الشيخ محمد عمران... ياما بين العرب مظاليم

الشيخ محمد عمران... ياما بين العرب مظاليم

07 يوليو 2015
الشيخ عمران وعبد الوهاب (فيسبوك)
+ الخط -
يولّد الفنّ وجوهاً تتميّز بالاستثناء والندرة، ولن تفلح مصانع المكننة الغنائية ولو اجتمعت، بإنتاج مبدعٍ كمحمد عمران. هو استثناءٌ بكل المقاييس الموسيقية، يصل إبداعه أحياناً إلى لحظات الإعجاز التي تجعل بعض نجوم اليوم يستمعون إليه بدموع تفيض من المآقي، وبصمت يعبّر عن كلّ شهادة إعجاب.

وفي زمن الأغاني والموسيقى والإنتاج الفني التجاري يبدو الفنانون الحقيقيون مهمشين. وهو بالضبط حال المقرئ المنشد الشيخ الأسطورة محمد عمران، الذي يعرفه قليلون في العالم العربي فلا يزيد عددهم على بضعة آلاف، حتى أن من يعرفه، لم يستمع لمدونته كاملة، أو لسهراته الخاصة التي تجاوز فيها كل المألوف و نسج من خلالها دروساً للذين يفهمون.

لعلها تكون مشكلة محمد عمران، هو الذي جاء في زمن طغى عليه عبد الباسط والطبلاوي، على الرغم من انتمائه للجيل الموالي، بالإضافة إلى تفوقه على الاثنين في كثير من الجزئيات. والحقيقة أن من أعطى لعبد الباسط أعطى أيضاً لعمران، وميّزه وحباه بصوت عريض يتّسع لكل تعبيرة وقفلة ممكنة وغير ممكنة، بالإضافة إلى معرفته الواسعة الخارقة بالمقامات
والنغمات، وهو يتفوّق على الطبلاوي وعبد الباسط بقدرته على الابتهال والغناء مع الآلات الموسيقية أو دونها.

تعرّفت إلى محمد عمران بعد أن تلقيتُ هدية من الفنان الملحن المصري الكبير أمير عبد المجيد الذي أهداني ما يُطرب الآذان ذات ليلة في بيته في القاهرة، ومن يومها وأنا أحد المتيّمين المهووسين بصوت الرجل، أبحث في كل مكان عن تسجيلاته النادرة.

اقرأ أيضاً: الابتهالات التونسية: في ذيل قائمة البرامج الرمضانية

أذكر جيّداً انفعال الفنان المبتهل القدير لطفي بوشناق في سيارته خلال الاستماع لفنّ محمد عمران، حيث كان يضرب بكلتا يديه على المقود وهو يستمع إلى حركات عمران، كان يبكي بصمت خلال استماعه للشيخ عمران بين الاستمتاع والاستغراب مما تطرب له الآذان، حتى قلقنا من انحراف السيارة عن مسارها، بعدها استمع لفنان تونسي آخر هو الملحن مقداد السهيلي نقيب الموسيقيين المعروف باطلاعه الواسع على مشايخ القرّاء والمنشدين.

وإن لم تكن شهادة بوشناق والسهيلي كافية، فلعلّ شهادة الكبير محمد عبد الوهاب تغني عن كل شهادة.

فقد وُثّق تسجيلٌ نُشر على الإنترنت دعوة الموسيقار هذا الصوت الظاهرة إلى منزله. ولم يستطع محمد عبد الوهاب أن يصمد في وقاره طويلاً وهو يستمع إلى ضيفه الذي كان خجولاً، وعلى الرغم من ذلك، كان ذهول عبد الوهاب واضحاً مع كل بيت وقفلة، هو الهادئ الخجول عشق أداء عمران.

لكن الشيخ محمد عمران بقي موهبةً غير ظاهرة، مجهولاً للأجيال التي توالت بسبب استحواذ تفاهات الآخرين على الشاشات. بات يمرّ شهر رمضان المبارك دون أي تسليط ضوء يُذكر على فن الشيخ القدير، فلا تحاول الإذاعات والتلفزيونات أن تكلّف نفسها عناء البحث عن كنوز ملقاة على عتبات الشوارع العربية.

دلالات

المساهمون