"ديوان الدوق" الأردني.. إطلالة على قرن فات

"ديوان الدوق" الأردني.. إطلالة على قرن فات

25 ابريل 2015
أناقة يلاحظها من يزور الديوان (العربي الجديد)
+ الخط -

يوصلك درج "ديوان الدوق"، المكون من ثمانٍ وعشرين درجة من البلاط الأصفر، إلى أحد أقدم منازل العاصمة الأردنية عمّان، حيث يُعيدك صعود الدرج إلى عشرينيات القرن الماضي، رغم ضجيج الحداثة المحيط بالمكان، المنزل الذي تم بناؤه عام 1924 يحافظ إلى اليوم على تماسكه رغم الآثار التي حفرتها عوامل الزمن في جدرانه، من دون أن تطالها يد الترميم، حرصاً من قبل ملاكه والقائمين عليه اليوم، على إبقائه شاهداً على التراث العمّاني الذي يشارف على الزوال.

يسحرك أثاث الديوان التقليدي المرتب بعناية، فكأن سيدة المنزل النشيطة انتهت من ترتيبه قبل دخولك بثوانٍ، المقاعد الخشبية على الشرفة المطلة على شارع الملك فيصل أقدم شوارع وسط عمان القديمة جاهزة لاستقبالك، وطاولة السفرة على أهبة الاستعداد، وخزائن الأواني مشبعة بالنظافة، والسرير الخشبي في غرفة النوم وخزانة الملابس في أبهى صورهما، غرفة الاستقبال تشعرك أن ضيوفاً سيطرقون الباب بعد قليل، وغرفة المكتب تنبئك باجتماع منتظر، يا له من مكان تغادره على مضض.

يوحي لك المكان قبل الاطلاع على تاريخه أنه يعود إلى أحد باشوات تلك الحقبة، وحقاً فقد بناه عبد الرحمن باشا ماضي، أحد أعيان عمّان ليتناسب ومكانته الاجتماعية المرموقة، لكن المنزل دخل التاريخ الأردني الحديث عندما لفت انتباه حكومة إمارة شرقي الأردن في ذلك الوقت، قبل أن يصبح البلد مملكة، فاستأجرته فور الانتهاء من بنائه ليكون أول مبنى للبريد الأردني في عمّان، واستمر كذلك حتى نهاية أربعينيات القرن الماضي، ليتحول بعد نكبة عام 1948 إلى فندق عرف باسم "فندق حيفا" الذي لازمه حتى عام 2001.

اقرأ أيضا:متحف الأردن يروي قصة تواجد الإنسان منذ القدم

ويتكون المنزل من خمس غرف مختلفة المساحة، تمتاز بسقوف مرتفعة وجدران سميكة، منسجمة بذلك مع الطراز المعماري زمن بنائه، ويربط الغرف صالون يزخرف أرضيته بلاط مربع الشكل باللونين الأسود والأخضر. ويحافظ المنزل إلى الآن على أبوابه الخشبية العتيقة والسميكة، ومقابضها الثقيلة، وتميّزه نوافذه الطويلة على الواجهات الخارجية، والتي تنتهي بأقواس مزخرفة.

وتوثق صورة معلقة داخله ملتقطة من قبل حكومة الانتداب البريطاني في عام 1925 المنزل على اعتباره أول بناء حجري حديث يقام في شارع الملك فيصل في وسط العاصمة، إذ استخدم في بناء واجهته المطلة على الشارع الحجر المعاني الأبيض المعروف بجودته العالية، والمنقوش بعناية، كما تم تزيينه بأعمدة نحتت قممها.

كان يمكن أن يلاقي المنزل الذي يقف اليوم شاهداً على التراث العمّاني مصير غيره من المنازل التي هدمت أو أهملت، غير أن عام 2001 دخل المكان مرحلة جديدة عندما التفت إليه ممدوح بشارات، والذي خلع عليه الملك الراحل الحسين بن طلال لقب (الدوق) نظراً لنشاطاته البيئية والزراعية، فاستأجر المنزل من عائلة ماضي، وحوله إلى معلم ثقافي وسياحي، أملاً في المحافظة على تاريخيه وحمايته من الحداثة التي تسببت بهدم مماثليه من المنازل، ليحمل المنزل من يومها اسم "ديوان الدوق".

يفتح الديوان أبوابه للمواهب المتنوعة في الموسيقى والرسم والشعر والمسرح والأدب وغيرها، حيث يشهد بين فترة وأخرى لقاءات ونشاطات أدبية وفنية، وندوات حول تاريخ المدينة، وأصبح أحد المعالم التي يقصدها السياح.







المساهمون