"فيسبوك" يحارب الكراهية أم ينقذ أرباحه؟

"فيسبوك" يحارب الكراهية أم ينقذ أرباحه؟

29 يونيو 2020
يربح "فيسبوك" 70 مليار دولار من الإعلانات سنوياً (Getty)
+ الخط -
تتخبّط شركة "فيسبوك"، إثر الانتقادات اللاذعة والحملة الناجحة التي تُبعد المعلنين عنها، بسبب تربّحها من الكراهية، ووقوفها مكتوفة اليدين أمام المحتوى الذي يحضّ على العنف والانقسام. والشركة التي تواجه الاتهامات نفسها منذ أعوام، تحديداً منذ تكشّف دورها في التحايل على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2015، تُحاول أن تتصرّف، لكنّ الثقة بجهودها باتت قليلة.

إجراءات... ولكن

يوم الجمعة، أعلن موقع "فيسبوك" أنّه سيحظر "قطاعا أوسع من محتوى الكراهية" في الإعلانات المنشورة على منصته، في ما يعتبر تجاوباً من عملاق مواقع التواصل الاجتماعي مع الاحتجاجات المتزايدة على تعامله مع منشورات تحريضية، لكنّه لاقى تشكيكاً في فعاليته. إذ كانت أغلب إجراءات "فيسبوك" سابقاً تهدف إلى تحقيق المزيد من الأرباح، لا المزيد من الأمان على المنصّة. ولعلّ مقاطعة المعلنين هي التي دفعت الموقع لإعلان إجراءات، إلا أنّها قد تبقى من دون تطبيق أكيد.
وقال الرئيس التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ إن الموقع سيضيف أيضاً علامات إلى المنشورات "ذات الأهمية الإخبارية" والتي تنتهك قواعد النظام الأساسي، بعد خطوة مماثلة من موقع تويتر الذي استخدم مثل هذه الإشارات على تغريدات للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحسب "فرانس برس".
تأتي مبادرة الموقع الرائد في مجال التواصل الاجتماعي بمواجهة مقاطعة متزايدة من قبل المعلنين، شملت عملاق المشروبات الغازية كوكا كولا والعملاق الهولندي يونيليفر الجمعة، مع سعي ناشطين إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن المحتوى الذي يرون أنه يعزّز التمييز أو الكراهية أو العنف.
وقال زوكربيرغ إنّ السياسة الجديدة بشأن المحتوى الذي يحض على الكراهية في الإعلانات "ستحظر الادعاءات القائلة إن الأشخاص من عرق معين أو إتنية أو أصل وطني أو انتماء ديني أو طائفة أو توجه جنسي أو هوية جنسية أو حالة هجرة يمثلون تهديدا للسلامة البدنية أو الصحة أو بقاء الآخرين". وتابع "نوسع أيضاً سياساتنا لتوفير حماية أفضل للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء" من الإعلانات التي تحض على الكراهية.
وعزّز "فيسبوك" تحركاته للقضاء على العنصرية في أعقاب الاضطرابات التي أثارها مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في 25 مايو/أيار بيد شرطي أبيض في مينيابوليس. وقال متحدث باسم الموقع "نستثمر مليارات الدولارات كل عام للحفاظ على مجتمعنا آمنًا ونعمل باستمرار مع خبراء في الخارج لمراجعة وتحديث سياساتنا". وأضاف أنّ "الاستثمارات التي قمنا بها في (الذكاء الاصطناعي) تعني أننا نصادف نحو 90 بالمئة من خطاب الكراهية ونتخذ إجراء قبل أن يبلغ المستخدمون عنه".
تغريدات ترامب

وقال زوكربيرغ إن إعفاء "المنشورات ذات الأهمية الإخبارية" يحدث عادة "بضع مرات في السنة" عندما يقرر فيسبوك ترك رسالة تُزال عادة بسبب انتهاكات القواعد. وبموجب السياسة الجديدة، أوضح "سنبدأ قريبا بتصنيف بعض المحتوى الذي نتركه لأنه يعتبر موضوعا إخباريا، حتى يتمكن الأشخاص من معرفة متى يكون الأمر كذلك". وقال إنه سيتم السماح للمستخدمين بمشاركة المحتوى "ولكننا سنضيف مطالبة لإبلاغ الناس أن المحتوى الذي يشاركونه قد ينتهك سياساتنا".
وخلال الأسابيع الأخيرة، حجب موقع تويتر للرسائل القصيرة تغريدات لترامب، كما وضع إشارة على تغريدة واحدة على الأقل بوصفها مضللة ووضع إشارة على عدة تغريدات بوصفها تنتهك قواعد الموقع، وبات لا يمكن الوصول إليها إلا عندما ينقر المستخدمون من خلال تحذير. وأغضبت هذه الخطوة الرئيس وحلفاءه.
وتعرضت منصات التواصل الاجتماعي لضغوط شديدة من الناشطين بعد وفاة فلويد. وحضّ تحالف يضم الجمعية الوطنية للدفاع أصحاب البشرة الملونة الشركات على التوقف عن الإعلان على فيسبوك.

