية التي تنفتح على الأزياء والموضة الإسلامية، ودعت النساء قائلة: "يجب على النساء أن يَدْعِين إلى مقاطعة هذه الماركات".
كما أن عمدة باريس السيدة، آن هيدالغو، والتي نظمت في الصيف الماضي يوم توأمة لتل أبيب مع باريس، لتشجيع السياحة "الصعبة" في إسرائيل، رغم مظاهرات واحتجاجات شديدة، هبت هي الأخرى للدفاع عن بادنتر، وكشفت أنها "تتفق، في معظم الأحيان، مع بادنتر، خاصة، حول مواقفها من القضية النسائيّة وعلاقتها بالإسلام". ولم تُخف انزعاجها من قرار هذه الماركات العالمية، الانفتاح على الحجاب الإسلامي، "صحيح أنني أُصَابُ بالصدمة من هذا النوع من الموضة"، لكنها أضافت، في نوع من الاختلاف "الدبلوماسي" مع الفيلسوفة، "توجد حرية في بلدان أخرى لتنظيم نفسها بطريقة مغايرة".
وليست هذه أول مرة تعبر فيها، إليزابيث بادنتر، عن مواقف صادمة للجالية العربية الإسلامية في فرنسا. فهي تصر دائماً على التصريح أنه "لا يجب علينا أن نخشى من تهمة كوننا إسلاموفوبيين" (وهي تصريحات تعيد ما قاله الصحافي الفرنسي في مجلة ليكسبريس، كلود أمبيرت، سنة 2003: "يجب على المرء أن يكون نزيهاً، أنا أحسّني إسلاموفوبيا، بعض الشيء. ولا يَضيرُني الاعتراف بالأمر..."). والكل يتذكر، في فرنسا، معارك الفيلسوفة من أجل حظر الحجاب في فرنسا، ما بين 1989 و2004، واستعدادها التلقائي لمهاجمته لسبب أو لدون سبب، وقد دخلت في معارك شرسة مع حزب "أهالي الجمهورية" حول الموضوع. والغريب، أن رجل الموضة الفرنسي الشهير، بيير بيرجي، شريك إيف سان لوران، والمولع بالمغرب وتنوعه وجمال نسائه، انضم إلى قائمة المتهجمين على "الموضة الإسلامية"، منتقداً الماركات التي انفتحت على الجمهور الإسلامي، كماركس آند سبنسر، وأونيكلو ودولشي أند غابانا.

ويبدو أن، بيير بيرجي، يتمتع بذاكرة قصيرة. إذ إنّه في سنوات الستينيات من القرن الماضي، لم يكن الحجاب الإسلامي يطرح أدنى عقدة بالنسبة له ولشريكه الراحل إيف سان لوران، لأن "المسلمين لم يكونوا، حينها، مرئيين كما هو الآن"، كما يقول الباحث في علم الاجتماع، قدور زويلاي. بل إن الحجاب كان أحياناً "صرعة". وكانت الضفة اليسرى من نهر السين، (ضفة الموضة والأناقة) تعج بملصقات تُظهر نساء مُحجَّبات.
وليس من الصعب اكتشاف أن معظم هؤلاء الساسة، خاصة من اليسار، ناضلوا في جمعية "إس أو إس. عنصرية"، والذين أصبح معظم قادتها نافذين في المشهد السياسي الاشتراكي الحالي. كما أن نفوذهم لا يزال قوياً في صحيفة "ليبراسيون"، والتي كرست ملفا كبيرا عن "الوجوه الجديدة في مكافحة العنصرية"، وحرصت على إظهار كونها وجوهاً "لا تحظى بالإجماع وتثير الجدل". وتعترف الصحيفة أن الأمر يتعلق بـ"وجوه منبثقة من رَحِم الهجرة، وهي مُسيَّسَة ونشيطة في شبكات التواصل الاجتماعي، وغاضبة من اليسار...". وتضيف: "إنها تثير القلق".
ويقدِّمُ لنا ملف الصحيفة الفرنسيّة "اليسارية"، بعض هذه الوجوه، ومن بينها سهام أصباغ، والتي نجدها في مختلف النضالات التي تخوضها الأقليّات في فرنسا، خاصَّة مكافحة التحقيقات وحالات التفتيش البوليسية التي تركّز على سحنات الوجوه (العربية والسوداء)، وكذلك رفض القانون حول الحجاب، وهو ما يعرِّضُها لتهمة جاهزة: "العنصرية تجاه البيض". كما نقرأ بورتريها عن فاتح كموش، مؤسس موقع الكنز، وأيضا المناضلة السوداء فانيا نويل، والتي لا تخفي انحيازها لـ"تفكيك" كل شيء، بما في ذلك تفكيك "الاختلاط".
وتركِّز الصحيفة الفرنسيّة، في قراءة متحيِّزة، على جمعية "تجمع مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا"، والتي أنشئت، سنة 2003، من أجل إحصاء الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا. ولكنها أصبحت بعد ذلك متهمة بـ"حمل لواء إسلام سياسي ومشروع مجتمع جماعاتي". ولكن ما يربك الصحيفة والقرار السياسي الفرنسي هو كون هذه الجمعية، الرائدة في رصد مختلف الاعتداءات الإسلاموفوبية في فرنسا، والتي تصدر تقريراً سنوياً ينتظره الجميع في أوروبا، هو الاعتراف الذي حظيت به من قبل "المنظمة من أجل الأمن والتعاون في أوروبا"، وهو ما "أتاح لها خلق شبكة في العالَم بأسره". وتعتبر الجمعية مستقلة بشكل كبير عن كل التيَّارات الإسلامية في فرنسا، كما أنّها مستقلّة مالياً، بفضل التبرعات، وأيضاً، بسبب المساعدة الماليّة السخيّة من قبل "أوبن سوسايتي" للملياردير الأميركي جورج سوروس.
ولأن المقال يتحامل ويحاول نزع المصداقية عن هذه الجمعية، والتي أصبحت مزعجة للقرار السياسي (الإحصاءات التي تقدمها عن الاعتداءات التي يتعرض لها مسلمو فرنسا تشكل ضِعْفَ ما تصرّح به وزارة الداخلية الفرنسية)، تتحدث الصحيفة عن "تعزيز الجمعية روابطها مع الحركة الفرنسية السلفية الجديدة، والتي تمثلها المنظمة غير الحكومية الإسلامية "بركة سيتي" أو موقع الكنز الإلكتروني". ولكن الصحيفة تنهي مقالها عن الجمعية بهذه الحقيقة المُرّة التي لا تستطيع إخفاءها: "إن تمديد حالة الطوارئ والإجراءات الإدارية المختلفة (من تفتيش ووضع أناس تحت الإقامة الإجبارية)، والتي تستهدف، في أغلب الأحيان، السكان من أصول مغاربية، يُمكن أن تعزّز من تأثير هذه الجمعية".​

المساهمون