فيلم "سلفيون": سلفية-فوبيا تضرب فرنسا

فيلم "سلفيون": سلفية-فوبيا تضرب فرنسا

27 يناير 2016
الإسلام ثاني أكبر ديانة في فرنسا (Getty)
+ الخط -
منذ أن أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن فرنسا ستحارب السلفية، ازداد شغف الفرنسيين بمعرفة هذا المصطلح وإحالاته ومرجعياته. وقلّما تجد باحثاً أو سياسياً فرنسياً، حين يتحدث عن الإسلام أو عن الأمن، لا يذكر كلمة السلفية. وعلى الرغم من أن كثيراً من الباحثين ورجال الدين المسلمين المتنورين في فرنسا، كطارق أوبرو وطارق رمضان وغيرهما، يؤكدون على أنه مصطلح ملتبس، إذ أنه يقول الشيء ونقيضه في آن، بسبب الخلط وسوء الفهم الذي لا يزال الإسلام ضحية له، إلا أنه لا يزال غامضاً، وكأن هذا الغموض يريح الطبقة السياسية الفرنسية.

والذي منح قوة إضافية لهذا المصطلح، هذه الأيام، هو ظهور فيلم وثائقي عن الموضوع، بعنوان: "سلفيون"، من إخراج الموريتاني لمين ولد سالم وفرانسوا مارغولين، وهو فيلم يرصد "تجربة" إدارة بعض المنظمات "الجهادية" في شمال مالي، أثناء "احتلالها" للمنطقة.

والحقيقة أن هذا الفيلم، الذي استغرق تصويره ثلاث سنوات، مرّ بظروف صعبة، فقد كان من المفروض أن يرى النور والجمهور قبل أكثر من سنة، ولكن الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا سنة 2015، تسببت، في كل مرة، في تأخير خروجه للقاعات.

ثم جاء العنوان المثير للجدل لفيلم "سلفيون" ليطرح سؤال مَنْ مِن الجمهور يحقّ له أن يشاهد الفيلم.

يطرح الفيلم، الذي تم تصويره في كل من تونس وموريتانيا ومالي، حقيقة أن الكثيرين في فرنسا لا يريدون أن يعرفوا حقيقة ما يسمّى بالإسلام الراديكالي، تاركين للسياسيين، وحدهم، تحديد وتعريف هذا المصطلح. وقد طرح الفيلم كثيراً من الحرج، بعد أن عُرِض، لأول مرة، في مدينة بياريتز الفرنسية، قبل أيام.

وعلى الرغم من أن الفيلم يُصوّر لقاءات مع أعضاء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلا أن موقف مخرجَيْه المُعلَن وأيضاً مواقف الجهات التي موّلت الفيلم، ومنها القناة الرسمية الثالثة (التي تراجعت وأعلنت أنها لا تتمنى دعم ولا بث الفيلم، بل وسرّبت خبراً مفاده أنها ستطلب سحب اسمها من الجيرينيك، مبررة الأمر ببعض مشاهد دعاية لتنظيم داعش، التي ينقلها الفيلم ولكنه يدينها)، هو "إظهار الرعب اليومي الذي تمارسه هذه المنظمات، من دون تعليق"، أي أنها تترك المشاهد حُراً في تسجيل موقفه وقراءته، وهو يشاهد مقاطع يفسّر فيها بعض المتشددين ما يرون أنه تطبيق للشريعة (قطع الأيدي والجلد) وبعض المشاهد مقتبسة من أفلام سجلتها هذه المنظمات وتتحدث عن بعض عملياتها الحربية والقتالية.

ولعلّ ما يغضب بعض السياسيين في فرنسا هو أن المسلحين سمحوا للمخرج فرانسوا مارغولين، الذي سبق له أن أخرج فيلماً في نفس التوجه "أفيون طالبان"، بالتصوير في مناطقهم. وإذا كان الفيلم لا يخلو من عنف، فلا بد من الإشارة إلى أن المُخرَجَيْن قاما، وبطلب من إحدى العائلات، باقتطاع مَشهدَيْن من الفيلم، خصوصاً منظر الشرطي الفرنسي القتيل، أثناء الاعتداء على "شارلي إيبدو" أحمد مرابط، وهو يتوسل للأخَوين كواشي ألاّ يُجهِزا عليه.

ولم تكن حالة الطوارئ المعلنة في فرنسا والمرشحة للتمديد لتسهّل تسويق الفيلم، فقد طالبت وزارة الداخلية الفرنسية بمنع عرض الفيلم، في حين أن المركز الوطني للسينما أوصى بمنع مشاهدة الفيلم لمن هم دون سن الثامنة عشرة. وهو موقف أثار غضب أحد المخرجَين، فرانسوا مارغولين، الذي رأى أن هذا المنع المُبطَّن يعطي الانطباع وكأن عَملهُ يشبه فيلماً جنسياً.

والغريب أن فرنسا أصبحت في هذه اللحظات من تاريخها تناقش قضية "هل من الممكن قول أو إظهار الحقيقة، حتى ولو كانت رهيبة وصادمة؟!" على الرغم من أن المُشاهِد، بغضّ النظر عن سنه، يستطيع أن يرى في الإنترنيت صُوَراً أكثر عنفاً ودموية وإثارة للغثيان من صُوَر الفيلم، الذي لا يخفي، مخرجاه وممولوه، أنه عُمل لانتقاد وفضح وتعرية هؤلاء الجهاديين الراديكاليين".

وأمام هذه الفوبيا من كل ما هو سلفي، نأت معظم دور السينما بنفسها عن عرض الفيلم، ولم تقبل سوى خمس قاعات سينما بعرضه، في كل فرنسا، على الرغم من الدعم الظاهر لعرض الفيلم من قبل المخرج الفرنسي الكبير كلود لانزمان، الذي أخرج فيلم "المحرقة" قبل أكثر من 30 سنة، والذي اعترف أن هذا الفيلم ساعده على فهم كثير من الأشياء أفضل من أي خبير أو متخصص في الإسلام. وانتقد حظره على من هم دون الثامنة عشرة. في حين أن المحلل النفساني الفرنسي سيرج تيسيرون، جَزَم بأن "الفيلم يُدينُ ما يُريه للمُشاهِد".

ومن جهته أكّد الباحث الفرنسي إليامين ستّول للعربي الجديد، "أن عرض فيلم "سلفيون" فرصة لنقاش هادئ حول الإسلام ومكوناته، وحول خصوصية الإسلام الفرنسي، المسالم والمندمج في غالبيته. وقبل هذا، من المهمّ تحديد المصطلح، فالأوْلى هو تسميته بـ"سلفيين جهاديين"، وليس "سلفيين" فقط، منعاً لكثير من الالتباس".

دلالات

المساهمون