هاتِ الأطلس يا ولد!

هاتِ الأطلس يا ولد!

10 اغسطس 2014
مجسم لخريطة فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -

التقيتُ بشابّ من فلسطينيي لبنان، وحكى لي عن نموذج رسميّ يُعبّأ في الطائرات يتضمن خانة، هي نوع وثيقة السفر. قال مبتسماً إن المستطيل صغير، والتعريف بي يتطلب أن أقول: وثيقة خاصة باللاجئين الفلسطينيين، فأضطر إلى أن أمدّ سهماً خارج المستطيل حتى يكتمل التعريف.

- حضرتك جنسيتك أردني؟ يعني معك جواز عادي؟

- معي جواز ورقم وطني، بس أنا من الخليل. مش الخليل المدينة. احنا من الـ 48 من القرى. المدينة راحت في الـ 67.

- بتعرفها الخليل؟ واللهجة الخليلية؟

- طبعاً. مين ما بعرفها! بتعرف؟ أمي حتى الآن حافظة أمازيغي.

- كيف هاي؟

- إحنا أصلاً جينا من الجزائر لفلسطين.. بعدين إجت النكبة..

- خلّيك لاجئ في لبنان. إذا رجعتنا على الجزائر بصير بدك نص صفحة A4 حتى نتعرف عليك.

وضحكنا 

***

طبعاً في الأردن، بحسب تكوينه، ناس من المنابت والأصول كافة. الأردن يبقى ماشياً في ظلك أو ماشياً في ظلّه، أو في ظل المعطيات. يمكن أن تصادف منغصات وكركبات اعتباطية، غير أنك لا تحدق في الكابوس، كما هي حال لاجئ فلسطيني في أماكن أخرى. ثم تمضي على أساس أن أحداً ما لم يلعب بوجودك حتى يوم الناس. ولكن من مأمنه يُؤتى الحذِر فيطلعلك ولد مثل ابني حازم، وكان آنذاك في المرحلة الإعدادية ليسأل: "بابا أنا أردني ولا فلسطيني؟".

(صوت داخلي: والله يا بابا ما بعرف).

وعليّ أن أجيب، فالمدرسة في احتفالها السنوي تطلب من جميع الطلّاب ارتداء زيّهم الوطني، وعلى حازم أن يرتدي الشماغ الأحمر بحسب جنسيّته، بينما زميله أحمد يرتدي الكوفيّة الفلسطينية، لأنه فلسطيني من غزّة يحمل وثيقة مصريّة.

وعليّ أن أجيب فقلت: أنت عربي، صح؟ قال: صح. قلت: لا يوجد فرق بين عربي وعربي، صح؟ قال: مثل جيراننا العراقيين. قلت: بالضبط، لكن أنت فلسطيني إنما بلدنا محتلّ وطردنا، وين بدنا نروح؟ قال: برّا فلسطين. قلت: آه بس وين؟ هات الأطلس أورجيك وين.

بعد أيام، عاد حازم من المدرسة منكّساً رأسه فقلت: مالك؟ قال: المعلّمة (من الهند) أعطتنا امتحاناً اليوم، سمّيلي أربع دول وعواصمها، كتبت: الأردن – عمّان، سورية- دمشق، فلسطين- القدس، حطّتلي صح على كل الأجوبة ما عدا فلسطين. قلتلها: "يا مس ليش فلسطين غلط؟" جابتلي أطلس وورجتني وعن جَدّ طلع ما في فلسطين على الخارطة. وما هي إلا ساعة حتى هجمتُ على المَدرسة مثل حيوان، مهتاجاً من غرائز بدائية لم توزّع بعد على الكائنات.

اعتذرت إدارة المدرسة، وبكت المعلّمة وهي تقول إنها لم تقصد، والبريطاني مدير المدرسة أعرب عن أن هذا أمر غير مقبول وسنتجاوزه بسرعة. وجدت مؤازرة قويّة عفويّة من القطريين والعرب المقيمين، الذين صرخوا في وجه المدير، وقالوا له إن فلسطين موجودة لـ 300 مليون عربي، بينما وسّع أحدهم الدائرة الطموحة وقال: لمليار مسلم. وبالطبع عليّ أن أخص بالشكر زوجة صديقي، التي غسلت المدير بالإنجليزية الجيّدة، مدعومة بحزامها الأسود في الكيك بوكسينغ، والتي طلبت منها أن تردح بالإنجليزي، وأنا أردح بالعربي. حازم الآن الذي يدرس العمارة في بلاد الإفرنج، وعلى السكايب ذكّرني في الصفعة إياها. كنت سألته: ماذا كان ردّك على المعلّمة؟
قال: لا شيء.. فصفعته.

قلت: بما أنك أطول منّي بـ 15 سنتمتراً فأنا أعتذر لك. قال: لا. لا تعتذر. في ذلك الوقت كنت أقصر منك بـ 15 سنتمتراً.

المساهمون