أسقي نبتتي كل يوم

أسقي نبتتي كل يوم

19 ابريل 2016
(Getty)
+ الخط -
- ضع صورةً هنا، ثبّت خنجراً جانبها، الآن اجلس وحاول أن تمارس فُقدان الذاكرة.

- استيقظ، ما زلت هُنا، الأصوات ذاتها ما زالت تنادي، اطمئنُّ قليلاً.
استيقظ فعلاً، لا أرواغ عندما أقول استيقظ، حاول أن تقوم مرةً بِفعلِ الاستيقاظ، مرةً واحدة فقط، صدقني ستندم بعدها، ستجد نفسكَ بوسطِ فراغٍ هائل، يُقدر عادةً بِحجمِ غُرفة صغيرة، لن تفعل سوى الإنصاتَ لِصوتِ رئتيكَ تقومانِ بِوظيفتهما، قد تشعرُ بالشفقة عليهما قليلاً، فلا تتنفسان سوى خوف موروث، مهزومتينِ مُكبلتينِ بِمعاناةِ ذنبٍ لم يُرتكبْ، تعملان جاهدتين طوالَ الوقت.
- كلما استيقظت، املَأُ دلواً من الماء، أخلُطه بقليل من موسيقا سَمِعتُها البارحة ليلاً، أضعُها إلى جانب النبتةِ الصغيرةِ، وأنتظرُها طوالَ اليوم لتسقي نفسها.
- لم تقم بسقاية نفسها أي يوم، دوماً أسقيها أنا.
- دوماً أتساءل لماذا الجميعُ يطلبُ منيَّ التوقُفَ عن سماعِ الموسيقا ليلاً نهاراً، أحاولُ فهمَ طريقةَ التفكيرِ التي تجعلُني أبقى بصمتٍ استمعُ لضجيجَ وحدةٍ تدلفُ قطرةً قطرة في وعاءٍ ضيّقٍ لم يفِض حتى الآن، أو حسب ما آمل.
أصبحَ قتلُ هذا الصوت هوايةً اعتدتُ مُمارِستِها كُلَّ يوم.
- لم يأت شغفُ القتلِ هذا بشكلٍ عفويّ أو فطريّ، شاهدتُ تلك القطراتِ تَسقُطُ حولي في كُلِّ مكان، تجاهلتُها أولاً، ثُمَّ وضعتُ وعاءً صغيراً بِحجمِ يومٍ كاملٍ، لم أشعُرَ بِوجودِهِ عندما بدأ بِقرعِ طُبُولِهِ، شعرتُ بسلاسلٍ تنمو بِبُطءٍ حولَ عُنُقي، حصاراً خانقاً اقتربَ مُحاوِلاً تكسيرَ سُلَّمِ أمنيةٍ مُهترئ، لم أستطع مُجابهته سوى بِالتقاطِ أصواتٍ أُخرى ذات سُلَّمٍ أكثر متانة، موسيقا موسيقا موسيقا، طوالَ اليوم، كفيلةٌ بقتلِ تلكَ الأصوات ومحوها كُلَّ مرة.
- توقفتُ مرةً عن هواية القتلِ هذه، قرأتُ في أحد الأيام أنَّ القتلَ فِعلٌ سيئ، كانَ قراري التوقف ليومٍ واحدٍ.

- لم يكن يوماً واحداً.

- استمعتُ بِإخلاصٍ شديدٍ لتلكَ القطرات التي تَضرِبُ الوعاءَ بقوة، استطعتُ بعدَ فترةٍ وجيزةٍ "من حيث عددِ المراتِ التي صفعتني بها"، أن أقوم بتجسيدها بهيئةٍ أُحِبُها، تعايشتُ معها، حاضنٌ وطُفيليّ، مثلاً، أحببتُ مرةً رقصةً قدمتها بِروحٍ جميلةٍ، حدقتُ مُطولاً بِجميعِ الأخطاء التي أقنعتُ نفسي أنها ضمن الرقصة، لم أود التحدث عنها خوفَ انتهائِها.
- انتهت.
..
- عليَّ الآن جعلُها تفعل شيئاً آخراً، أقنَعتُها أن تلتقط أيِّ آلةٍ موسيقية تُصادِفُها وتبدأ العزف لِتكتُمَ صوتَها الأصليَّ القبيح، عَزَفتْ لحناً خيالياً لم أتوقَعَهُ، لم أتوقع درجةَ الوقاحةِ بِإبداعِها بفعلِ هذا الأمر، أجبرتني على التشبثِ خوفاً من أن تقومَ برميي وإغراقي بقطراتها.

- بدأتُ أشعُرُ بِأني مُجبرٌ على سِقايةِ النبتةِ الصغيرةِ التي أملِكُها، دوماً أسمَعُ ما تقوله، أحياناً تُلقي بعضاً من الشعر، عندها فقط أُفَكِرُ بِنتفِ أوراقِها، رُغمَ ذلِكَ لا أستطيعُ منعها من فعلِ ما تُريد، في بعضِ الأحيان تنمو فجأة بسُرعة خيالية لِتَحجُبَ الضوءَ و ترميني في رماديّةِ ضبابِها، تعودُ بعدها لِحجمِها الضئيلِ اللطيف، كانَ هذا ما يمنَعُني من وضعِها بِأصيصٍ أكبر، خفتُ أن تَكبُرَ وتثبت بِحجمها الجديد تارِكةً إياي في ظلامها.
- ما أعرِفَهُ أنَّ أُصص النبات الصغيرة التي تُشترى عادةً بِسهولة، تموت وحدها بِسُهولة، مهما تم الاعتناء بها.
- استمررتُ بالاعتناءِ بِها ووضع الماءَ لها، لم تمت يوماً، مُضطرٌ إذن لِلاستمرارِ برعايتها، فَكما ذكرتُ سابِقاً، قرأتُ مرةً أن القتلَ شيءٌ سيئ، أو أنَّ هناكَ وغداً ما أخبرني بذلك.

- ما زلتُ أسقي تلك النبتة الصغيرة كُلَّ يوم.
- لم أمتلك يوماً نبتةً صغيرة.

دلالات

المساهمون