"التابو"... مشروع إعلامي لكسر قيود المرأة

"التابو"... مشروع إعلامي لكسر قيود المرأة

21 مايو 2020
صيغ البرنامج بمساهمة نساء سوريات لهنّ تجارب(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
طرح راديو "روزنة" السوري، أخيراً، برنامجاً جديداً يحمل عنوان "التابو" (عيب)، يغلب عليه الطابع النسوي. يهدف البرنامج لتقوية دور المرأة وتمكينها في المجتمع السوري، وتمكن من خلال ست حلقات أن يناقش بعض القضايا التي تعتبر من المحرمات في المجتمع السوري والتي لم نعتد على متابعتها بهذه الجرأة ضمن الإعلام السوري، وهي: "سفاح القربى"، "التحرش"، "غشاء البكارة"، "الابتزاز الجنسي" و"أمهات الأطفال مجهولي النسب". تقول مديرة راديو "روزنة" التنفيذية ومديرة برنامج "التابو"، لينا الشواف، إن "المشروع جاء ضمن سياق المشاريع التي يطرحها الراديو والهادفة للتغيير المجتمعي؛ ومنذ طرح فكرة المشروع قررنا أن هذا المشروع يجب أن تشارك فيه النساء، لكون الخطوط الحمراء والتابوهات المفروضة على النساء في مجتمعنا هي الأكثر حدة وقسوة. وقد بدأ المشروع من خلال حلقات نقاش مفتوحة مع نساء سوريات نتج عنها تحديد التابوهات التي تقيد حرية المرأة السورية، وقمنا في نهاية الورشة باختيار التابوهات الستة الأكثر حدة، لتكون المواضيع التي سنطرحها خلال حلقات البرنامج". 
وخلال حلقات برنامج "تابو" تم إنتاج ثلاثة أشكال متباينة مع المواد السمعية البصرية، تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة لبثها بشكل سمعي على تردد "راديو روزنة" الذي يبث في مدينة غازي عنتاب التركية، كما تبث على الإنترنت "أونلاين ستريمينغ". وبالنسبة لأشكال الفيديوهات المنشورة، فهي: فيديوهات تتضمن استطلاعات رأي لسوريين يعيشون في مخيمات غازي عنتاب حول التابوهات التي يتم مناقشتها بشكل موسع مع مختصين في الشكل الثاني من أشكال الفيديو، والتي تبدو أشبه بمحاضرة أو حلقة نقاش. وأما الشكل الثالث، فهو فيديوهات توثيقية، تسرد فيها النساء حكاياتها الشخصية لتسليط الضوء على قضايا لا تجرؤ النساء السوريات على طرحها في الإعلام عادةً؛ وقد تم تصميم هذه الفيديوهات بأسلوب "الأنيميتد ديكودراما"، حيث يتم إعادة تجسيد القصص التي ترويها النساء من خلال الرسوم المتحركة.
وعن سبب استخدام "الأنيميتد ديكودراما" كأسلوب فني لتوثيق حكايات النساء السوريات، تقول الشواف: "عملنا في برنامج "تابو" مع صبايا وناشطات من الداخل السوري. وكلنا نعلم أنه من الصعب في مجتمعنا أن تخرج فتاة وتتحدث عن تجربة اغتصاب أو تحرش وغيرها؛ وخلال الورشة المسبقة للبرنامج تبيّن لنا أن معظم النساء لم يكن لديهن مشاكل في طرح قصصهنّ داخل الورشة ولكن كان لديهن مشاكل في طرحها عبر الإعلام، بسبب تبعات الموضوع اجتماعياً، التي ممكن أن تعرضهن للعنف الجسدي والنفسي؛ لذلك لجأنا لتقنية تغيير أصوات الفتيات اللواتي يسردن قصصهن في الفيديوهات، حرصاً عليهن، وكذلك لجأنا إلى سرد القصص بطريقة الرسم والتصوير المبهم".

وفي حين تبدو الجرأة واضحة في حكايات النساء المطروحة وحلقات النقاش التابعة لها، وتتوضح فيها خصوصية برنامج "التابو" الذي يتطرق لجوانب اجتماعية لم يسلط الضوء عليها من قبل؛ فإن فيديوهات استطلاع الرأي المرفقة بها لا تنطوي على ذات الخصوصية، ففيها تفقد القضايا حساسيتها، بسبب أجوبة الناس التي لا تخلو من الاستعراض الثقافي، والتي يبدو من خلالها أن الناس منفتحين لمناقشة تلك التابوهات، وكأن المواضيع المطروحة ليست تابوهات في المجتمع.
وعن الأسباب التي دفعت راديو "روزنة" لإقحام هذا النوع من الفيديوهات ضمن برنامجها، وعن الأسباب التي جعلت فيديوهات استطلاع الرأي تظهر بهذه الطريقة، تقول الشواف: "عندما تضع أي شخص أمام الكاميرا في مجتمعنا، فإنه يحاول أن يظهر بالصورة المثالية، وأن يعطي انطباعاً بأنه شخص منفتح وأفكاره مستنيرة؛ فالناس في مجتمعنا يهتمون بنظرة الآخرين إليهم. وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال سلوكيات المجتمع، إذ يتم الزواج بين شخصين وفقاً لآراء الآخرين، ويتحاشى الأزواج غير المتفاهمين الطلاق خوفاً من نظرة الآخرين إليهم. لذا فإن هذه الصورة المثالية التي تظهر في تقارير استطلاع الرأي لا تعكس صورة المجتمع الحقيقية وآراء الناس في التابوهات المطروحة للأسف. ناهيك عن رفض العديد من الأشخاص المشاركة في الاستطلاعات، وخصوصاً في المواضيع شديدة الحساسية، مثل موضوع غشاء البكارة؛ ففي حلقة "تابو غشاء البكارة" لم نستطع سوى أخذ استطلاع رأي من عدد محدود جداً من الناس، لرفض وتخوف الآخرين مناقشة الموضوع بشكل قاطع".

