العباءة العراقية.. تراث قديم يصارع من أجل البقاء

العباءة العراقية.. تراث قديم يصارع من أجل البقاء

20 يوليو 2015
السواد في العباءة ذو أبعاد سياسية (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

يعود أصل العباءة العراقية إلى ما قبل سقوط بغداد 1258 للميلاد وانهيار الدولة العباسية على يد المغول، حيث عاث الجنود المغول ببغداد السوء بمشهد لا يختلف عما فعله الأميركيون قبل سنوات قليلة.

وعرفت النساء البغداديات بالعباءة كملابس للفخر وعلامة على حسن الحالة المادية، وكانت بيضاء مطرزة، وهكذا درج عليها الناس هناك، إلا أنها تحولت إلى اللون الأسود بعد سقوط بغداد على يد المغول، حزناً من نساء بغداد على مدينتهم التي أحرقت.

بقي السواد ملازما للعباءة حتى يومنا هذا، ولعل سر بقائها بهذا اللون هو انحباس الفرح عن الناس هناك مذ ذلك الحين وعنها كتب الشعراء، وتغنى بها المطربون، بأغان شعبية، منها "يم العباية حلوة عباتج". فالعباءة العراقية بلونها الأسود، وشكلها المميز اللذين يمنحانها هيبة وجماليّة خاصة، يجعلانها تختلف عن باقي العباءات، وهي ما زالت تقاوم الحداثة، وتحافظ على شكلها وتاريخها وتثبت وجودها في بعض مدن الجنوب والمناطق الشعبية والريفية.

الحاج كريم داود، تاجر مختص ببيع أقمشة العباءة العراقية، يقول لـ "العربي الجديد"، "شهد بيع العباءة العراقية تراجعا، بعد أن غزت أنواع عديدة السوق، فقد ازدهرت في العقود الماضية لغاية السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بينما تراجعت وانحسر الطلب عليها في وقتنا الحالي، وأصبحت تطلب فقط من كبيرات السن، اللّواتي لا يستطعن تغيير زيهن الذي نشأن عليه". وأضاف "هناك أسعار مختلفة لقماش العباءات، وكل زبونة تفضل نوعاً خاصاً ويشتري بعضهن حسب الإمكانات المادية، حيث تتفاوت أسعار العباءات بين ارتفاع وانخفاض، ويصل سعر الواحدة أحيانا الى أكثر من مليون دينار عراقي، والتي تكون من الحرير الخالص، وهناك أسعار متداولة بين 30 إلى 250 ألفاً أي نحو 200 دولار".

اقرأ أيضاً: العراق يستعيد بعض آثاره المسروقة

وأضاف داود "تستخدم أنواع مختلفة من الأقمشة لخياطة العباءات؛ منها الباكستاني والجرجيت الياباني والشيرمن والحرير والسوبر والحرير الهندي والخاجية والسعدونية والثالية والدفة والقرة غولية والحساوية والباكة والكريه والحسا عي والركاب ومنمش والربيعي والحرير التركي والشيفون والحبر والشال والتترون والصوف والوبر، وكثير من النساء يفضل نوع "حَبر" بفتح الحاء، كما بقي اللون الأسود يميز عباءة الرأس العراقية والتي لا يمكن أن تراها بلون آخر".

بعد تاجر القماش قصدنا الخياطة أم ذكرى، والتي تحدثت لـ "العربي الجديد" عن تجربتها في خياطة العباءة العراقية، وتقول "كنت أخيط في السابق من 3 إلى 4 عباءات في الشهر، أما الآن فقد تمر الأشهر عدة دون أن تأتيني زبونة واحدة بقماش العباءة لخياطته".

