إشارة المرور: 140 عاماً على نصبها ولم تتوقّف الحوادث

إشارة المرور: 140 عاماً على نصبها ولم تتوقّف الحوادث

26 اغسطس 2015
إشارات المرور لم تمنع انتهاك قوانين بلدان كثيرة (Getty)
+ الخط -
مأساة حوادث السير، باتت أشبه بمسلسل مكسيكي طويل، يحصد الضحايا بشكل يومي في جميع أصقاع العالم. بيد أنّها تسجّل أعلى مستوياتها في بلدان لم تول حكوماتها، سلامة الطرق وإنقاذ أرواح الناس الأولوية وفي طليعتها لبنان، حيث لا يزال استخدام إشارة المرور شبه نادر.

وفي ظلّ غياب قواعد ثابتة للسير في العديد من البلدان وخصوصاً العربية منها، وسيطرة غضب الشوارع والتوتّر على غالبية السائقين، بسبب الأوضاع المعيشية والضغوط الاجتماعية التي يحياها المواطن يومياً، يفقد البعض أعصابه في لحظات، لدى أيّة محاولة عبور قد يرى فيها تحدياً له.

ربّما يبدو الأمر تافهاً لمن يراقب من بعيد. بيد أنّ الجلوس خلف المقود، له مفعوله، الذي يشبه السحر الأسود ويتحوّل معه البعض إلى وحوش كاسرة تسرح بين البشر، فلا يتوانى عن ارتكاب جريمة قتل في وضح النهار، انتقاماً من شخص تجرّأ على التمرّد على مشيئته في شوارع يحكمها قانون "أنت وشطارتك" كما في لبنان.

اقرأ أيضاً: طائرات الهليكوبتر تقهر الزحام المروري في بكين

تلك الحوادث التي لا نزال نعاني منها لغاية يومنا هذا، حدثت منذ ما يزيد عن قرن في أوروبا، لكنّها لم تهمل إذ سبقت العاصمة البريطانية لندن، العالم في نصب أوّل إشارة مرور في القرن التاسع عشر أمام مبنى البرلمان. وكانت تلك الإشارة تعمل على الغاز، ويقف إلى جانبها شرطي يشغّل الأضواء بيديه لتنظيم حركة العربات العابرة بالقرب من "بريدج ستريت" و"غريت جورج ستريت" وشارع البرلمان.

لم يكتب النجاح لإشارة المرور الأولى، وكادت أن تودي بحياة شرطي المرور، بعد أن انفجرت مواسير الغاز الموصولة إليها عام 1869، وأصيب الشرطي المناوب آنذاك بجروح بليغة.
استمرّت محاولات تنظيم السير في العالم المتقدّم، على الرّغم من الفشل الذي منيت به لندن، لكنّ بقيت فكرة الاعتماد على إشارة المرور البذرة التي منها انطلقت أفكار أكثر تطوّراً. لم تكن المحاولة الثانية في مدينة الضباب بل في إحدى الولايات الأميركية.

بعد مرور ما يزيد عن ثلاثين عاماً، على تجربة لندن الفاشلة. نجح ليستر واير تحرٍّ أميركي سابق، بإنشاء إشارة مرور في ولاية يوتا، في عام 1912، تعمل على الكهرباء عوضاً عن الغاز، بالاعتماد على نظام الأضواء ذاتها الخضراء والحمراء المعروفة عالمياً، لتبدأ بعدها إشارات المرور في الانتشار بعد وقت قصير في مختلف الولايات الأميركية.

اقرأ أيضاً: القتل لـ"أفضلية المرور": إلى الجنّة إلى السلطة إلى القدس...

لم يكن واير الأميركي الوحيد الذي جاء بفكرة تشغيل إشارة المرور على الكهرباء، بل ابتكر غاريت مورغان، وهو مخترع من ولاية أوهايو الفكرة ذاتها تقريباً، وتعهّد بتحسين حركة المرور بعد أن شهد حادثاُ مأسوياً على الطريق. كما قدّم طلباً للحصول على براءة الاختراع في عام 1922، لكن يُقال إنّ اختراعه لم يرق إلى مرحلة النموذج الأوّل لجهاز مراقبة حركة المرور.

أمّا أوّل إشارة مرور في العالم تعمل على الكهرباء، فوضعت في مدينة كليفلاند في ولاية أوهايو في 5 أغسطس/ آب 1914، في زمن يحتدم فيه التنافس على أولوية الشارع بين الدرّاجات والسيّارات والأحصنة. والجدير بالذكر أنّ الأضواء اقتصرت على الأخضر والأحمر، ولم يحظ السائق بوقت كاف لتجنّب الاصطدام لغياب الضوء الأصفر.

فأضيفت عام 1920 أجراس إلى الإشارة لتنبيه السائقين إلى اقتراب تحوّل الضوء إلى لون آخر وأخذ الحيطة والحذر منعاً لوقوع حوادث. ولم تمض فترة حتّى استبدلت تلك الأجراس لاحقاً بالضوء الأصفر، وبدت إشارة المرور كما نراها اليوم.

اقرأ أيضاً: أفريقيا ترقص في شوارع تونس... على إشارات المرور

تبقى مدينة لندن السبّاقة إلى فكرة إنشاء ونصب أوّل إشارة مرور في عام 1869 على الرغم من فشل المشروع الذي كاد يودي بحياة شرطي السير، لكنّه بقي النواة الأولى التي اعتمد عليها لابتكار تنظيم السير حول العالم.

منذ ما يزيد عن 140 عاماً احتلت سلامة الطرق أولويات حكومات تلك الدول، دعمت مشاريعها وموّلتها. وها نحن في العديد من الدول العربية وفي القرن الواحد وعشرين، في عصر التكنولوجيا، لا تزال طرقاتنا وشوارعنا ساحات موت لشبابنا.

هذا في ظلّ غياب الإرادة السياسية لمعالجة مسألة حوادث المرور، والاستهتار بأرواح الناس وتقاذف المسؤوليات بين الوزارات. والمصيبة الكبرى تكمن في انتهاك جميع قوانين السير إن وجدت، من قبل شخصيات مرموقة من سياسية وغيرها والتعدّي بالضرب والألفاظ النابية على كلّ من تسوّل له نفسه الاعتراض على قانون الوساطة المنتشر في أرجاء بلادنا.

اقرأ أيضاً: الدراجات الهوائية تطرد السيارات من شوارع الدنمارك

دلالات

المساهمون