مراكب غزّة السياحية... مصدر للرزق

مراكب غزّة السياحية... مصدر للرزق

03 أكتوبر 2015
المراكب السياحية تزيّن ساحل غزة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يتجه مركب "رامي السياحي" المزين بالأعلام الفلسطينية مسرعاً نحو مجموعة مصطافين وصلوا لتوهم لشاطئ البحر، يصفر لهم بصفارته عالية الصوت، ويعرض عليهم اصطحابهم في رحلة بحرية على متنه مقابل مبلغ معين من المال.

المراكب السياحية، التي انتشرت مؤخراً، وزينت ساحل قطاع غزة قبالة البحر المتوسط، بألوانها وأحجامها المختلفة باتت مصدر رزق لمجموعة من البحارة والصيادين، الذين قست عليهم الظروف نتيجة شح الصيد، والتضييق، والاعتداءات الممارسة من قبل البحرية الإسرائيلية بحقهم.

التناقض يبدو واضحاً ولافتاً في ميناء مدينة غزة وساحلها، بين مشهد المراكب المزينة بالأعلام الفلسطينية وأعلام الفرق الرياضية، ومشهد آخر يحمل أصناف المعاناة والصعوبات، التي تعانيها مراكب الصيد، والتي أدت إلى تدهور مهنة الصيد، وانخفاض مستوى دخلها، ووصوله إلى معدلات غير مسبوقة.

اقرأ أيضاً: حصار التعليم في غزة

ذلك التدهور نفسه هو الذي دفع مجموعة من البحارة والصيادين الفلسطينيين إلى تحويل مجرى قواربهم، بدلاً من الإبحار غرباً والاصطدام مع الزوارق الإسرائيلية وشح الأسماك، إلى تزيين جنبات القوارب، وتحويلها إلى قوارب سياحية تجوب الساحل شمالاً وجنوباً، حاملة على متنها المصطافين في "لفّة بحرية" مقابل أجرة.

"مصائب قوم عند قوم فوائد"، هي العبارة الأنسب لسبب انتعاش مهنة المراكب السياحية في قطاع غزة، والذي يرجع لكثرة ضغوط العيش التي يمر بها سكان القطاع المحاصر، والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي الذي جعل البحر متنفسهم ومهربهم الوحيد، خاصة لأولئك الذين امتلكوا روح المغامرة.

ويقول البحار رامي بكر (38 عاماً)، صاحب أحد المراكب السياحية، أنه بدأ الصيد مع والده في سن الحادية عشرة، واستمر في العمل بالصيد إلى حين استشهاد ابن عمه محمد عام 2009 أمام عينه بعد أن أطلقت البحرية الإسرائيلية النار عليه بشكل مباشر.

ويضيف: "كان المشهد صعباً، وبدأت منذ ذلك الوقت بتحويل قاربي إلى قارب سياحي يحمل المصطافين لمسافات غير بعيدة".

اقرأ أيضاً: الصيد في غزّة.. الاستعاضة عن المراكب ببنادق متخصصة

عشق الصيد لم يفارق البحار رامي الذي يوضح لـ"العربي الجديد" أنه رغم المخاوف الكبيرة التي تتملكه نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أنه ما زال يذهب للصيد في المواسم، التي تكثر في فصل الشتاء، أما في الصيف فيتجه للعمل بالسياحة لتوفير قوت عائلته.

الجدوى من العمل في القوارب السياحية ليست بالشكل المطلوب، هكذا يقول رامي. فأكثر من نصف ما يحصله يومياً يذهب لشراء وقود البنزين للمركب، "والنصف الآخر للبحارة والعُمال، ويتبقى لي شيء بسيط"، لكن تعوده على العمل داخل البحر لا يمكنه من العمل في أية مهنة خارجه إنْ وجدت.

ويقول رامي: "نرى السعادة واضحة على ملامح من يركب تلك القوارب التي تجوب البحر، خاصة وأنها شيء فريد، يكسر الممل الذي يطغى على معظم الوقت"، مبيناً أنها مهنة ليست سهلة، وبها بعض المغامرة والمجازفات.

الحال لم يختلف كثيراً عند البحار، خضر بكر، ابن عم البحار رامي، الذي وصف لـ"العربي الجديد" رحلة قاربه السياحي اليومية التي يجوب خلالها داخل حوض الميناء وخارجه عشرات المرات، بدءاً من الظهيرة حتى ساعات المساء.

اقرأ أيضاً: آثار غزّة: حملة شبابية لإنقاذها من الإهمال

ويبين بكر، الذي بدأ في العمل بالبحر منذ عشر سنوات، أنّ العمل يزيد في الأعياد والمناسبات والإجازات، ويقول: "أرى الكثير من العائلات التي ترغب بالركوب، لكن وضعها الاقتصادي لا يمكنها من ذلك، وفي الوقت ذاته لا يمكنني خفض سعر الرحلة بسبب غلاء الوقود، وأجرة البحارة والمساعدين".

عَمل خضر في البحر تأثر كثيراً خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012، عندما دمرت نيران الزوارق الإسرائيلية مركبه، كذلك عدوان عام 2014 والذي أدى الى تدمير معداته، مما أدى إلى توقفه عن العمل، الى أنّ جاءت زميلته مادلين كلاب، وشاركته في العمل، بتوفير محرك للقارب، مَكّنه من العودة للعمل، مناصفة معها.

ويقول: "أصبحت أتناوب أنا وزميلتي في العمل على القوارب السياحية، ومعنا نحو 10 بحارة، يساهمون في تجهيز المركب وتوجيهه خلال الرحلة، ويقدمون السترات للركاب"، مضيفاً: "لا نمانع من تشغيل أي بحار يود العمل معنا، فكل منهم يأتي ورزقه معه".

الاعتداءات والممارسات العدائية التي تمارسها زوارق الاحتلال الإسرائيلي في عرض البحر، والاستهداف المباشر للبحارة ومعداتهم، فشلت مراراً في تحقيق هدف إسرائيل بإفراغ البحر من مراكب الصيد والمراكب السياحية، التي تساهم بتوفير الآلاف من فرص العمل، في الوقت الذي تعاني فيه غزة من وصول نسب الفقر والبطالة إلى أعلى مستوياتها.

اقرأ أيضاً: غزة تغني للسلام

المساهمون