الإعلام الروسي في سورية... تطبيل وتحريض وفبركة

الإعلام الروسي في سورية... تطبيل وتحريض وفبركة

15 مارس 2018
وثّق "أصحاب الخوذ البيضاء" جرائم روسيا والأسد(أمير الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
سيطرت الدعاية الإعلامية (بروباغندا) الروسية على تغطية الأحداث في سورية، منذ بدء الثورة عام 2011 إلى اليوم. الإعلام الروسي، التابع للحكومة الروسية إجمالاً، واظب على التطبيل للكرملين وقوات النظام السوري، ومتبعاً منهجاً عنيفاً في نقل الأخبار، إذ وصل به الأمر إلى التحريض ضد ناشطين وأشخاص معينين معارضين للنظام، واختلاق أخبار زائفة، ودلائل مادية (صور وفيديوهات) غير حقيقية عن نشاط القوات الروسية في سورية.

فبركة الأدلة
في فبراير/ شباط الماضي، عرضت القناة الروسية "وان تي في" التابعة للحكومة، لقطات زعمت أنها تصور طائرة روسية تهاجم شاحنة في سورية، لكنها أثارت شكوكاً بين مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي "بيكابو"، ليتبين لاحقاً أنها مأخوذة من لعبة إلكترونية.

اللقطات كانت جزءاً من البرنامج الأسبوعي "فوسكريسنوي فريميا" Voskresnoye Vremya الذي تعرضه قناة "وان تي في" التابعة للحكومة الروسية.

وكانت الحلقة تحية إلى القوات المسلحة الروسية، في مناسبة "يوم الدفاع عن الأرض"، وخصصت فصلاً كاملاً للحديث عن الطيار الروسي ألكسندر بروخورينكو، الذي قتل في تدمر السورية عام 2016، ومُنح لقب "بطل روسيا"، بعد وفاته.

ووفق رواية الإعلام الروسي، فإن بروخورينكو قتل بعد إبلاغ الطائرات الروسية بموقعه الشخصي لتوجيه ضربة، عندما أدرك أنه بات محاصراً من قبل مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي.

وأثناء عرض لقطات حول كيفية عمل الطائرة Su-25s في سورية، باستعراض صور من الأرشيف، ظهر مشهد لبندقية تبين أنه مقتطع من لعبة فيديو.

أحد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي في روسيا، "بيكابو"، نشر لقطة ثابتة من الفيديو، مشيراً إلى أنها مأخوذة من لعبة "آرما 3" Arma 3. واللعبة المذكورة أطلقت عام 2013، ويصفها مصمموها بأنها "لعبة قتالية حقيقية في صندوق رملي عسكري ضخم".

لاحقاً، أقرّت قناة "وان تي في" بخطئها، زاعمة أن المحرر استخدم لقطة من تقرير قديم عن ألعاب الفيديو.



وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حاولت وزارة الدفاع الروسية الترويج لصور مأخوذة من لعبة إلكترونية على أنها "أدلة دامغة" على التعاون بين القوات الأميركية ومسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي في سورية.

وبعدما انكشفت حقيقة الصور، سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى التوضيح بأنها ستحقق في الحادثة، وألقت باللوم على موظف مدني.



وفي فيلم وثائقي عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعدّه المخرج الأميركي أوليفر ستون، عرض بوتين على المخرج لقطات على هاتف محمول باعتبارها تصور القوات الروسية خلال عمليات في سورية. وتبين لاحقاً أن اللقطات قديمة وتعود إلى القوات الأميركية في أفغانستان.
وبعدما كشف رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن هذه اللقطات، صرّح المتحدث باسم بوتين، ديميتري بيسكوف، بأن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، هو الذي قدّم هذه الصور إلى الرئيس الروسي.

استهداف "أصحاب الخوذ البيضاء"
يواجه عمال الإنقاذ المتطوعون في سورية، والمعروفون بـ"أصحاب الخوذ البيضاء"، حملة إعلامية تضليلية تشوّه سمعتهم، وتصورهم أعضاء في منظمة إرهابية مرتبطة بتنظيم "القاعدة".


الحملة الإعلامية المضللة والمنظمة ضد "أصحاب الخوذ البيضاء" كشفت عنها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأفادت بأن أبطالها ناشطون مناهضون للإمبريالية، مطلقو نظريات المؤامرة، ومتصيدون إلكترونيون مدعومون من الحكومة الروسية التي تدعم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، عسكرياً.

"أصحاب الخوذ البيضاء" معروفون رسمياً بـ"الدفاع المدني السوري"، وهي منظمة إنسانية تضم 3400 متطوع، من مدرسين ومهندسين وخياطين سابقين، بالإضافة إلى رجال إطفاء. ويتركز عملهم على سحب الأشخاص من تحت الأنقاض، ويعود الفضل إليهم في إنقاذ آلاف المدنيين السوريين في سورية.

