الخبز: رائحة الأمان والذكريات

الخبز: رائحة الأمان والذكريات

14 يونيو 2015
سحر الخبز (Getty)
+ الخط -
كنا نجتمع حول أمهاتنا، لمراقبة خبز التنور، كنّ يعجنّ لنا الحياة ثم يخبزنها بقلوبهن وحبهنّ. هو ذلك الخليط الأزلي من الطحين والماء، المكونين الأساسيين للخبز السحري. كبرنا وتغيرت الحياة، إلا رائحة الخبز القادمة من الفرن، بقيت تشدّنا رغم اختلاف الأفران والأمكنة الجغرافية، تلك الرائحة هي الأمان. لا شيء يعطي الفقير الأمان أكثر من رائحة الخبز. فرائحة الخبز خاطفة الأرواح، تجعلنا ندرك أنه على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
كانت ولم تزل المعجنات على أنواعها والخبز باختلافه، المادة الأساسية في طعام معظم شعوب الأرض، ففي إيطاليا، هي العجينة المضاف إليها بعض الجبن والطماطم وتسمى البيتزا أو المعكرونة الشهيرة. في أميركا وأوروبا، يعتبر الخبز المكوّن الرئيسي الأول في صنع الوجبات السريعة، مثل الهمبرغر أو الهوت دوغ والشاورما أو صنع الفطائر السريعة، فلا تكتمل الصحون من دونه كما أنه أساس الكرواسان السريع وسهل التناول.

أمّا في عالمنا العربي، فحضور الخبز مختلف إذ يشكل الدعامة الأهم في غذاء الشعب العربي، وهو يتنوع ويختلف بحسب البلد وبحسب طريقة صنعه وبحسب نوع القمح الداخل في تركيبه. فهناك الخبز البلدي والخبز الشامي والخبز المدور والرقيق والخبز المغربي ، وقد تفنن العرب بجودة وجمالية شكل تقديمه ليصبح موروثاً يحملونه معهم أينما ذهبوا، وقد قالوا فيه الأمثال والحكايات فهو يدل على العشرة الطيبة (بيننا خبز وملح ) و(لقمة هنية تكفي مية ).

يتألف الخبز من مادة القمح ، والقمح هو تلك النبتة المباركة التي، مذ وجدها الإنسان، وجد استمرارية لحياته. ويحتوي القمح على البروتينات التي تجعل طحينه مع الماء مادة مطاطية قابلة للمد، وبوجود قدرتها على التخمر تطلق غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يساهم في جودة طهو الخبز. كما يحتوي على حمض أميني خاص هو حمض الغلوتامي، وهو الحمض المسؤول عن تحسين قدرات الدماغ وعن النمو، كما تحتوي قشور القمح على الفيتامينات والألياف اللازمة للحياة، بالإضافة إلى نسبة عالية من النشويات التي تمدنا بالطاقة والقدرة على البقاء.
لقد عرفت بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام زراعة القمح منذ عصور قبل الميلاد، إذ وجدت آثار تدل على وجود القمح في الحضارة السومرية، وعرفه المصريون منذ الفراعنة، فأقاموا المهرجانات والأعياد لتمجيد أهميته.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، لا يزال الخبز سيّد الموائد ومعه المعجنات والحلويات التي تتميز بها البلدان العربية حيث يتفنن العرب في تحضيرها. كان السوري أوّل من زرع القمح وخبز الخبز، السوري نفسه يعيش اليوم في الملاجئ والعراء لا يعرف أيّ نوع من الخبز قد يفرحه، أو ما ستقدم له الخيام، أو أيّ إفطار سيأكل وأية عجينة ستطهو الأمهات لأولادها الراحلين. ولكن رائحة الخبز نفسها قد تبعث في روحه الكثير من التفاؤل، حيثما فُقد، على أمل أن يُعادَ يوماً التجمّعُ حول الأمهات على الرغم من قساوة الحروب.

دلالات

المساهمون