الصحافة الإلكترونية في لبنان: نقاش التنظيم والسيطرة

الصحافة الإلكترونية في لبنان: نقاش التنظيم والسيطرة

27 ابريل 2020
استثناء الصحافيين الإلكترونيين من الصفة الإعلامية (حسين بيضون)
+ الخط -
في لبنان، يواجه العاملون في المواقع الإلكترونية والمراسلون الأحرار صعوبات كثيرة خلال تغطية الأحداث والأخبار أو مواكبة الجلسات في المقرّات الرسمية، كما يحرمون من الصلاحيات التي تعطى للصحافيين في الحالات الطارئة والاستثنائية، وصولاً إلى حالة التعبئة العامة المفروضة بسبب فيروس كورونا، وذلك لعدم حيازتهم على بطاقات صحافية صادرة عن نقابة المحررين أو نقابة الصحافة تمنحهم "الحقوق" نفسها المعطاة لزملائهم في القطاع الإعلامي. والقطاع الخصب في لبنان، والذي خلق مناخاً لعمل صحافي حقيقي وحرّ في بعض الأحيان، يعمل من دون قانون يواكبه، فيما فُتح النقاش في الأيام الماضية حول الملف.

تقول مديرة البرامج في مؤسسة "مهارات"، ليال بهنام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإعلام الإلكتروني يواجه مشكلتين أساسيتين، الأولى تتمثل في عدم وجود أي ترخيص قانوني له. علماً أنّه في عام 2010 تقدمت (مهارات) باقتراح قانون جديد للإعلام في لبنان بالتعاون مع النائب غسان مخيبر، وتم تسجيله في قلم البرلمان، ونصّ على تنظيم الإعلام الإلكتروني وأطلق حرية إنشاء المواقع الإلكترونية من دون أي موافقة مسبقة، مع إدخال ضوابط ضرورية بالنسبة إلى ممتهني بث المواد الإعلامية عبر الشبكة الذين أخضعهم لموجبات القانون في الشفافية وفي تسمية مدير مسؤول، وذلك لتسهيل عملية تبلغ المعاملات الرسمية والأحكام والتبليغات وبيانات الردّ وغيرها، وهذا الاقتراح لا يزال عالقاً في مجلس النواب، علماً أنّ لجنة الإعلام والاتصالات انتهت من مناقشته عام 2016 وأحالته إلى لجنة الإدارة والعدل، التي أدخلت عليه تعديلات شوهت كثيراً من مضمونه، ما دفعنا لإرسال مذكرة إلى رئيس اللجنة النائب جورج عدوان بالملاحظات والهواجس، إلّا أنّه لم يردّ حتى اليوم". وتضيف بهنام أنّ "المشكلة الثانية تتمثل في تضارب الصلاحيات، إذ إنّ التعديل الذي طرأ على اقتراح قانون الإعلام يُخضع المواقع الإلكترونية المهنية للتسجيل في السجل الخاص لدى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وهذا ما يقوم به الأخير اليوم لناحية الاجتماع مع لجان المواقع الإلكترونية وتوزيع البطاقات الصحافية عليها، الأمر الذي أدى إلى اعتراض نقابة المحررين، لأن ما يقوم به المجلس هو خارج عن صلاحياته".
وتشير إلى أنّ "جدول الانتساب إلى نقابة المحررين مغلق فعلياً أمام الصحافيين، ما عدا مرّات قليلة قبلت طلبات الانتساب فيها، وفي كل هذه المرات كانت لنقابة الصحافة التي تمثل أصحاب الصحف صلاحية وسلطة اختيار المنتسبين إلى نقابة المحررين عبر اللجنة المشتركة بين النقابتين المتمثلة بـ(اتحاد الصحافة)، الذي يرأسه نقيب الصحافة. وهو ما تطالب نقابة المحررين، وصحافيين لبنانيين، بإلغائه، لأنه لا يجوز لرب العمل أن يوافق على انتساب عامل. كما أن عدم ثقة الكثير من الصحافيين بالنقابتين جعلهم يبحثون عن نقابة أخرى لتأمين حقوقهم والوقوف إلى جانبهم، مثل نقابة الصحافة البديلة". وتلفت إلى أنّ الصحافة الحرّة أيضاً تعاني من غياب أي إطار قانوني لتنظيم عملها نتيجة تضارب الصلاحيات أيضاً، علماً أن النقاش يجب أن يرتكز على ضرورة تنظيم المهنة بما يضمن حقوق الصحافة الاقتصادية، وبالتالي فإنّ كل ما يحدث هو خارج أي إطار قانوني لتنظيم المهنة أو معايير واضحة لإنشاء المواقع الإلكترونية.

