النوتردام: شجرتا 14 و8 آذار

النوتردام: شجرتا 14 و8 آذار

01 مارس 2015
قبل أن نعلم ماالطائفية وقبل أن يُتقن بعضنا ممارستها
+ الخط -
"سميرة جبيلي"، مربيّة لبنانية أسّست المدرسة خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين في بيروت. وتلك المدرسة لا تتبع لمؤسسة نوتردام العالمية بل هي متواضعة، وبدل التسجيل فيها لا يتعدى الثلاثة آلاف دولار سنوياً، على عكس معظم المدارس الخاصة في لبنان.

كانت النوتردام "فرع المتحف" مدرستي الأولى، هناك ترعرعت وقضيت طفولتي، وبذاكرتي لم أشعر يوماً بالضيقة فيها. كنت الطفل المدلل في المدرسة بين صفَّي الأول والسادس ابتدائي.

في المدرسة جوٌّ من الألفة بين الطلاب والمعلمين، وحديقة تركض فيها الأرانب وتتسكع فيها السلاحف، وملعبان، الأول للفرصة الصباحية، والثاني لرياضتيْ كرة القدم وكرة السلّة. فادي، كان يبيعنا المناقيش والمأكولات، وهو كان يخدم في الكنيسة الموجودة داخل المدرسة أيضاً، التي كنّا نستمتع كأطفال بالدخول عليها قبل أن نعلم ما هي الطائفية وقبل أن يُتقن بعضنا ممارستها.

إقرأ أيضا:الطائفة 19: مسرحية تحلم بطائفة جديدة... غير طائفية!  
كنّا نستمتع بالزخرفة الموجودة على سقف الكنيسة ورسومات الموزاييك التي تلوّن كل النوافذ الزجاجية التي تحاوط الكنيسة. كنّا كالملائكة، نصطف على المقاعد، ولا نُجبر على الصلاة. وكان يأتي الراعي في الكنيسة ويقدّم لنا بعض الحلويات الخفيفة ويتحدث معنا عن يومياتنا ويستمع لأخبارنا مهما كانت دون كللٍ أو ملل.

مدام بوستاني كانت الوجه الذي يخافه كل الطلاب. كانت صارمة وصوتها أعلى من صوت جرس الكنيسة في منتصف النهار. لكنها كانت أيضاً شخصية محبّة تشبه الأم تيريزا. فهي تجلس معنا كأولاد حين تغيب إحدى المعلمات، وتخبرنا قصص ليلى والذئب، وتأخذنا إلى الحديقة حيث نلهو ونركض، محاولين التقاط الأرانب التي كانت تهرب من أيدينا.

على بعد خمس دقائق من المدرسة الأولى، مبنى آخر للنوتردام، في منطقة وطى المصيطبة ببيروت. وهناك، مشهدٌ آخر كلياً. لا حديقة، ولا ملعب كرة، ولا كنيسة. هناك فقط شجرتان كنّا نجلس تحت ظلالهما، ومختبرٌ صغير، بالإضافة إلى مكتبة لا مساحة فيها لصفّ بكامله، على عكس مبنى المتحف، الذي كان يحفزنا على التسكع طويلاً بسبب كبر مساحته.

في المصيطبة تعلمت التدخين، كنّا نهرب من صفوفنا ونحتل الحمامات مع سجائرنا. أصبحت كائناً نيكوتينياً بسبب بلاهتي. راقبت طلاباً يُغرقون أنفسهم بالحبوب المسكنةِ لأرواحهم، المخدرات بدأت تنتشر في الملاعب وأصبح من كان بريئاً في المتحف، "تعاطجياً" في وطى المصيطبة.

أمّا في نوتردام المتحف، فهناك تعلمت المشي والكلام. وفي نوتردام المصيطبة، التهمت نيران السجائر براءتي ورئتيَّ، وخنقتني الطائفية التي بدأت بالانتشار بين التلامذة التي تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثامنة عشرة.

وفي الفترة ذاتها اغتيل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. ومنذ عشر سنوات حتى اليوم، انقسمت الشجرتان اللتان كنّا كشبابٍ صغار نختبئ وراءهما لتقبيل صديقاتنا، انقسمت الشجرتان إلى شجرة 14 آذار وشجرة 8 آذار.

المساهمون