فيلم "عايدة": رحلة البحث عن الذّات

فيلم "عايدة": رحلة البحث عن الذّات

05 فبراير 2016
لقطة من فيلم عايدة (الفيسبوك)
+ الخط -
يفتح فيلم، "عايدة"، للمخرج المغربي، إدريس لمريني، آفاقا جديدة للسينما المغربية. فهو يتجاوز من جهة مرحلة التعامل الفولكلوري مع التراث والهوية المغربيتين. ويؤكد، من جهة أخرى، تعدد هذه الهوية، التي طواها النسيان أو يكاد يطويها. وهو يبتعد، ثالثاً، عن كلّ أشكال التبشير السياسي والاحتفالية الرخيصة. فالفيلم يقدّم لنا كل تلك الأسئلة والتواريخ في قالب قصة إنسانيّة مؤثّرة، إذ لا يخلو الفيلم من لحظات تدفع المشاهد إلى التعاطف المطلق مع بطلته المغربية ـ اليهودية، التي دفعها المرض إلى التساؤل عن هويِّتها، والبحث عن جذورها في بلد، كانت تعتقدُ أنَّها غادرته، وأنَّه أضحى جزءاً من الذاكرة المنسيّة.

إقرأ أيضاً:الليالي الضوئية تشعل مدينة طنجة


تنتقل بطلة الفيلم، التي كانت تعمل أستاذة للموسيقى في جامعة باريسية، إلى بلدها الأصلي، المغرب، وإلى مدينتها الصويرة التي ولدت وقضت طفولتها فيها، وعبر ذلك، إلى كل تلك الذكريات والصور والألحان التي كانت تؤسِّس طفولتها، وخصوصاً إلى الموسيقى الأندلسية، التي كان والدها أحد رموزها، والتي ستختارها مجالاً للبحث والتدريس في منفاها الباريسي. ستقودها هذه العودة إلى لقاء صديق طفولتها المسلم، يوسف، والذي عاشت برفقته في طفولتها. يوسف الذي كان يعاني من روتين العمل في مكتب الهندسة، سيتمكّن عبر لقائه بعايدة من العودة إلى الموسيقى من جديد، حتى أنه يمكننا القول في هذا السياق، بأننا أمام عائدين وليس أمام "عايدة" لوحدها. وعندما يعدّان معاً حفلاً خيرياً رفقة فرقة للموسيقى الأندلسية، سيكتشفان معاً نفسيهما من جديد. وبفضل هذه الصداقة وهذه الموسيقى وهذه المصالحة مع الماضي والذاكرة، ستتمكن عايدة من تجاوز مرضها، إذ إنَّ القدر كان يخبئ لها نهاية أخرى، كما لو أنه لم يكن ينتظر سوى عودتها.


نجح الفيلم في تجسيد نفسية "عايدة" (العائدة)، التي تعاني من مرض السرطان، ولم يخل من صور سحرية تعكس نفسية البطلة، وتعبر في قوة عن هوية ممزقة بين عالمين، وعن ذاكرة لم يستطع اللجوء أن يفقدها شيئاً من قوتها وسحرها. كما لو أننا لا نهاجر في النهاية إلا لنعود. إن الفيلم تعبير عن رحلة البحث عن الذات، تلك الرحلة المضنية والمؤلمة والمبهجة في آن، وعبر ذلك يمثل الفيلم احتفاءً بالحياة والأمل والصداقة، وبذلك التسامح الذي طبع ولا يزال يطبع المجتمع المغربي بمكوناته المختلفة، والذي يتسلل إلينا عبر مشاهد من عروض موسيقية أندلسية، إذ يقول الفيلم عن هذا التعايش، ما لا تقوله كل الأبحاث والدراسات والدساتير.

ولقد نجح السيناريست، عبد الإله الحمدوشي، من خلال هذا الفيلم في كتابة التاريخ المعاصر لليهود المغاربة، الذين تفرقت بهم السبل، أو على الأقل في كتابة جزء من هذا التاريخ. ونجح في تقديم قصة إنسانيّة وطرح أسئلة وجودية نَكْبِتُها غالباً في الأعماق، كما تألّقت الممثلّة نوفيسة بنشهيدة في أداء دور عايدة، ومعها وجوه معروفة من السينما المغربية.

إقرأ أيضاً:ملتقى القاهرة السينمائي يدعم مشاريع عربية شابة

دلالات

المساهمون