"الراحل الكبير": طرب و"هيب هوب" صوفي

"الراحل الكبير": طرب و"هيب هوب" صوفي

07 نوفمبر 2014
فرقة موسيقية غنائية ضدّ الطرب! (العربي الجديد)
+ الخط -
حفلات متلاحقة لفرقة "الراحل الكبير"، شكلت حديث بيروت ومفاجأتها لهذا الموسم. فالفرقة، التي تأسّست في العام 2013، آتية من تجارب ومحاولات سابقة، بدت دوماً محاولة مستعصية لتجديد الأغنية السياسية المنبثقة من التراث الطربي.

هي محاولة وصل بين ذائقة الراهن وذاكرة الماضي، بين حساسية الآن وهنا، ومرجعية الموروث الصارمة لمواءمة أصول الغناء وخفّة القول، والجمع بين "الالتزام" الاجتماعي والنقد السياسي. وقد أثمر الجهد الاختباري لهذه الفرقة توليفة غنائية مفاجئة، حديثة وتقليدية في آن واحد.

تُعرِّف "الراحل الكبير" نفسها كالتالي: "فرقة موسيقية غنائية لا تبغي الطرب، تُعنى أيضاً بجرف التراث". لكنّه طرب متخفّف من وقاره وادّعاءاته، خضع للأسلبة والتحريف، فلا "أصول" ولا "مرجعيات" لأعمال هذه الفرقة، بل اقتراحات تجديدية غير مألوفة من قبل. بهذا الرهان الخطِر والوعي التام بوعورة هذه المغامرة، تقدّم فرقة "الراحل الكبير" قطعاً موسيقية وغنائية خاصة أو مستعادة، من تأليف أو إعادة توزيع خالد صبيح. وتعمل الفرقة مجتمعة على تطوير الأفكار توزيعاً وتنفيذاً.

تضم الفرقة عازفين، على العود (عماد حشيشو)، والبزق (عبد قبيسي)، والإيقاع (علي الحوت)، والبيانو (خالد)، في أداء يراوح بين الطربي التقليدي والتعبيري الحديث. ويشكّل العازفون الأربعة أيضاً الفريق الغنائي، في أداء يتنقل بين نمط البطانة الشرقية، وطريقة الكورال، إلى جانب ساندي شمعون ونعيم الأسمر في غناء منفرد ومع المجموعة.

يخيّل إلينا ونحن نستمع إليهم أنّنا في حضرة الشيخ إمام وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب، وما لا يحصى من فرق صوفية ومنشدين. ويضاف إليها ما اختبره وأنتجه زياد الرحباني في الاتجاه ذاته، عدا عن ملاقاتها للفرق المصرية الشبابية، بعد ثورة يناير 2011، مثل "أنا مصري" و"بساطة" وغيرها.

تشكّل "الراحل الكبير" رافداً نوعياً لظاهرة التثوير الموسيقي الغنائي القائم أصلاً على التثوير السياسي والوعي الاجتماعي الغاضب. وبوسع هذه الفرقة، في حفلها "لا بومب"، أن تسخر من حسن نصرالله وأبو بكر البغدادي والرئيس محمد مرسي والرئيس عبد الفتّاح السيسي، في كلمات أغنياتها، بقدر سخريتها في الوقت نفسه من الجملة الموسيقية الطربية وتلاعبها بها على نحو ـ ويا للمفارقة ـ يغمرنا بالطرب ونشوته، فتكون لازمة "مدد" صوفية و"هيب هوب"، ويكون التخت الشرقي هو "البنية التحتية" للفرقة، التي يعني القصد من اسمها "الراحل الكبير": موت التراث وتشييعه.

"قتل التراث" هنا، أوديبي، ولذلك نجد أنّ الطابع الساخر للأغنيات لا يخلو من عنف موسيقي، من تعمّد واضح لخيانة أعراف الطرب وكسرها والاستهزاء بها، لكن بالأحرى هضمها وتشرّبها بالكامل.

أغنيات عاطفية وسياسية، وكذلك البحث الأنتروبولوجي، كما في الأغنية التي أعادوا توزيعها وغنائها وهي مأخوذة من شحّاذ يحمل الزق ويتجوّل في شوارع القاهرة. كلّ هذا كان أشبه بـ"قنبلة" نتمنّى انفجاراتها باستمرار.

المساهمون