الثورة السوريّة: ابتسموا لرصاص القائد ولا تموتوا

الثورة السوريّة: ابتسموا لرصاص القائد ولا تموتوا

16 مارس 2015
طفل يجمع الرصاص (Getty)
+ الخط -
انسوا قضية المجسّمات، انسوا لعبة " الأيادي الغريبة"، انسوا مقولة مثيري الشغب، أو لعبة الابتهال للمطر الذي خرج فيها تلفزيون الدنيا. ركزوا على أساس التنكر منها. أيعقل في التفكير العربي السلطوي أنّ نظام درب تحرير فلسطين، يثور عليه أبناء البلد؟

هو محور القداسة. كل شيء فيه مقدس، الزعيم والوزير، حتى معقل الاضطهاد مقدس، لأنّ اسمه "فرع فلسطين". هو محور الشعارات الفخمة "الصمود والتصدي" والممانعة والمقاومة. خاصة تلك الملتزمة للهدنات الدولية الطويلة الأمد. درب التحرير المشروط بالمشهد الإقليمي وأوراق اللعبة السياسية. فلنجد صورة غير تلك الثورة إذاً. صورة تطابق ما يحبه أعداؤها.

فلتخرج مجدداً التظاهرات في كل المحافظات دون أي لحية. حبّذا لو تخرج من غير المساجد. الثورات عادة تخرج من حلقة ثقافية يديرها وزير الثقافة. لمَ لا تخرج من "هايد بارك" ديمقراطي وحر، كتلك التي شيّدها النظام الداعم للحريات في تدمر والمزة ودوما؟ إذاً، فلتحسنوا هندامكم ولتسرّحوا شعركم بطريقة لطيفة. عند أول حاجز مخابرات، فلتتقدم التظاهرة لمبايعة القائد. وعندما يقترب أول ضابط أمن يحمل "روسية" قولوا لهم: "نحنا بمسيرة لبعض الإصلاحات التي تحدثت عنها بثينة شعبان". إذا صفق الضابط، صفقوا معه.

أكملوا المسيرة في اليوم الثاني. التماثيل التي بقيت للقائد الخالد، نظّفوها وأقيموا "السيران" أمامها. كلوا بعضاً من الخبز والملح تحت ظلال التمثال الأبدي. هكذا ستشعرون أنّ ما بينكم وبين القائد الراحل خبز وملح. إذا ما صرخ أحدكم فليسقط النظام، أعلنوه عميلاً خارجياً، حقيراً. إذا صورته كاميرات الإعلام قولوا إنّها مؤامرة. استمروا في الخبز والملح، لا تخرجوا قبل أن تهتفوا أنّه لم يمت. أعينوا نظراءكم من رجال الأمن مادة للوشاية. قولوا إنّ نايف، الطفل الحلبي الذي دُمّر بيته وقتل أهله، شتم القائد الراحل. قولوا إنّ القاشوش لعبة إعلامية محبوكة، وإنّ ورود غياث مطر اصطناعية، لذلك استحق التمثيل بجثته.


في اليوم الثالث. سمّوا الجمعة "جمعة القدس". احملوا صور القائد ببزته العسكرية يقاتل في الجولان. آ، لم يقاتل؟ إذاً، فمن المستحب أن تكون فوتوشوب لا مشكلة. العملية سهلة للغاية، ارسموا قبة الصخرة في المسجد الأقصى، اخرجوا منها صورة رأس القائد، اكتبوا "فلسطين عيونها خضر"، وارفعوا يديه من قناطر بيت المقدس، ليظهر وكأنّه يحتضن القضية المركزية، واضيفوا طائراته على اللوحة. لا تخافوا، فالطائرات المرسومة لا تلقي البراميل. الطائرات التي ألقت البراميل هي الفوتوشوب بعينه. الموتى الذين قضوا تحت الركام من جرائها هم ليسوا ثواراً، إنّهم عراقيل في وجه طريق النضال.

إذا أطلق أحد النار عليكم، لا تموتوا. حتى لا يأتي داعش، فيخرج إليكم صحافي مقاوم جداً ويقول: "هاي ثورة هاي"؟ ابتسموا لرصاص القائد. ابتسموا للموت بين يدي القائد. حتى لو مثّل رجال القائد بالجثة، فاقتلعوا الحنجرة أو الفم أو اليد، أخرجوا مجدداً الفوتوشوب وضعوا حنجرة جديدة تنادي: إلى الأبد، إلى الأبد. اجعلوها مهرجاناً حضارياً بمشاركة نخبة من الفنانين كعلي الديك ولتحيي الحفلة النجمة العربية جداً، راغدة.

ستنتهي معاناتكم، سيعود النازح واللاجئ والمهجّر، ستجتمعون أفواجاً بين آلاف الجنود والمقاتلين. لا تكترثوا لأي عقاب محتمل، النظام يحب العفو العام. ستتوجهون إلى القصر الرئاسي لتلتقطوا صورة مع الرئيس المبتسم. احرصوا على جلب صور موتاكم، وابتسموا للصورة التي ستظهر في اليوم الثاني على افتتاحيات الصحف. سيخرج مذيعو الأخبار ومحللون قضوا حياتهم في سبيل تحليل قضية فلسطين، وسيكتب عنكم الثوار الافتراضيين الذين لم يطيقوا ثورتكم: "هذه ثورة حقيقية، هكذا تكون الثورات".

المساهمون