تسارع مقاطعة المعلنين

لم يذكر زوكربيرغ حملة المقاطعة الإعلانية، لكنه قال إن التغييرات استندت إلى "تعليقات من مجتمع الحقوق المدنية تعكس شهورا من العمل مع مدققي الحقوق المدنية لدينا". فقد توسّعت حملة التهديد بمقاطعة الإعلانات على "فيسبوك"، التي انطلقت الأربعاء الماضي، بسبب فشل الشركة في مواجهة خطاب الكراهية على منصاتها، لتنضم إليها شركات عدة أبرزها "فيرايزون للاتصالات"، بعدما كانت شركات "نورث فيس" و"آر إي آي" و"باتاغونيا" تعهدت بعدم الدفع لنشر إعلانات على منصات "فيسبوك" في يوليو/ تموز المقبل، للمشاركة في الحملة التي أطلقتها مجموعات حقوقية، بينها "رابطة مكافحة التشهير" و"لون التغيير" و"الرابطة الوطنية لتقدم الأشخاص الملونين"، وانضم إليها موقع العمل المستقل "أبوورك" وشركة "موزيلا".
وأمس الأحد، نقلت قناة "فوكس نيوز" الأميركية عن مصادر قولها إنّ شركة "بيبسي كو" المصنّعة للمشروبات الغازية ستقوم بمقاطعة الإعلانات على "فيسبوك"، عالمياً، في شهري يوليو وأغسطس. كما أعلنت شركة "ستارباكس" المالكة لسلسلة المقاهي حول العالم عن "فترة توقف" امتثالاً للحملة، كونها شركة "تقرّب الناس من بعضهم أونلاين وعلى الأرض"، حسبما قالت. وأكد متحدث باسمها لـ"بي بي سي" أنّ التوقف لن يشمل الإعلانات على "يوتيوب" (تملكه غوغل).
والجمعة، أعلنت "كوكا كولا"، الشركة العالمية التي تنفق مبالغ طائلة على التسويق والإعلان، أنّها ستعلّق لمدة 30 يوماً على الأقلّ كلّ إعلاناتها على كلّ وسائل التواصل الاجتماعي في مسعى لمحاربة العنصرية على الشبكات الافتراضية. وقال رئيس مجلس إدارة شركة المشروبات الغازية في بيان مقتضب إن "لا مكان للعنصرية في العالم ولا مكان للعنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي". وأوضح أنّ الهدف من هذه الخطوة هو دفع مواقع التواصل الاجتماعي إلى اعتماد مزيد من "الشفافية والمسؤولية".
بدورها، قالت شركة يونيليفر، موطن العديد من العلامات التجارية مثل شاي ليبتون ومثلجات بين أند جيري، إنها ستتوقف عن الإعلان على فيسبوك و تويتر وإنستغرام في الولايات المتحدة حتى نهاية العام 2020 بسبب "فترة الانتخابات المثيرة للاستقطاب"، بحسب "فرانس برس".
وقال فرع شركة هوندا في الولايات المتحدة إنه سيوقف الإعلانات على فيسبوك في يوليو/تموز "انطلاقاً من اختيار الوقوف مع أناس متحدين ضد الكراهية والعنصرية".

وتحث حملة "أوقفوا التربح من الكراهية" المعلنين على الضغط على عمالقة التكنولوجيا، لاعتماد سياسات أكثر صرامة ضد المحتوى العنصري والكراهية على منصاتها، عبر وقف الإنفاق على الإعلانات خلال شهر يوليو. وقالت الحملة إن شركة "فيسبوك" تجني 70 مليار دولار أميركي من الإعلانات سنوياً، بينما "تضخم رسائل المتطرفين البيض" و"تسمح بتأجيج العنف".

وقال مدير مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي الذي يرصد التضليل الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي، غراهام بروكي، إن تحرك فيسبوك حول خطاب الكراهية في الإعلانات "أمر مرحب به ولكنه يمثل جزءًا صغيرًا من المحتوى الضار على المنصة"، حسبما نقلت "فرانس برس". وقالت أستاذة التواصل السياسي بجامعة بوسطن، ميشيل أمازين، إنّ التفاصيل لا تزال غير واضحة. وتساءلت "هل سيسمح فيسبوك بالتحقق المستقل من المحتوى الذي وضع إشارة عليه والآثار التي تعقب انتشاره؟".

المساهمون