كورونا في اليمن: امتحان الأخلاقيات

كورونا في اليمن: امتحان الأخلاقيات

19 ابريل 2020
مزاعم ابتكار علاج تثير السخرية (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
النقاش حول فيروس كورونا المستجد في اليمن عكس أجواء من السجال، قبل إعلان الإصابة الأولى في البلاد وبعدها، وفتح الباب أكثر أمام جدل مستمر حول أزمة المصداقية ومسؤولية النشر خلال الأحداث الحساسة. وخلقت الأخبار الزائفة إرباكاً في أوساط اليمنيين، وزاد من سوئها انسياق وسائل الإعلام المحلية مع الحملات المضللة.

وتفاقم الجدل حول الأخلاقيات وسط وباء عالمي كـ"كوفيد-19" تحديداً بعدما دعا ناشط إلى قتل المصاب، كما انتشرت مزاعم بشأن ابتكار علاج للمرض، واحتدم السجال حول الهوية والجهة التي قدم منها المصاب، وكذلك أخلاقيات النشر المتعلقة بأسماء وهويات المصابين.

في 10 إبريل/نيسان الحالي، سجلت أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في محافظة حضرموت جنوبي البلاد، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وفق ما أعلنت "اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا". بعد ساعات من إعلان الخبر رسمياً، أحدث الناشط محمد دبوان المياحي صدمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوته إلى "التخلص من المصاب لضمان حياة البقية في البلاد"، عبر موقع "فيسبوك". وقال المياحي: "إبرة صغيرة يا شيخ وعلى الدنيا السلام... لا أظن أن مساعدته على الوفاة العاجلة أمر غير أخلاقي، أنا مؤمن أن تعجيل موته أهون بكثير من بقائه، حتى لو كانت احتمالات شفائه ممكنة... اقتراف جريمة صغيرة ومحدودة لمنع حدوث جريمة أوسع وخارجة عن السيطرة هو فعل أخلاقي وحكيم".

أثارت التدوينة غضب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين وصفوا ما دعا إليه المياحي بـ"الأسلوب الفاشي والتحريضي على القتل". وكتبت وئام العيساوي رداً عليه: "لا أحد له الحق أن ينهي حياة الآخر مهما يكون مرضه، حتى لو أنهيت حياته فالأكيد أنه قد نقل العدوى للآخرين وستظهر عليهم العلامات مستقبلاً لو كان أحد أقربائك وقتلوه بسبب الوباء سترى حينها وقع الخبر والألم عليك". الانتقادات دفعت المياحي إلى نشر تدوينة ثانية تضمنت "اعتذاراً"، محاولاً تبرير نظريته بشأن "تفضيل قتل شخص، إن كان قتله سيجنب الآخرين موتاً محتملاً في بلاد بلا أي إمكانيات لمجابهة الموت".

أخبار كاذبة
ومنذ الإعلان عن الإصابة، لم تتوقف وسائل إعلام محلية وناشطين في خوض جدل حول المصاب، متكهنين بأن العدوى انتقلت إليه خلال مخالطته وعمله في الميناء التجاري، فيما انساق آخرون للحديث عن وصول الحالة من دولة الإمارات. ومطلع مارس/ آذار الماضي، نشرت وسائل إعلام دولية وعربية، بينها موقع تلفزيون "آر تي" (روسيا اليوم سابقاً) وموقع "الوطن الإلكترونية" نقلاً عن موقع إخباري يمني، شائعة حول تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في اليمن وفرار المصاب من "مستشفى ابن سينا" في مدينة المكلا.

وفي صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين، أعلن مسؤول حوثي مطلع إبريل/نيسان الحالي عن تسجيل حالة إصابة بالوباء، قبل أن يتراجع عما نشره خلال أقل من ثلاثين دقيقة، ويلقي باللائمة على مندوب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها الحوثية في نقله "الخاطئ" للمعلومة. في اليوم التالي من تغريدة المسؤول الحوثي، زعم الناشط اليمني، أحمد الأشول، حصوله على معلومات "تجنب نشرها إلى حين تأكد منها" بشأن إدخال حالتين إلى أحد مستشفيات صنعاء كانتا عائدتين من العمرة. لكن الأسرة المعنية نفت ما نُشر، وتطور الأمر إلى "تحكيم ومصالحة" بعد أن صعّدت من لهجتها، و"هددته" بعد نشر تلك المزاعم، فحذف على إثرها منشوره.


