الرّباط: تاريخ عريق وتذكارات لا تقاوَم

الرّباط: تاريخ عريق وتذكارات لا تقاوَم

26 مارس 2015
جامع وصومعة حسان (Getty)
+ الخط -
كان الطقس بارداً عندما حطّت بنا الطائرة في مطار الدار البيضاء، واستقبلتنا المدينة بأمطار الخير التي رافقتنا على طول الطريق إلى مدينة الرباط. عند وصولنا إلى الفندق، كان في استقبالنا ممثلين من مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث – كوثر، أصحاب الدعوة، ومن برنامج الأمم المتحدة لدول غرب آسيا UNDP.

جمعتنا الرغبة في شتاء 2009، للتدرب على طرق متابعة الأهداف التي كانت الأمم المتحدة قد وضعتها للألفية. لكن الوجه الآخر لتجمعنا كان التعرف إلى الرّباط، إحدى أجمل المدن العربية، عاصمة المغرب، وثالث أكبر مدينة في البلاد.

صومعة ومسجد حسان
كانت أولى استراحاتنا السياحية في المدينة، عندما توجهنا إلى جامع وصومعة حسان، المطلة على نهر أبي رقراق، التي تسمى أيضاً منارة حسان، وتشكل أحد أبرز المباني التاريخية المتميزة في العاصمة المغربية الرباط، والتي أضافتها منظمة اليونسكو إلى لائحة التراث العالمي عام 1995. أدهشنا وجود حارسين من الحرس الملكي بزيهما الرسمي على ظهر الخيل، ويقفان عند بوابة الصومعة وكأنهما جزء من تراث المكان وهويته.

وكان المسجد الذي أمر ببنائه يعقوب المنصور الموحدي بين عامي 1197 و1198، يعد من أكبر المساجد في عهده، لكن بناءه لم يستكمل بعد وفاته عام 1199، كما أنّه تعرض للاندثار بسبب الزلزال الذي ضرب الرباط عام 1755. ويقول علماء الآثار أنّ معالمه الباقية تشهد على مدى ضخامة البناء الأصلي.


أما الصومعة أو المنارة، فتعتبر من أروع المنارات التي بناها الموحدون على غرار منارتي الكتيبة في مراكش والخالدة في إشبيلية، والتي يقال أنّ "ليس في بلاد الإسلام أعظم منها". وقد أدهشتنا تصميماتها الزخرفية المختلفة لكل وجه من أوجهها الأربعة، والنقوش الأندلسية المغربية التي تعود إلى القرن الثاني عشر.

لم يكن متاحاً للزوار الصعود إلى أعلى المنارة المربعة الشكل والتي يبلغ عرض كل جدار من جدرانها الأربعة 16 متراً ويصل ارتفاعها إلى 64 متراً. فقد علمنا أنّها تعرضت للكثير من العوامل على مرّ الزمان، فتهدّم سقفها العلوي، ما يدعو إلى حمايتها من الثقل والتصدع وللحفاظ على سلامة الزائرين.

بعد ذلك، دخلنا إلى ضريح العاهل المغربي محمد الخامس الذي يحوي مقابر الملك وولديه الملك الحسن الثاني والأمير عبد الله. ويعتبر تحفة معمارية من الرخام الأبيض المسقوف بالقرميد الأخضر. فخامة الضريح من الداخل تسلب الأنظار بالزخارف التي تزينه من الحجر والجبس ذات الأشكال الهندسية والنباتية والكتابات. وقد أنجز بناؤه عام 1971.

القصر الملكي
انتقلنا إلى أمام القصر الملكي أحد معالم المدينة الأساسية، ويسمى كذلك دار المخزن. يضم القصر المبني عام 1864، إلى جانب الحدائق والساحات، الخزانة الملكية التي تعتبر من أهم الخزانات في المغرب، إذ تحوي على 14 ألف مخطوطة ومجلد، منها النفيس والنادر، بمختلف المعارف والعلوم، وبلغات متعددة، إضافة إلى 150 ألف وثيقة. وبعد ذلك تجمعنا لتناول العشاء في أحد المطاعم البحرية في قصبة الأوداية عند الشاطئ، وتذوقنا أشهى أطباق السمك، التي تشتهر بها الرباط والمغرب عموماً.

أبواب المدينة التاريخية
كثيرة هي الأبواب التاريخية الأثرية التي تحيط بمدينة الرباط، ومن تلك الأبواب يعبر الزائرون إلى قلب المدينة، ويستكشفون وقع الحياة المغربية ونبضها. وتنقسم الأبواب في الرباط إلى قسمين، أبواب السور الموحدي السبعة وأبواب السور الأندلسي. وفي إحدى جولاتنا في المدينة، وصلنا إلى باب الأوداية الأشهر، الذي يشكل جزءاً مهماً من تراث الحي القديم الذي يعد واحداً من أبرز الأحياء التاريخية المدرجة ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي. ويفضي الباب إلى الحديقة الأندلسية التي تعد بدورها إحدى أشهر الحدائق التاريخية في العالم العربي، التي تحتضن المتحف ورواق باب الأوداية للمعارض الفنية.


الطاجن المغربي
من يزر المغرب ولا يأكل الطاجن، يكون قد فاته الكثير. دعينا لتناول العشاء في أحد المطاعم المغربية التقليدية. إنّه بالأساس منزل تقليدي من طابقين في قصبة الأوداية. هندسته المعمارية تلفت الأنظار. وصلنا إليه عبر طرق داخلية ضيقة سيراً على الأقدام. هي عبارة عن ممرات بين منازل عالية متصلة ببعضها بعضا، مدهونة باللون الأبيض، لا شرفات لها وإنّما نوافذ كبيرة زرقاء. يخيّل للعابر أنه في متاهة من الحارات المتشابكة والمتشابهة. لم ننتظر طويلاً حتى حضرت الطواجن الفخارية بألوانها ورسوماتها، وقاعدتها العريضة وأغطيتها المخروطية. وعندما رفعت الأغطية، تصاعد البخار وفاحت روائح الطعام التي تسمى " الشويهات". كان تنوع أطباق الطاجن يدل على كرم الضيافة، فهناك الطاجن باللحم والطاجن بالدجاج وآخر بالسمك، والطاجن بالخضار.

أسواق الحرف والمشغولات
ما أمتعنا قبل أن نغادر البلد، كان التجول في الأسواق التراثية وشراء التذكارات والهدايا. أصابتنا الحيرة أمام روعة ما رأيناه من تحف ومشغولات يدوية. أدهشتنا قطع السجاد الصغيرة، والأواني الفخارية، والمرايا المزخرفة، والصناديق الملونة، والدمى بأزياء المغرب التراثية الجميلة، كذلك العباءات المغربية الشهيرة والمداسات. وكانت " الثروة " التسويقية التي أشفت غليلنا، مشغولات الفضة التي لاقت إعجاب الصبايا جميعاً، والمصاغة بشكل مختلف عن الفضة التي نجدها في بلداننا. ومع جولات التسوق التي امتدت لساعات، وبعد أن نال منّا التعب، كانت لنا استراحة في أحد المقاهي البحرية.

تفاجأنا عند عودتنا في المطار بحمولتنا الزائدة، هي ضريبة السفر إلى المغرب، يعود الزائر منها محمّلاً بأجمل التذكارات التي لا تقاوم.

المساهمون