"فرانس 24" عربي والسيسي: التشبيح والمدير والحمار


"فرانس 24" عربي والسيسي: التشبيح والمدير والحمار

27 سبتمبر 2019
اهتمام لافت للقناة بنشاطات السيسي (كنزو تريبويار/فرانس برس)
+ الخط -
عندما حلّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضيفاً على قناة "فرانس 24" بقسمها العربي، في حوار حصريّ وخاص، أثناء زيارته إلى فرنسا عام 2017، بدا واضحاً أنّ هناك خللاً بنيوياً بالتحضير للمقابلة التي أجراها الإعلامي اللبناني ميشال الكيك. 

لأكثر من 25 دقيقة، فتحت القناة (حكومية فرنسية) هواءها للسيسي، لتبرير كل انتهاكاته في مصر، من قمع حرية التعبير إلى الاعتقال، وصولاً إلى ملفات إقليمية كحصار قطر والقضية الفلسطينية. وقد تخللتها كلها معلومات خاطئة، وما يشبه البروباغندا، بينما كان مذيع القناة جالساً قبالة الرئيس مبتسماً ومبهوراً.

يومها وإلى جانب صورة ميشال الكيك السعيدة، فاتتنا صورة أخرى: نائب رئيس القسم العربي في القناة (وقتها) نبيل الشوباشي مع الرئيس المصري، وقد بدا السيسي مبتهجاً جداً في اللقطة. انتشرت الصورة وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنأ مصريون كثر زميلهم السابق الذي كان رئيساً للقسم الفرنسي في "قناة النيل الدولية". أما والدته الصحافية فريدة الشوباشي فشاركت الصورة كاتبة: "نبيل ابني الوحيد مع البطل الذي أنقذ مصر لإنقاذ الوطن العربي".
سيدةٌ فخورة بابنها الذي تسلّم منصبا إداريا في واحدة من أبرز القنوات الغربية الناطقة باللغة العربية منذ العام 2017. مفهوم ربما. لكن يبدو أنّ دور نبيل الشوباشي في مقابلة "البطل الذي أنقذ مصر"، تجاوز التقاط الصورة التذكارية، إلى وضع سياسة عامّة للقناة تقف إلى جانب النظام ورئيسه. فقبل أيام قليلة ومع احتدام الدعوات للنزول في تظاهرات ضدّ الرئيس المصري، كتب الشوباشي على حسابه على "فيسبوك": "حاجة غريبة أوي... أما بيحصل حاجة داخلية في أي بلد عربي مش باكتب حاجة عنها.. شايف إن مواطنين البلد همه اللي لازم يقرروا مصير بلدهم.. اشمعنى بقى أما بتحصل حاجة في مصر أي حمار لازم يتحفنا برأيه؟" (لم تعد التدوينة ظاهرة بعد نشر المقال).





يستعيد الشوباشي نفس تعليق اللجان الإلكترونية المصرية، التي تلاحق المغردين العرب على "تويتر" فتشتمهم عند كل تعليق ينتقد السيسي. يتبنّى الشوباشي الخطاب نفسه بسوقيّته.
يستكثر مدير قناة ناطقة باللغة العربية وتضم عشرات الموظفين العرب من مختلف الجنسيات، على غير المصريين إبداء رأيهم بالموضوع المصري.

هذا المنطق الغريب من إعلامي يفترض أنه خرج من عزلته المحلية إلى فضاء إعلامي أوسع وأكثر اختلاطاً، يتّخذ تدريجياً أبعاداً أخرى. فتبدو تغطية القناة كلها، أقرب إلى المتفرّج، أو تبنّي الرواية الرسمية للتظاهرات في مصر. إذ تنقل الأخبار وبيانات أجهزة الدولة عن الأحداث، وفي قلب التقارير بأسطر قليلة تتحدّث عن مئات الاعتقالات.
وفي مقارنة سريعة بين تغطية القناة بقسمها العربيّ للتظاهرات المصرية، والتغطية في القسمَين الفرنسي والإنكليزي، يبدو التفاوت واضحاً. على الموقع الفرنسي تتحدّث القناة عن "تخوّف من قمع جديد"، وعلى الإنكليزي عنوان التغطية: "مصر تستعد لاحتجاجات جديدة ضد السيسي"، بينما في النسخة العربية عنونت المتابعة الأخيرة مع انطلاق التظاهرات: "مصر: السيسي يؤكد أنه "لا داعي للقلق" من التظاهرات والاعتقالات تطال "نحو ألفي شخص"".
 

الاهتمام الهامشي بمصير أكثر من ألف معتقل، ومختفٍ في القاهرة، يقابله اهتمام غير مفهوم إطلاقاً بنشاطات السيسي طيلة العامين الماضيين. على سبيل المثال خصصت القناة مراسلَين، و18 فنياً ومحرراً لمواكبة مؤتمر الشباب في شرم الشيخ عام 2018 رغم أن الحدث لا يكتسب أية أهمية سياسية أو إقليمية أو دولية فعلية.

طبعاً عند البحث في مسيرة الشوباشي سنجد تلازماً واضحاً في مواقفه مع مواقف النظام المصري، من رسالة كتبها إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في صحيفة "لو بروغريه إيجيبسيان" الناطقة بالفرنسية، مهاجماً إياه، وصولاً إلى المقابلات التي أجراها وهو لا يزال في قناة "النيل" أبرزها مقابلته مع رئيس دولة توغو، التي حوّلها إلى حوار لتمجيد عبد الفتاح السيسي.

يمكن لكل إعلامي أن يتبنّى الموقف السياسي الذي يناسبه، خصوصاً أن قسماً كبيراً من الإعلاميين العرب يميلون للأنظمة، وإن لم يطبّلوا لها، سكتوا عن تجاوزاتها. والأرجح هذه هي حال نبيل الشوباشي: الرجل الذي بات يدير القسم العربي في "فرانس 24" يرى في كل من يعطي رأيه بالشأن المصريّ "حماراً".

وهو ربما ما قد يفسّر الهجوم الغريب الذي شنّته نائبة مصرية تدعى غادة عجمي على الناشطة الحقوقية الفرنسية كلير تالون نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي. وقتها فتحت القناة الهواء لأكثر من 10 دقائق لعجمي لوصلة "ردح"، وانتهت بقول عجمي إن على تالون أن تسكت لأنها فرنسية تتدخل في ما لا يعنيها "وحقوق الإنسان بتاعتك عند Maman (أمّك بالفرنسية)".

المساهمون