الترويج للتعديلات الدستورية في روسيا: أموال وغسل أدمغة

الترويج للتعديلات الدستورية في روسيا: أموال وغسل أدمغة

17 يونيو 2020
خلال تجربة نموذج التصويت على التعديلات (كيريل كخمار/Getty)
+ الخط -
أثار عدد من مقاطع الفيديو الداعمة للتصويت على التعديلات الدستورية في روسيا جدلاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب المحتوى المقدم فيها والأهداف التي تتوخاها السلطات وداعموها من نشر مقاطع مستفزة. وكشف بعض المدونين وأصحاب الصفحات الرائجة على "يوتيوب" و"إنستغرام" تلقيهم عروضاً مالية من أجل نشر محتوى يدعو جمهورهم إلى المشاركة في التصويت المقرر في 1 يوليو/ تموز المقبل. 

رغم هيمنتها على وسائل الإعلام المركزية والمحلية المرئية والمسموعة والمكتوبة الممولة من الحكومة التي بدأت حملة قوية لدعوة المواطنين إلى التصويت عبر بث مقاطع للفنانين والمشاهير الداعمين للتصويت، لم تهمل السلطات الروسية الأهمية الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، وضخت عشرات الفيديوهات عبر "يوتيوب" لتشجيع الشباب على التصويت والوصول إلى أعلى نسبة ممكنة تمنح التصويت شرعية إضافية. وإضافةً إلى اللوحات الإعلانية في الطرقات، الداعية إلى التصويت من أجل "المحافظة على اللغة الروسية، وإنجازات الأجداد، وعدم السماح بتزوير التاريخ والمحافظة على القيم الأصيلة للمجتمع الروسي"، عادت البرامج السياسية في المحطات التلفزيونية الفيدرالية والمحلية إلى التركيز على أهمية المشاركة في التصويت. وجنّدت أهم الفنانين والمشاهير للتركيز على أهمية نقطة معينة من التعديلات المقترحة. وتولى الضيوف ومقدمو البرامج شرح أهمية التصويت بـ"نعم" للتعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس فلاديمير بوتين بداية العام الحالي، وطورتها مجموعة للعمل باقتراح عشرات التعديلات، التي كان أهمها، بحسب معارضين، تعديل "تصفير" فترة ولايات بوتين، ما يسمح له بالترشح للانتخابات مرة خامسة في 2024، ويضمن له نظرياً البقاء في الكرملين حتى 2036. 

كعادتها في إنتاج الدعايات المثيرة للجدل، أعدت الوكالة الفيدرالية للأنباء (فان) المملوكة لرجل الأعمال المقرب من الكرملين والمعروف بلقب "طباخ بوتين"، يفغيني بريغوجين، مقطع فيديو خيالياً، يصوّر حالة في عام 2035، ويحذّر من أن عدم المبالاة قد يؤدي إلى ظواهر غريبة عن المحتمع الروسي. ويبدأ الإعلان الترويجي بإظهار مشرفة على إحدى دور رعاية الأيتام، وهي تتحدث بحماسة عن فرحتها، لأن أحد الأطفال الأيتام وجد أخيراً عائلة لتتبناه. وفي تسجيل من هاتفها المحمول، تسأل الطفل عن شعوره، وتنقل فرحه وشوقه للقاء عائلته الجديدة، ولاحقاً يدخل الأب المفترض وحيداً إلى الدار ليتسلم الولد المتحمس، وحين سؤاله عن الأم، يجيب أنها تنتظر في السيارة بشوق عند البوابة. وعند الخروج، ورداً على سؤال للطفل عن أم المستقبل، يشير الأب إلى رجل آخر يرتدي ملابس نسائية. ويحضر الرجل - الأم هدية للطفل، وهي عبارة عن فستان، ما يدفع إحدى المشرفات إلى إظهار غضبها الشديد بالبصاق والانسحاب إلى داخل الدار. وينتهي الفيديو بعبارات: "أي روسيا ستختار؟ قرر مصير البلاد صوّت بدعم التعديلات الدستورية"، ثم الإشارة إلى البند الـ72 من التعديلات الذي يحدد الزواج على أنه اتحاد بين رجل وامرأة. ولاحقاً، أثار مقطع الفيديو جدلاً واسعاً مع تأكيد أحد الفنانين المغمورين الذي أدى دور المرأة في الأسرة المثلية أنه لم يجرِ إخباره بهدف التصوير، وأنه طلب منه على عجل تأدية الدور من دون تفاصيل، مؤكداً أنه لن يذهب شخصياً للتصويت.