كما كشفوا، عبر لقطات فيديو مباشرة، عن جرائم حرب ارتكبها نظام الأسد في سورية، وبينها الاعتداء الكيميائي في إبريل/ نيسان الماضي. وتطرق فيلم وثائقي أنتجته منصة "نيتفليكس" إلى عملهم وتضحياتهم، وحاز جائزة "أوسكار" وترشيحين لـ"جائزة نوبل للسلام".

وعلى الرغم من الإشادة العالمية بـ"أصحاب الخوذ البيضاء"، إلا أنهم يواجهون حملة إعلامية مضادة تديرها شبكة من الأشخاص يكتبون في مواقع إخبارية بديلة تكافح "أجندة وسائل الإعلام العريقة"، وفقاً لهم.

وهؤلاء الأشخاص يشاركون وجهات نظر الحكومتين الروسية والسورية، ويجذبون جمهوراً هائلاً على الإنترنت، ويضخمون شخصيات يمينية متطرفة، ويحظون بمنبر على التلفزيون الحكومي الروسي، بالإضافة إلى جيشهم الإلكتروني على "تويتر".

حملة تشويه صورة "الخوذ البيضاء" تزامنت مع بدء التدخل العسكري الروسي في سورية، في سبتمبر/ أيلول عام 2015، عن طريق دعم قوات الأسد بضربات جوية استهدفت المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، إذ بدأت وسائل الإعلام التابعة للحكومة الروسية، مثل "سبوتنيك" و"آر تي"، الادعاء زوراً بأن تنظيم "داعش" الإرهابي كان هدف القوات الروسية الوحيد، وشككت في أخبار قصف البنية التحتية والمواقع المدنية.

آلة الدعاية نفسها حشدت الناشطين المناهضين للولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى المدونين والباحثين الذين يصفون "الخوذ البيضاء" بـ"الإرهابيين"، ومنحتهم منبراً للتعبير على القنوات التلفزيونية الروسية الحكومية، كما روجت لمقالاتهم على نطاق واسع.

الاستراتيجية الروسية حققت نجاحاً واسعاً في تشكيل رواية إلكترونية حول "أصحاب الخوذ البيضاء"، عبر استغلال خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات الآلية على "تويتر" (بوت)، وساهمت في إضفاء شرعية على و"توافقاً مصطنعاً" حول روايتها. واللافت أن القنوات الرسمية في روسيا، مثل حسابات سفارتها في المملكة المتحدة، شاركت رسومات تسيء إلى سمعة "أصحاب الخوذ البيضاء".



ووجدت تحليلات "ذا غارديان" أن الأنماط المستخدمة من قبل 14 ألف مستخدم لـ"تويتر" أظهرت "شبهاً واسعاً" حول الرواية المتناقلة عن "الخوذ البيضاء"، وبينها حسابات شهيرة آلية مؤيدة للكرملين، وبعضها أُغلق كجزء من التحقيق الأميركي في التدخل الروسي خلال انتخابات عام 2016. وتبيّن أن حسابات أخرى أنتجت أكثر من 150 تغريدة يومياً.



وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، شارك المنقذون في "تحدي المانيكان" الذي لقي رواجاً واسعاً على الإنترنت، فنشروا فيديو يصوّر إحدى عمليات الإنقاذ وأرفقوه بالوسم المنتشر. إلا أن الفيديو انتزع من سياقه، واستخدم كـ"دليل" على أن المنقذين يفبركون عمليات الإنقاذ والضحايا لتشويه سمعة الحكومتين الروسية والسورية.


بانا العبد ومحمد نجم
لا يتردّد مؤيدو روسيا ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مهاجمة أي شخص يرفع الصوت ضدهما ويكشف للعالم عن جرائمهما، وآخر هؤلاء المستهدفين المراهق السوري محمد نجم.

نجم (15 عاماً)، لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" و"تويتر" تحديداً، موثقاً عبر الفيديو ما يتعرض له أهالي الغوطة الشرقية من حصار وقتل على يد قوات نظام الأسد وحلفائه، وداعياً المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل في منطقة تحولت إلى "جحيم على الأرض".



حسابات المستخدمين المؤيدين لروسيا ونظام الأسد على "تويتر" تشن حالياً حملة ممنهجة ضد نجم، وتتهمه بأنه أداة إعلامية في يد الاستخبارات الأميركية، كما تصفه بأنه "طرف فاعل في الأزمة" Crisis Actors، وهذا المصطلح يُستخدم في الحديث عن أشخاص يتقاضون مبالغ معينة من المال وتدريباً لقاء الادعاء بأنهم ضحايا الكوارث في الحالات الطارئة.



وهذا الأسلوب ليس مستجداً على مؤيدي الأسد وحلفائه، إذ واجهت الطفلة السورية بانا العبد هجوماً مماثلاً، وصل إلى حد المطالبة بقتلها من قبل البعض، بعدما وثقت عبر حسابها على "تويتر" مجازر النظام في مدينة حلب.




(العربي الجديد)

دلالات