ولا يلقى دور المجلس الوطني للإعلام ونقابتي المحررين والصحافة ترحيبا في الوسط الصحافي في لبنان. ولفت تجمع نقابة الصحافة البديلة، في بيان الأسبوع الماضي، إلى "الدور الخطير الذي يؤديه المجلس الوطني للإعلام في إحلال السيطرة على الإعلام، مثل الإيعاز للأمن العام بملاحقة إذاعة بحجة أنها غير مرخصة، وتطبيق الرقابة على الإعلاميين/ات، واقتراح نظم لا تستند إلى معرفة تقنية ومعلوماتية كافية ولا ترتقي إلى معايير مهنية رفيعة"، مضيفاً أنّه "مجلس منتهي الصلاحية ولم يتغيّر منذ تأسيسه، بنيةً أو قيادةً، كما أنّه يحمل صفة استشارية لا تقريرية، علمًا أن هذا المجلس أدى أدوراً رقابيةً على الإعلام في أكثر من مناسبة كان فيها نصيراً للأحزاب السياسية والهيئات الطائفية في البلد، لا نصيراً لحرية الإعلام والتعبير. وهذا ما يجعله حكماً مجلساً تابعاً للسلطة وليس جسماً مخّولاً بتطوير الإعلام قانونياً ومهنياً، وحتماً ليس المرجعية الضامنة لحرية التعبير وحرية الإعلام".
وأكد التجمع أنّ ما يستشف من النقاشات المستجدّة في موضوع المواقع الإلكترونية "علامات صدام واضح بين أكثر من هيئة تابعة للسلطة، وجهي العملة الواحدة: المجلس الوطني للإعلام ونقابتَي الصحافة والمحرّرين، حول مَن سيستأثر بـ(الوصاية) على ملف الإعلام الإلكتروني الذي يعمل حالياً من دون تنظيم قانوني مواكبٍ لتطوّره. وبدلاً من مقاربة الملف بالجدية التي استحقها في مختلف أنحاء العالم وبالشراكة مع أصحاب القضية، دعا المجلس الوطني للإعلام إلى استصدار بطاقات للصحافيين/ات العاملين/ات في المواقع الإلكترونية تخوّلهم التنقّل وتغطية الأحداث... ثم بنى المجلس على هذه الدعوة ليطالب بتنظيم المواقع الإلكترونية ومراقبتها!". وأضاف "أما لجنة الإعلام الإلكتروني الموقتة التي شكّلت نفسها واجتمعت مع المجلس أخيراً، فهي هيئة تطرح الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً لدى من يتابع منشورات مواقع بعض أعضائها، إن كان لجهة اللغة التحريضية غير المهنية التي تشوب الكثير ممّا تنشر، أو لجهة الاستتباع السياسي الطائفي المباشر لأحد أو كل أحزاب السلطة في لبنان". وأكد التجمّع رفضه للمسار السلطوي المعتاد الذي تسلكه نقاشات تنظيم المواقع الإلكترونية الحاصلة بين طرفين يجسّدان عملياً مصلحة طرف أو أكثر في السلطة، وليس مساراً يفضي إلى تطوير العمل الإعلامي الإلكتروني وحقوق العاملين/ات فيه، مشدداً أيضاً على أن أي نقابة إعلاميّة جديدة لا تمثّل العاملين في القطاع، لا ترفع صوتهم المطلبي، ولا تحمي عملهم من بطش السلطة والمؤسسات، هي تتمة للمنحى الفاسد في إدارة البلد وصحافته ورأيه العام، ما أوصلنا إلى حالة الانهيار الراهنة.


من جهته، يقول عضو نقابة محرري الصحافة اللبنانية فادي الغوش، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المجلس الوطني للإعلام يجتهد قانونياً لمحاولة وضع المواقع الإلكترونية تحت وصايته لناحية الترخيص لها، ولا يحق له إصدار بطاقات للعاملين في المواقع الإلكترونية، إذ إنّ هذا الأمر منوط فقط بوزارة الإعلام ونقابة المحررين التي اتخذت مبادرة باعتماد آلية موقتة للترخيص للمواقع الإلكترونية من قبل الوزارة بانتظار صدور قانون للإعلام ينظم وضع المواقع"، واضعاً الخلافات التي تحصل بين النقابات الإعلامية ضمن إطار الصراع على الصلاحيات والمحاصصة الطائفية بكل إدارات الدولة والوظائف العامة. ويلفت إلى أن نقابة المحررين دعت العاملين في المواقع الإلكترونية إلى تقديم طلبات الانتساب إلى النقابة من أجل الحصول على بطاقات مهنية، وتسهيل عملهم اليومي وتغطية أخبار الساعة، ولا سيما المرتبطة بفيروس كورونا.

