بقي القليل فقط

بقي القليل فقط

29 ابريل 2016
المشي (فرانس برس)
+ الخط -
ـ قليلاً فقط وأصلُ لِباب المنارة، لا يجب أن أيأس الآن، الطريقُ كانَ طويلاً لكنهُ مُسلٍ، لا يوجد أحد، فقط علبةُ السجائر. 

ـ المشيُ مُفيدٌ حقاً، سَمعتُ مرةً أنهُ يستطيع تنشيطَ القلب وجعلِه أقوى، أصلب، غير قابل لِلانكسار، على وجهِ الخصوص إن كانَ يُرافِقُكَ كلب، يجعَلُكَ تمشي مسافاتٍ وتدخُل لِتكتشف أماكِنَ جديدة لم تتخيل أنكَ ستكونُ بها يوماً، تخاف عليهِ من مكروهٍ قد يحدث أثناء المشي بنفسِ درجةِ خوفِهِ عليكَ من أي شيء، المشيُ أيضاً يُساعد جداً على صفاءِ الذهن والتخلُص من جميعِ الشوائب المُترسبة داخلَ الذاكرة والتعامُل معها بشكلٍ منطقيّ، أعتقد، أثناءَ المشي، مرت لحظاتٌ كُنتُ أُفكرُ جدياً بإلقاءِ نفسي من أعلى الجُرفِ الذي مررتُ بِهِ منذُ قليل، ولحظات أُخرى منعتني من ذلكَ وكأنني قد قفزتُ وتشبثتُ بِجناحينِ ليسا لي لِأعودَ لِلأعلى.


ـ مازالَ هُنالكَ القليل لِأصل، بدأتُ أرى المنارة الآن، لا يوجد ما أفعَلُهُ الآن سوى أخذ استراحة صغيرة لأستنشق بعضاً من الهواء النقيِّ الذي أفتَقِدُهُ حقاً، مع سيجارة، حتماً ستبدو ألذُّ الآن، سأعرفُ لِلمرةِ الأولى طعمَ التبغِ الحقيقيِّ غيرِ المخلوطِ بِجميعِ الروائح والمذاقاتِ التي ترتطمُ بكَ في شوارِعَ مُزدحمةً حدَّ الاختناق والاستنجادِ بِأشياءَ موجودة وغيرَ موجودة لِلخروجِ منها.
ـ فِعلاً هيَ كذلك، التبغُ مادةٌ مُقدسة هُنا، عبره أُلاحِظ أن كُلَّ ما حولي هو لونٌ أخضرٌ حقيقيّ، ليسَ ذلك الذي اعتدتُ رؤيتهُ كُلَّ يومٍ على شُرفةِ المنزل الأماميّة أو حتى الخلفيّة، لونٌ أخضرٌ بالفعل! كذاكَ اللونُ الذي عادةً ما نُشاهِدهُ على شاشاتٍ ذاتَ دِقةٍ هائلة، ونسعى للحصولِ عليهِ دوماً بِشراءِ نباتاتٍ لونها رماديّ.


ـ عليَّ الآنَ إكمالَ المسيرِ نحوها قبلَ اختفائها بعيداً، الطريقُ تُرابيٌّ ومُتعرج جداً، كما أنهُ مُدببٌ بِكافةِ أنواعِ الصخور التي أستطيعُ تمييزها من خلالِ عملي السابق المُتعلق بها، يجب عليَّ إلهاءَ نفسي لِأصِلَ بِسُرعةٍ إليها، قبل نفاد الوقتِ وأعود خائِباً، على الأقل فقط كي أراها عن قُرب، أنظُر لِجميعِ تفاصيلها، أتمعنُ بِجميعِ من قالَ لها يوماً إنها مُهتَرئة ولا تصلح للعيشِ بعدَ الآن، أشتمُ جميعَ من ظنَّ أنَّ مِزاجيتها وحدها تجعَلُ ضوئها ينطفئ، لم يعرف أحدٌ وحتى الآن ما سِرها الذي هو موسيقى فقط، أسمعها قليلاً من الموسيقى الجيدة لِتُعيدَ ضوئها إلى الحياة، فقط.
ـ وصلت أخيراً، شاهقة جداً، قِمّتُها تَبعُدُ كما أبعُدُ الآنَ عمّا أحلُمُ به، بِجميعِ الأحوال عليَّ الصعود، درجةً تلو الأُخرى، كي أصِلَ لها.


ـ صعودُ الأدراجِ كما المشي، مُفيدٌ حقاً، يجعَلُ القلبَ أصلب، أقوى، تستطيعَ استعمالهُ كدرعٍ تواجه بهِ جميعَ الصدمات التي تركت عدة ندباتٍ في رؤيتكَ لِكُلِّ شيء.
ـ المكانُ هُنا مُختلِفٌ عن الخارج، مُظلمٌ جداً لكنهُ جيد، تَشعُر بحميميةِ كُل ما فيه، وكأن كُلَّ الأدراجِ وحوافها وأعمِدة الترميمِ المُهترئة المُتكئة على الجدران تُعانِقُكَ بِعُنفٍ لِآخر مرةٍ وتهمسُ بِأُذُنكَ بِضعة كلماتٍ سيبقى وَقعها يترددُ كُلَّ يومٍ بِخفةٍ عليك، الوضع جيد حتى الآن، عليّ التفكير بِجديّةٍ بما يُمكنُ القول إن رأيتُ أحداً آخر في الأعلى، أو هل عليَّ أن أرميه من النافذة فوراً، أظنُّ أنهُ عليَّ التصرف مع الأمر بِمنطقية قليلاً، عليَّ نسيان العاطفة وما شابهها الآن، فقط بِمنطقيّة.

ـ لا أحد، وصلت، يجب أن أقومَ بِإشعالِ الضوء وأنتظر رداً من الجهة المُقابلة.
ـ لا رد، حسناً، عليَّ العودة إذاً.
ـ المشيُ مُفيدٌ حقاً، هل أخبرتكم هذا الأمر قبلاً؟

المساهمون