الفنانون والسلطة: الثورات تفرزهم الى فريقين

الفنانون والسلطة: الثورات تفرزهم الى فريقين

17 يناير 2016
عمرو واكد (Getty)
+ الخط -
كانت الحياة السياسية قبل الربيع العربي، لا تسمح للحياة الفنية أن تغرد خارج سرب السلطة إلا بقدرٍ معلوم، إذ يُسمَح بحزام الأمان الذي صنعته الأنظمة الشموليّة حول خاصرتها، وهي تقود الشعوب بثباتٍ نحو الهاوية.

عالم الفن كان أقرب ارتباطاً بمؤسَّسات الدولة من غيره، تستثمرُ الأنظمة فيه الشهرة والوجاهة، لامتلاك القدرة على التأثير وتوجيه الرأي العام. ويستثمر الفنانون الوصوليون علاقاتهم مع رجال النظام للحصول على النفوذ والمصالح، والاستمتاع بالحياة ضمن دائرة المحسوبيات. وهو أمر ليس بِدَعاً في أهل الفن، فالحياة في المجتمع الشمولي تتوجَّه بوصلتها حيث تكون المصلحة.

لكن، ثورات الشباب في أنحاء الوطن العربي، صنعت روحاً جديدة متمرِّدة في كافة الأرجاء، لم ينفذ منها الشارع الفني، الذي انقسم إلى فريقين متضادين. أحدهما، مؤيدٌ لحقّ الشعوب العربية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. والثاني، مدافع عن مصالحه القريبة والتاريخية مع الأنظمة القائمة، مبرراً قمعها للثورات ومدافعاً عن بطشها بالثورة وشبابها.

سقوط الثورة في مصر، وتعثرها في سورية، أبرز الفريقين بوضوح. مع الوضع بعين الاعتبار كتائب الصامتين الذين قرروا عدم الصدام مع الأنظمة المتوترة حتى إشعار آخر. بينما يصعب العثور على قائمة تونسية من الفنانين المعارضين أو المؤيدين؛ لأن تونس استطاعت أن تعبر عنق الزجاجة التي انحشرت فيها ثورتا مصر وسورية.

قائمة الفنانين المصريين المشهورين، الذين تصدوا للثورة، وعاونوا النظام في قمع الشباب، بدأت منذ الأيام الأولى في ميدان التحرير. حين حشدهم تلفزيون مبارك وفضائيّاته لذم الثورة، ووصفها بالمؤامرة والتخريب. كالفنانة عفاف شعيب، التي خرجت لتقول إن الثورة القائمة في يناير، حرمت أبناء أختها من النزول إلى محل "كبابجي"، لأنهم كانوا يشتهون أكل لحوم مشوية! وسماح أنور التي قالت عن ثوار التحرير: "يولعوا بغاز"، ووصفت ثورة يناير بالمؤامرة، واتهمت الشعب المصري بالجهل لأنه اختار محمد مرسي رئيساً. 

وكثرت استضافة تامر عبد المنعم  في القنوات المصريّة ليسفّه الثورة، ويطالب بحذفها من مناهج التاريخ. والمطرب محمد فؤاد الذي بكى على التلفزيون وهو يتوسل للمتظاهرين ليخرجوا من الميدان بعد خطاب مبارك. وعمرو مصطفى الذي وصف ثورة يناير بالنكسة، وأن الإطاحة بمبارك يخدم أجندات أجنبية. وروجينا التي وصفت الثورة بأنها سبب الفوضى.. وغيرهم الكثير.


أما ثورة الكرامة السورية، فما أكثر أولئك الذين دافعوا، ولا يزالون، عن نظام بشار الأسد، رغم مجازره الدامية، وجلبه لقوات روسية، واستثمار الطائفية، وتمهيد الأرض للإرهاب الداعشي، وتجريف مستقبل الشباب السوري. قائمة أعداء الثورة السورية من الفنانين طويلة، مع احتمال أن النظام القمعي لا يتوانى في إخضاع الفنانين الذين في متناوله وابتزازهم، وربما إجبارهم على التسبيح بحمده والغناء له. وتضم القائمة رغدة، وسلاف فواخرجي، وسوزان نجم الدين، ووفاء الموصلي، وصفاء رقماني، ونورة رحال، ولورا سعد، وعباس النوري، وعلي الديك، وقصي خولي، وعبد الهادي بقدونس، وليلى سمور، وسلمى المصري، وزهير رمضان، وشكران مرتجى، ورندة مرعشلي، ورفيق سبيعي.. وغيرهم الكثير.