وتوعز أم ذكرى سبب ذلك إلى ظهور المعامل الصناعية التي تنتج هذه العباءات، والمسماة محليا بعباءة الرأس أو (العباية العراقية)، وهي تختلف عن باقي أنواع العباءات الأخرى وخاصة المصرية والخليجية والإيرانية، فالعباءة المصرية تعرف باسم "الملاية"؛ وهي في العموم قصيرة وطريقة ارتدائها تختلف عن طريقة ارتداء العراقية، والإيرانية المعروفة بـ "الشادور"؛ والتي تنافس اليوم العباءة العراقية، خاصة في محافظات مثل كربلاء والنجف ومنطقة الكاظمية، وتكون عريضة وعلى شكل قطعة واحدة ولا تحتوي على أكمام، كما إنها تأتي بألوان مختلفة، وهي ليست كالعباءة العراقية التي تكون عريضة جداً ومن قطعتين وفيها كُم طويل، وبلون أسود غير قابل للتغير، ويكون طولها مساوياً لطول المرأة من رأسها حتى قدميها.

وتضيف أم ذكرى أن قماش العباءة يتكون من ثمانية أمتار، وسعر خياطتها بين 30 إلى 35 ألف دينار، (نحو 30 دولاراً) بحسب نوع التطريز، "شيرزة العباءة" المستخدمة في خياطتها، والتي نسميها بالفواصل مثل (شد الورد، وسن الفار)، وغالبا ما تستغرق خياطتها من ثلاثة إلى خمسة أيام، وقديما كانت تستخدم البلابل وهذه تكون باهظة الثمن، وتتألف بلابل الذهب من سلسة تتخللها جوزات مخرمة (كرات مثقبة تشبه الجوز)، تنتهي بثلاث سلاسل رفيعة، وكل سلسلة تنتهي بكرة صغيرة، وترتبط الأولى بخيط أسود حريري يخاط من سوتاج العباءة، حيث تتدلى البلابل على يسار ويمين الوجه، ويمكن الاستعاضة عن زوج البلابل؛ والذي يكون غالبا من 5 إلى 15 مثقالاً من الذهب، بمجموعة من الفصوص الذهبية؛ وهذا يتوقف على الحالة المادية للمرأة.

وتختم الخياطة أم ذكرى حديثها بنوع من الحزن على ما آلت إليه العباءة، وترى أن عباءة الرأس العراقية تعطي الوجاهة والرفعة لمن ترتديها، وهي بمثابة تاج فوق رأس المرأة، لكنها الآن أصبحت في بعض المناطق جزءاً من التراث والفلكلور العراقي، خاصة في العاصمة بغداد وبعض مدن محافظة ديالى وغيرها.

اقرأ أيضاً: الكليجة... لا يأتي العيد إذا لم يصنعها العراقيون

السيدة ناهدة الجبوري (65 عاماً)، ناشطة ومديرة مدرسة متقاعدة، تقول إن العباءة العراقية هي جزء من كيان المرأة، وأكثر ما تتميز به المرأة العراقية في لباسها هي العباءة التي تغطيها من الرأس وحتى القدم، خاصة أن العراق من البلدان التي تمتثل إلى التقاليد العشائرية، وأغلب مناطقه ومجتمعه ذات طابع ريفي وشعبيّ. وأضافت لـ "العربي الجديد" "كنا نرتدي العباءة فوق ملابسنا المهيأة للخروج، أي فوق الفستان أو التنورة والقميص، ومن غير المألوف الخروج دون عباءة الرأس، لان ذلك يعطينا شعورا بأن شيئا ما ينقصنا". وتضيف "ظهرت في السنوات السابقة وحتى الآن العديد من العباءات، بأشكال دخيلة لا تمت بصلة إلى العباءة التي عرفناها ولبسناها، ومنها السورية، والخليجية المسماة بـ "الإسلامية"؛ والتي تُلبس فوق الثياب، وتأتي قطعة واحدة، وهذه انتشرت كثيرا، وتأثر بها الجيل الجديد، فضلا عن كثيرات بدأن يفضلن العباءات المستوردة ذات الأشكال والألوان المختلفة، خاصة الخليجية على العباءة التقليدية العراقية".

دلالات

المساهمون