مزاعم ابتكار علاج

منذ السادس عشر من مارس/ آذار الماضي، ظلت تدوينة نشرها رجل الدين محمد عبد المجيد الزنداني، مثار سخرية وجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلانه التوصل إلى لقاح خاص يعالج المصابين بفيروس كورونا. وقال الزنداني: "بعد إلحاح الكثير من الأصدقاء عليّ بالسؤال عن مسألة التوصّل للقاح خاص بعلاج كورونا، فإننا بفضل الله وتوفيقه قد توصلنا لعلاج ناجع يقضي على الفيروس وعلى أعراضه في فترة لا تتجاوز 72 ساعة، ونحن الآن بصدد استكمال الإجراءات البحثية له في إحدى الجامعات البحثية التركية بعد توقيع عقد الاتفاقية معها". وأضاف "قريباً بإذن الله وتيسيره بعد استكمال الإجراءات الروتينية للبحث العلمي له في هذه الجامعة وفي مدّة لا تتجاوز الشهر بإذن الله سيتم رفع النتائج لوزارة الصحة من قِبل هذه الجامعة نسأل الله العون والتوفيق والسداد".

وهاجم الزنداني منتقديه في اليوم الذي يصادف انقضاء الشهر على حديثه عن تقديم العلاج، واصفاً إياهم بـ"أهل الحقد والغيظ والحسد"، واستشهد بقصيدة للإمام الشافعي ذكر فيها بأنه "لا ينثر الدرّ النفيس على الغنم". وقال إنه "على خطى ثابتة بمنهجيّة علمية في طريق إثبات ما تحدث عنه سابقاً"، في إشارة إلى وعده بتقديم علاج وباء "كوفيد-19".

وفي يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، زعم محمد الزنداني في شريط فيديو تمكنه من علاج أول حالة مصابة بالسرطان خلال مقابلته لـ"مرضى" في مقر إقامته في مدينة إسطنبول التركية. خلال الشهر نفسه، اعتبر تفشي فيروس كورونا في الصين "عقاباً من الله"، بقوله إنها "حاصرت إخواننا في تركستان" في إشارة إلى أقلية الإيغور المسلمة التي تُتهم بكين باحتجاز نحو مليون شخص منهم في معسكرات فيما الأخيرة تنفي.

ومحمد الزنداني هو نجل رجل الدين اليمني البارز عبد المجيد الزنداني، المدرج في قوائم الإرهاب الأميركية منذ عام 2004. وغالباً ما تثير آراء عائلة الزنداني الرأي العام في اليمن، مع إصرارهم على مزاعم قدرتهم على شفاء الأمراض المستعصية كمتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وسرطان الدم واعتلال عضلة القلب، وأخيراً فيروس كورونا. وأواخر فبراير/ شباط الماضي، اعتبرت أسماء الزنداني (شقيقة محمد) فيروس كورونا المستجد مجرد "شيطان تلبّس في صورة مرض"، ونشرت سلسلة تدوينات تتحدث عن فرضيتها حول "دور الشيطان في أمراض الإنسان".

أخلاقيات النشر بشأن الوباء
مع موجة نشر الشائعات بشأن تفشي وباء كورونا، ظهر أمام الصحافيين اليمنيين تحدِ كبير في مواجهة التعامل مع الأخبار المزيفة فضلاً عن مسؤولية وأخلاقيات النشر على وسائل الإعلام. ونشر صحافيون على مواقع التواصل الاجتماعي إرشادات وتوجيهات تحذر من الأخبار الكاذبة وتأكيد ضرورة الالتزام في النشر من خلال المصادر الموثوقة والرسمية. وشدد صحافيون على ضرورة احترام خصوصية المرضى والمشتبه بإصابتهم وأقاربهم ومراعاة حقوقهم في عدم الكشف عن هوياتهم، بالإضافة إلى عدم التهويل النصي خلال نشر أخبار متعلقة بالوباء.

وتورطت وسائل إعلام محلية عدة في نشر معلومات غير صحيحة وشائعات بشأن إصابات بالوباء، تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي في إطار حصد سبق في النشر. ومنذ تركيز اليمنيين في النشر بشأن تفشي وباء كورونا في العالم، ظلت وسائل الإعلام الإلكترونية إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي مصدراً لانتشار الشائعات، الأمر الذي انعكس على المتلقين وأثار الهلع في أوساط المواطنين.




المساهمون