جدران

جدران

25 ابريل 2016
البحر المتوسط (Getty)
+ الخط -
- حان وقتُ الذهاب الآن، على جميع من يملك ولو قليلاً من الهواجس البدء بحزمها جيداً، والقيام بتحليقٍ حُر من فوق أقرب وادٍ متوفر، لن يغيبَ عن هذا الحفل سوى مُختلينَ سيبقونَ على الضِفةِ الأُخرى من الوادي، مُستمتعينَ بموسيقى هادئة، سنصل لقمةِ السعادة حينها.

- لحظةٌ واحدة تَفصِلُ بدايةَ الحُلم عن نِهايته، حينها يكون قد احترق تماماً، وصارَ رماداً تقفُ فوقهُ مُنتظراً إعادةَ تكوُنِهِ من جديد، في هذهِ اللحظة تماماً ستؤمن أنكَ لا تمتُّ لِنفسِكَ بِصلة، أنتَ فقط مُستأجرٌ جديد سيسكن هذا الجسد لِفترة....

- قبوٌ رَطب جُدرانه ممتلئة بنزواتِ عُنف من سَكَنَهُ قبلك، ستسمعها ليلاً نهاراً، قِفلُ الباب ما زالَ يُرتل اصطكاكَ أسنان من سبقكَ وراءه خوفاً عليكَ من ارتكابِ نفس الحماقات، هيَ نفسُها التي تلعَبُها الآنَ بِبراعة، ستعتاد صيدَ أحلامٍ لا تَخُصُّك وتدميرها، بحثاً عن تلكَ التي تنتظرها لِتَقتلك، هذا القبو مليءٌ بها.

ستحتارُ بينَ أجنِحَةً ستنقُلُكَ حيثُما غفا جفنُكَ باطمئنان يوماً أثناءَ توجه نظركَ لِلأسفل لترى باقي الأحلام تحترق بِبُطء. أو عُلبة صغيرة لا تحوي سوى حُطام حُلمكَ بهذه الأجنحة، تمَّ تركها هنا لِتُحاول التعرّف على أسهلِ طريقةٍ لِلتجديفِ........

- قمتُ مرةً باصطيادِ كوخٍ خشبيٍّ صغير، فارِغ من كُلِّ شيء، فقط أنا وموسيقى تعلو منه وراقِصة جميلة غيرَ مرئية، لكنها هُنا بِوسطه، لن تتوقف عن الرقص إلّا بِتوقف الموسيقى. لن تتوقف إذاً. جُدرانَهُ أصبحت مكبّاً لِذكرى بائسة عن حديثٍ ليليٍّ مجنون لم ينته يوماً، امتلأ بكُلِّ الأمور الطائشة التي كنتُ لِأقوم بها.

- بدأت الجدران بِالتشقق مُنذرةً بالسقوط لمَللِها يداً واحدةً تُحاول تضميدَ ما تسببت تلكَ الصورُ لها، أدركتُ حينها أنَّ الكوخَ هشٌّ كقطرةِ ماءٍ بوسطِ محرقة، لن يدعني أُكمل رسمَ هذه الأجنحة بسلام.

- سأُحاولُ هدمَهُ وحرقِ بقاياه.

- "بِجميعِ الأحوال، لم أكن بِحاجةِ هذا الكوخ، أستطيعُ بِناءَ كوخٍ أصلب، بِمكانٍ أفضل، قد أختارُ ضِفةَ بُحيرةٍ هادئة بعيدةٍ عن ضجيجِ الكوكبِ المُمل الذي يُعيدُ نَفسَهُ يومياً".

- عدتُ لِلقبوِ بِرُفقةِ الراقِصة ثملينِ بِرمادِ الكوخ والموسيقى التي كانت تتناثر منه، بقيتُ لفترةٍ كافيةٍ منَ السأم أُحدِقُ بالأحلامِ التي ما زالت نَفسها، عليَّ اصطيادُ حُلُمٍ آخرَ أُحطُّ بهِ بِمكانٍ أفضل، القبو مكانٌ مؤقت لا أستطيعُ المُكوثُ بهِ مُطولاً ..

- الراقصة اضطرت لِأن تَرقُصَ من دونِ موسيقى لشوقها، فقط دويُّ الأحلامِ التي ملأت كُلَّ من يحاول التشبث بها بِقُدرةٍ هائلة تركِ على ما يُعصرونَ أعُنيهم لتبقى مفتوحةً تُراقِب بحذر.

- بدأتُ بالصيد، اصطدتُ كوخاً آخر، حرقته .. قارب، ثقبته، لوحة، مزقتُها … لم أجد ما يأخذني لمكانٍ أستطيعُ بِهِ أن أبدأَ حُلُماً لن أقوم بِإيذائه...

- حلمٌ يتبَعُهُ آخر، إما رمادٌ أو كومة حُطامٍ، القبو اختفى وسديِم حلَّ مكانهُ، استطعتُ أن أتكئَ عليه مُستمتعاً بالموسيقا الهادِئة والرقصة الجميلة، مشهد أن يبدأ الجميعَ بالذهابِ وإفراغِ الكوكب من الأشياء المؤذية فيه جيد جداً..

- استيقظتُ بزاويةِ القبو، رمادُ الكوخِ ما زالَ يُغطيني مع الراقصة التي لم تتوقف بعد، البحيرةُ الهادِئة عصفتْ بنا قاتِلةً جميعَ الأحلام التي كانت تطفو مُبتعدةً إلى الأعلى.

المساهمون