الصحافي في الميدان: حدث أم ناقل للحدث؟

الصحافي في الميدان: حدث أم ناقل للحدث؟

25 نوفمبر 2014
فريق "الجزيرة أميركا" يهرب من قنابل الشرطة في فيرغسون(GETTY)
+ الخط -
في الأسابيع القليلة الماضية، وفي بيئات عمل مختلفة، وجد كثير من الصحافيين أنفسهم في مواقف غير مـألوفة، أصبحوا فيها هم موضوع الحدث بدل أن يكونوا رواة له. فقد وثقت رابطة الصحافيين السوريين أخيراً مقتل ما يزيد على 260 إعلامياً سورياً ومن جنسيات مختلفة منذ بداية الثورة على يد النظام، و"داعش"، بالإضافة إلى مئات الإعلاميين المعتقلين لدى الطرفين. وتمتد القائمة إلى ضحايا الإعلام في مصر وليبيا واليمن وتونس و... لا تنتهي في أميركا، حيث شهدت تغطية أحداث فيرغسون تجاوزات عدة في حق الصحافيين. 

وفي الحقيقة تندرج الممارسات ضد الصحافيين في زمن الحرب أو في أماكن الاحتجاجات والاضطرابات المدنية، في إطار اختبار مدى تشارك أولئك الذين يغطون الحدث مع الذين يصنعونه في القيم ووجهات النظر. كتب رايان شوسلر، وهو صحافي مستقل كان يغطي المواجهة بين المواطنين والشرطة في فيرغسون لصالح شبكة "الجزيرة أميركا"، في مدونته شارحاً أنه سينسحب من المهمة الموكلة إليه، بسبب عدم ارتياحه من الطريقة التي يتصرف بها أقرانه المحترفون: "لا أعرف لماذا أراها خطيئة بالنسبة لشبكة تلفزيونية أن تستأجر موقفاً مسيّجاً من أجل كاميرا وحيدة لهم في الموقع دون السماح باقتراب الناس، ناقلين الأخبار بأمان خلف السور العالي".

ويشتكي شوسلر على وجه الخصوص من أن الصحافيين أنفسهم أصبحوا جزءاً من القصة. ويقول شوسلر إنه شاهد طواقم تلفزيونية تتبادل أطراف الحديث، وتقهقه في المكان الذي قتل فيه الضحية الذي أثار الاحتجاجات مايك براون، بينما كان المواطنون يصلون. كما كان هناك صحافيون يتدخلون في الأحداث لمحاولة خلق لقطات أقوى أو تغطية أفضل. وعلينا أيضاً أن نناقش التعليمات المؤسساتية التي تنتج مثل هذا السلوك، في ظل تنافس محموم على استقطاب الجمهور وصنع السبق الصحافي في سوق إعلامية متداعية.

وهنا أيضاً لا بد من مناقشة ممارسات المهنة المتقلبة التي تؤثر على الصحافيين المستقلين بشكل عام، والظروف التي أدت إلى أن يحصل أولئك الصحافيون، سواء كانوا محليين أو أجانب، على فرص لبيع المقالات والصور لمناطق النزاع في الشرق الأوسط. فحقيقة ارتفاع القيمة المادية لهؤلاء الصحافيين بالنسبة لزبائنهم لا تعني بالضرورة ارتفاع قيمتهم المهنية والأخلاقية وقيمة حياتهم، حيث يعمل الكثير من الصحافيين المستقلين من دون أي تأمين، أو نفقات مدفوعة سلفاً أو حتى أثمان مواصلاتهم للعودة لأوطانهم.
وعلى الرغم من أن رفع الدعم والحماية بكل أشكالها زاد من فرص الصحافيين الشجعان في خوض غمار الحروب، لكنه في ذات الوقت سمح للمؤسسات الصحافية أن تتستر بعباءة التخلي عن المسؤولية. وتستمر المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحافة المطبوعة بالاستفادة من عمل صحافيين لا يتمتعون غالباً بالحد الأدنى من الحماية.

يجب أن يتقلص تحول الصحافيين إلى مواضيع للتقارير إلى الحد الأدنى، ويرتبط ذلك بتحول في طبيعة الصراعات المحلية والدولية. وفي اللحظة التي نصل فيها إلى تلك المرحلة، على الصحافيين أن يغتنموا الفرصة للتعرف على القضايا التي ينخرطون فيها ومحاولة فهمها بعمق أكبر، أو حتى تغيير أنماط وقوالب مهنة الصحافة نفسها.

المساهمون