بدوره، يشير وزير الإعلام السابق طارق متري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "قانون المطبوعات الذي تتم مقاضاة الصحافيين على أساسه غير صالح للمواقع الإلكترونية التي لا شخصية قانونية لها. من هنا يجب أن تلقى واجبات على ناشري المواقع الإلكترونية، منها تعيين اسم مالك أو ناشر الموقع، عنوانه ورقم تسجيل الوسيلة الإعلامية في السجل الخاص لدى وزارة الإعلام وعنوانها، من أجل تبلغ المعاملات الرسمية والمراسلات وتبليغات الأحكام والدعاوى". ويشدد متري على أن لا صلاحية للمجلس الوطني للإعلام لإصدار أي بطاقات، لأن عمله يقتصر على تقديم المشورة للحكومة في ما يخصّ الترخيص للتلفزيونات والإذاعات ومدى احترام هؤلاء لقوانين محتوى الترخيص، وبالتالي فإنّ المجلس ليس جهة تنفيذية.


تؤكد لونا صفوان، وهي صحافية مستقلة تغطي الأخبار لعددٍ من المواقع العربية والأجنبية والتلفزيونات، وتقوم بأعمال استشارية، لـ"العربي الجديد"، أنها دائماً ما تواجه صعوبات بسبب عدم حيازتها بطاقة صحافية دولية، لأنها لا تلتزم بدوام عمل ثابت أو حتى جزئي، وهي غير منتسبة إلى نقابة محرري الصحافة في لبنان، ما عقّد مهمتها في رصد الأخبار نتيجة التعبئة العامة وحظر التجول مساءً، وتوزيع حركة السير بحسب أرقام السيارات مفرد ومجوز. 
وتشير إلى أنّ الالتزام بقرار التعبئة العامة أخّر إنجازها بعض الأعمال وجعلها في مرات عدة تعمل لأكثر من 15 ساعة في الأيام التي كان مسموحاً لها بأن تخرج، بحسب لوحة سيارتها. وتقول إن أحداً من وزارة الإعلام لم يتواصل مع الصحافيين المستقلين لتأمين بطاقات ولو مؤقتة لهم لتسهيل عملهم، مضيفةً "سبق أن تواصلنا مرات عدة مع النقابة ووزارات إعلامية متعاقبة للحصول على بطاقات لكن من دون جدوى، رغم أننا معروفون بعملنا وتغطيتنا للأحداث، واليوم علينا أن نعمل بصفة شخصية للحصول ربما على بطاقات صحافة دولية". 

هذه الصعوبات بلغت ذروتها خلال تغطية أزمة فيروس كورونا، بعدما أصدرت وزارة الداخلية قراراً بعدم شمل العاملين في المواقع الإلكترونية ضمن الاستثناء الذي خصّصَ للعاملين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحف، لجهة إعفائهم من إجراءات السير المشددة، الأمر الذي عرّضهم لمحاضر ضبط سُطّرت بحقهم لخرق حالة التعبئة العامة، قبل أن يعود وزير الداخلية ويشمل هؤلاء في الاستثناء، ومن ثم يصدر قراراً برفض البطاقات التي أعطاها المجلس الوطني للإعلام للعاملين في المواقع الإلكترونية، دفع أصحابها إلى التدخل رفضاً لهذه الخطوة، وحتّم على وزيرة الإعلام حسم الجدل بإعطائها مشروعية للمواقع الإلكترونية من خلال بطاقات خاصة صادرة عن إدارتهم. علماً أنّ الفوضى التي طاولت هذه التدابير لناحية المشمولين فيه والمعفيين منه، أدت إلى وقوع عدد من الصحافيين ضحية محاضر ضبط العناصر الأمنية، من بينهم صحافيون في جريدة "الأخبار" و"اللواء". يقول مصدر في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لـ "العربي الجديد" إنّ "محاضر الضبط التي سطرت بحق مخالفي قرار التعبئة العامة تخطى المئات يومياً في المرحلة الأولى، ومن ضمنهم صحافيون وعاملون في الإعلام الإلكتروني نتيجة اللغط الذي كان حاصلاً في هذا المجال. ولكن من الصعب معرفة عدد الصحافيين الذين سطرت بحقهم محاضر ضبط، باستثناء من أعلن بنفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي عمّا حصل معه، واليوم أصبحت الأمور مضبوطة أكثر على هذا الصعيد".

المساهمون