ومع إشارتهم إلى أن مثل هذه الإعلانات تحمل رسائل كراهية باستغلال القيم المحافظة للشعب الروسي، اتهم مدونون معارضون السلطات بأنها تستفز المترددين وتدفعهم إلى التصويت تحقيقاً لهدف الكرملين في رفع نسب المشاركة لمنح مزيد من الشرعية على التعديلات التي تثبت حكم بوتين بعد 2024. وكان لافتاً غياب التركيز على نقطة "تصفير" عداد الرئاسة، والتركيز من قبل رئيسة اللجنة الانتخابية المركزية، إيلا بامفيلوفا، على أن "التعديلات شرعية (من دون تصويت) لأنها صُدِّق عليها من مجلس الدوما (البرلمان) والاتحاد (الشيوخ) والبرلمانات المحلية في المقاطعات الروسية". ومع إشارتها إلى أن اعتماد التصويت "مكرمة" من بوتين، خلصت بامفيلوفا إلى أنه "يجب أن ننظر باحترام كبير إلى أن الرئيس لم يتوقف عند هذا (التصديق على التعديلات من المشرعين)، وأن إرادته السياسية ورغبته في أن يستمع إلى رأي الشعب وليس أحكام الدستور الحالي".

وجمعت مقاطع الفيديو المنتجة في القنوات الفيدرالية آراء مطربين وفنانين في السينما والمسرح ومشاهير الأطباء والشخصيات العامة في روسيا الداعمة للتعديلات الدستورية. وكان لافتاً أن إدارة مدينة أومسك شرقي روسيا أعدت فيديو خاصاً بها ربط بين الانتصار على كورونا ومواجهة أي جائحة قد تصيب البلاد مستقبلاً بالتصويت بـ"نعم" على التعديلات بعد تعداد الفيديو الإجراءات المتخذة في البلاد لمواجهة كورونا.

من جانبها، اتبعت قناة "أر تي" بنسختها الروسية تقنيات الإعلام الغربي عبر ترويج مقاطع فيديو تتضمن آراء خليط من الشخصيات المشهورة من رواد فضاء ورياضيين وفنانين ومصممي أزياء، وصولاً إلى العمال والفلاحين الداعمين للتصويت على التعديلات الدستورية.

وفي سابقة من نوعها، وفي ما يبدو محاولة إضافية لرفع نسب التصويت باستخدام أدوات جديدة، قالت المدونة على موقع "يوتيوب" يكاتيرينا كونسوفا، إنها تلقت عرضاً من جهة لم تسمِّها من أجل الترويج للإقبال على التصويت للتعديلات الدستورية. وذكرت المدونة في فيديو، على صفحتها التي تضم 811 ألف متابع، أنها رفضت العرض البالغة قيمته مليون روبل (الروبل الروسي يساوي 0.014 دولار أميركي) مع إمكانية التفاوض لرفع المبلغ في حال موافقتها على الترويج للإقبال على التصويت، من دون دعاية مباشرة للتصويت بـ"نعم" أو "لا"، في حلقة من برامجها على "يوتيوب" التي تتحدث فيها عادة عن الموضة والأزياء وأدوات التجميل، ونادراً ما تتطرق إلى قضايا الأخبار السياسية. وأشارت كونسوفا إلى ظهور مفاجئ على عدة صفحات لمدونين آخرين يدعون إلى التصويت للتعديلات الدستورية في شكل مبطن. وذكرت المدونة الشابة أن العرض تضمن أيضاً إمكانية حذف الحلقة، أو حتى التراجع عن التصريحات بعد التصويت.

عروض الترويج للتصويت لم تقتصر على المدونين المشهورين في صفحات "يوتيوب" و"إنستغرام". وحسب سيرغي، وهو صاحب مدونة على "ياندكس"، ويكتب في مواضيع السياسة والمجتمع، فقد تلقى عرضاً من جهة مقربة من مجموعة "طباخ الكرملين" لكتابة مواد لزيادة الإقبال على التصويت مقابل 2500 روبل عن كل تدوينة. وأكد أنه رفض العرض "المذل". وأوضح أن السلطات الراغبة في زيادة نسبة المشاركة في التصويت، رداً على دعوات المقاطعة من قبل المعارضة الليبرالية، طورت أساليبها الإعلامية للوصول إلى أكبر قدر ممكن من جمهور الشباب ومستخدمي الإنترنت، لإقناعهم بالمشاركة الكثيفة في تصويت محسوم النتائج سلفاً لمصلحة التعديلات الدستورية.

المساهمون