إقرأ أيضاً:أغاني الشهداء من فلسطين إلى مصر وسورية: "وحدن بيبقوا"

على الجانب المؤيد لثورة يناير المصرية، ظهرت مجموعة قليلة من الفنانين، الذي غامروا بإبداء رأيهم الواضح والصريح المؤيد لثورة يناير منذ يومها الأول، وما ألم بها من انتكاسات في 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو 2013. نبدأ بالفنان أحمد عيد الذي وبّخ، على الهواء مباشرة، الإعلامييَن سيد علي وهناء سمري أثناء ترويجهما أكاذيب عن ثوار التحرير.

ويظل وجدي العربي من أبرز المدافعين عن الشرعية والرافضين للانقلاب، ثم كان بين معتصمي ميدان رابعة حتى مذبحة الفض، وغادر مصر بعد تضييق الخناق على معارضي نظام السيسي.

محمد عطية، المطرب والممثل الشاب، صاحب الموقف المؤيد لثورة يناير، شارك فيها منذ أول فبراير 2011، ولم يتخلَّف عن الفعاليَّات الثورية اللاحقة، مثل ماسيبرو ومحمد محمود، وكان ضد الانقلاب العسكري، وقد عبر صراحة أنه مع اختلاف الآراء، إلا أن الدماء التي أريقت في مصر ليس فيها وجهات نظر.

عمرو واكد، ممثل مصري، صاحب موقف واضح اتهم فيه السيسي في تصريحات صحافية بالكذب والفشل، والتضييق على الإعلاميين، وسيطرة الأمن على الإعلام. أما الفنان الكوميدي، محمد شومان، فخرج من مصر، وأعلن دعمه للشرعية ومعارضته للانقلاب على إحدى القنوات المعارضة.

الممثلة بسمة تم التضييق عليها فنياً لاعتبارها محسوبة على ثورة يناير، ولأن زوجها يكون السياسي عمرو حمزاوي، المغضوب عليه حالياً من الحكومة وأجهزتها. أما المطرب حمزة نمرة، فقد منع التلفزيون المصري والفضائيات الموالية أغانيه رداً على موقفه الإيجابي من الحرية والعدالة الاجتماعية، التي بشرت بها ثورة 25 يناير وأحرقتها حركة 30 يونيو.

المشهد السوري، أيضاً، لا يختلف عن المصري إن لم يكن أكثر التهاباً. فقائمة فناني الشعب طويلة، منهم من شارك في المظاهرات، ومن تعرض للتشبيح، ومن هو مطلوب للأمن، ومنهم من هجر سورية خوفاً من بطش النظام، ومنهم بالطبع، من ارتبك في إعلان موقفه بصراحة شديدة في أول الثورة السورية، بسبب التهديدات المخابراتية والهجوم الممنهج ضدهم. وكثير منهم وقّعوا على وثائق وعرائض ترفض انتهاكات الدولة ضد الشعب السوري الأعزل. ومن بين هؤلاء الفنانين جلال الطويل، وجمال سليمان، وأصالة نصري، ومنى واصف، ومحمد آل رشي، وسميح شقير، وكاريس بشار، وغسان كوسة، وسلوم حداد، وياسر العظمة، ومكسيم خليل، وتاج حيدر، وسامر المصري، ومي سكاف، وعزة البحر، وفدوى سليمان، وفارس الحلو، وزوجته سلافة عويشق، ويارا صبري، وعبد الحكيم قطيفان، ومازن الناطور، وريم علي، وزينة حلاق، وواحة الراهب، وقاسم ملحو. وآخرون ممن لهم مواقف واضحة ضد قمع النظام المستبد، والوقوف بالكلمة المسؤولة في صف الشعب المغدور.

إقرأ أيضاً: هامس بيطار:موسيقى حملت اسم سورية

المساهمون