وتضيف الشواف: "على العكس من ذلك، نرى بأن هؤلاء الأشخاص يتكلمون بحرية وصدق أكبر عندما يعلمون أن وجوههم لن تظهر وأصواتهم سوف تتغير. ولكن برأيي كان من المهم تصوير الناس عند سؤالهم عن تلك التابوهات، لرصد الاستعراض الثقافي الذي يخفون وراءه آراءهم الحقيقية؛ من دون أن نغفل أن البعض تجرؤوا وطرحوا رأيهم الحقيقي وقاموا بالدفاع عنه، وكان وجود هذه الآراء ضرورياً، حتى ولو حملت بعض التطرف؛ فمثلاً في الاستطلاع الخاص بحلقة التحرش صرح أحدهم بأن التحرش بالمرأة التي تخرج من منزلها بعد غياب الشمس هو أمر مباح!"
وفي حين تبدو الجرأة بطرح التابوهات الاجتماعية واضحة ضمن برنامج "التابو"، إلا أن هذه القضايا يتم طرحها بمعزل عن العوامل التي أدت إليها، وخصوصاً العامل الديني. وتقول الشواف: "لم نجرد الدين من مسؤوليته عن بعض تلك التابوهات، وفي حلقات النقاش كان هناك وجود لرجال الدين، وكان رأيهم أن فلسفة الدين مختلفة، وتتعارض مع فلسفة العادات والتقاليد التي فرضها المجتمع؛ ومن خلال رجال الدين تبين أن هناك العديد من التابوهات الموجودة هي من عادات المجتمع، وتم نسبها إلى الدين وهي ليس لها علاقة بالدين؛ فكانت مهمة رجال الدين توضيح ذلك الخلط، عدا عن أن العديد من الممارسات والتابوهات مرفوضة دينياً".
وما يحسب لبرنامج "التابو" أن صياغته تمت بمساهمة من نساء سوريات لهن تجارب؛ وهو ما جعل من "التابو" تجربة إعلامية غنية تظهر إصرار المرأة السورية على مواجهة المحرمات والعوائق والعادات الاجتماعية التي تحد من حريتها. وتقول الصحافية السورية المشتركة في برنامج التابو، مروة الغفري: "رغم أني نشأت في بيئة محافظة ومجتمع منغلق نوعاً ما، والموضوعات التي تمت مناقشتها في البرنامج كانت تعتبر من العيب الحديث عنها أو مناقشتها ضمن عائلتي أو الدائرة الضيقة المحيطة بي، إلا أن برنامج التابو كان مغامرة وتحدياً بالنسبة لي ضد كل هذه التقاليد والأعراف التي تشكل قيوداً بشكل أو بآخر؛ فالصحافي تحتم عليه مهنته أن يتطرق لكل المواضيع ويسلط الضوء على التحديات التي يعيشها المجتمع بكل وضوح وموضوعية من دون إخضاعها لعمليات تجميل وقولبة، ليعكس هذه الرؤية للمجتمع؛ فأنا امرأة وأستطيع القول بأني واحدة من النساء اللواتي يعانين ولو جزئيا من كلمة العيب التي يفرضها المجتمع علينا، وأفهم تماماً حاجة النساء إلى من يتكلم بصوت عال في مشكلاتهن، وخاصةً الحساسة منها بشكل موضوعي ومنصف. لهذا اشتركت ببرنامج التابو، فهو لم يسعَ لطرح المشكلات والموضوعات الحساسة ومناقشتها فحسب، وإنما طرح آلية للتفكير المنطقي والسعي إلى إيجاد حلول ولو جزئية لهذه المشكلات التي تعاني منها نساء مجتمعنا. لعل برنامج التابو وأمثاله تتمكن من إحداث أثر ولو على المدى الطويل ليصبح المجتمع أكثر تقبلا وانفتاحا، لتتمكن النساء من الحديث عن مشكلاتهن يوماً ما من دون خوف إسكاتهن أو الرد عليهن بكلمة: عيب".

دلالات