الإعلام الروسي: مخاوف الإفلاس واللون الواحد

الإعلام الروسي: مخاوف الإفلاس واللون الواحد

16 ابريل 2020
ارتفاع كبير في عدد مشاهدي التلفزيون (سيرغي ميخائيليتشينكو/Getty)
+ الخط -
لم يسلم قطاع الصحافة الروسي من أزمة كورونا التي عصفت بجميع مجالات الحياة في البلاد، واضطرت صحف ورقية ومجلات إلى إلغاء النسخة الورقية والاكتفاء بالنسخة الإلكترونية. وخرج مقدمو الأخبار ومعظم البرامج في محطات التلفزة الروسية ببث عبر "سكايب" من المنازل، واستعاضت المحطات عن نقص المحتوى من المصورين المحترفين بمقاطع فيديو سجلها هواة لتوثيق الحياة في وقت زمن الحجر المنزلي. 
وفيما ارتفعت نسب مشاهدة القنوات التلفزيونية، فقد الراديو شريحة كبيرة من متابعيه مع تراجع حركة السيارات إلى أقل من الثلث. ومع عدم وجود تصورات واضحة حول نهاية كورونا، بدأت وسائل الإعلام الروسية التكيف مع الواقع الجديد وتطوير أدواتها. وفي حين كسرت وسائل الإعلام قواعد تقليدية، مثل اجتماعات التحرير اليومية لمناقشة خطة العمل، وتبادل الأفكار حول الملفات اليومية، لعبت التقنيات دوراً مهما في عقد اجتماعات في العالم الافتراضي، فإن مستقبل العمل عن بعد ما زال غير واضح، لكن تجربة كورونا سوف تفتح بالتأكيد على تطوير تقنيات جديدة من أجل العمل التلفزيوني عن بعد. 
الضربة الأقوى بسبب كورونا تلقّتها الصحافة الورقية إثر تراجع مبيعاتها، وحرمانها من عائدات الإعلان، وما زاد الطين بلة توقّف النسخ الورقية نهائياً، بعد تحذير أطلقته منظمة الصحة العالمية ولاحقاً الحكومة الروسية نهاية مارس/آذار الماضي، حول خطر بقاء الفيروس على سطح العملات الورقية لعدة أيام، الأمر الذي عممه المواطنون الروس على جميع المنتجات
الورقية. وعلى إثره، قررت سلطات العاصمة الشمالية سان بطرسبورغ، حظر توزيع المطبوعات الورقية وتناقلها "من يد إلى يد".
ورغم عدم حظر الحكومة الروسية رسمياً إصدار وبيع الصحف والمجلات، إلا أن الأنباء والتحذيرات، مجتمعة مع ظروف العزل المنزلي، أدت إلى تراجع حاد في إقبال المواطنين على شراء المطبوعات، ما شكل ضربة قاصمة للقطاع، الذي كان يعاني حتى قبل اندلاع أزمة كورونا من أوضاع مزرية للغاية. وحسب التقرير السنوي للوكالة الفيدرالية الروسية للصحافة والإعلام، والذي حمل عنوان "الصحف الدورية الروسية.. الوضع والاتجاهات وآفاق التنمية"، الذي صدر في يونيو/حزيران 2019، بلغ إجمالي توزيع أكبر وأهم ست صحف روسية (روسيسكايا غازيتا الرسمية، وإزفيستيا، وكوميرسانت، وفيدوموستي، ونيزافيسيمايا غازيتا وكومسومولسكايا برافدا)، حوالي مليون نسخة، في بلد يزيد عدد سكانه عن 146 مليون نسمة.
وأجبرت الأوضاع السيئة، أكثر من 500 من الناشرين والكتاب والصحافيين وأصحاب متاجر الكتب والمطابع وأكشاك الصحف، على توقيع رسالة مفتوحة، ناشدوا فيها الحكومة الروسية، بضم مجال عملهم، الذي يشكل مصدر دخل لأكثر من 1.5 مليون شخص، إلى قائمة القطاعات الأكثر تأثرًا بالوضع المتدهور بسبب انتشار عدوى فيروس كورونا الجديد، ما سيجعلهم قادرين على الحصول على دعم اقتصادي حكومي، يحمي مجال عملهم من الانهيار.
ووصف بافيل غوسيف، رئيس اتحاد الصحافيين في موسكو، ورئيس تحرير صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، الوضع بأنه "خطير للغاية"، مشيراً في تصريح لموقع "روسبالت"، إلى أن الصحافة الورقية في روسيا، حتى قبل جائحة كورونا، كانت تعيش أوضاعاً متردية "في العام الماضي، تم إغلاق 60 في المائة من أكشاك بيع المطبوعات الدورية في البلاد"، بسبب تدني البيع. وفي حين يمكن أن تتجاوز الصحف المدعومة من الحكومة مباشرة أو عبر الشركات الحكومية الأزمة، مع إمكانية تقليص التمويل والاستغناء عن جزء من الكادر التحريري والتقني، فإن عدداً من الصحف المستقلة قد يضطر إلى وقف النسخ الورقية نهائياً، والاكتفاء بعدد محدود من المحررين والفنيين لإدارة مواقعها الإلكترونية.
وفي مقابل خسارة الصحافة الورقية، ازداد الإقبال على المحطات التلفزيونية وارتفع حجم الإعلانات. وساهم اضطرار المواطنين التزام البيوت إلى ارتفاع عدد ساعات متابعة الشاشة الفضية، كما ازدادت أعداد متابعي التلفاز بنحو 30 في المائة إجمالاً، والمشاهدات في النهار إلى 60-70 في المائة، وفق بيانات شركة Mediascope المختصة بدراسات سوق الميديا.
في البداية، بدا واضحاً التأثير السلبي للعمل عند بعد، ففجأة تحولت المنازل إلى استديوهات لعرض نشرات الأخبار والبرامج عبر "سكايب" أو كاميرات من دون وجود فنيين للإضاءة
والصوت. وارتكبت القنوات التلفزيونية أخطاء متعددة، مع ارتباك واضح في تنظيم وبث المحتوى الإعلامي. لكن هذه الأخطاء سرعان ما تمت معالجتها، بالتزامن مع تكيف الإعلاميين والفنيين مع ظروف العمل الجديدة. لكن في الوقت نفسه ظروف الحجر عطلت عملياً أعمال كثير من المراسلين، وتراجع حجم المواد الفيلمية الضرورية للعمل التلفزيوني، ما زاد الاعتماد على الفيديوهات من وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وبات اعتيادياً الاعتماد على ضيوف "سكايب" في نشرات الأخبار والبرامج، بعدما كان خياراً ثانياً بعد الحضور إلى الاستديو في داخل المحطة أو استوديوهات تابعة لها.
وفي حين توقف عدد من برامج "توك شو" بسبب القيود المفروضة على التجمعات في قاعة واحدة، اضطرت المحطات الروسية إلى إعادة برامج سابقة وعرض الأفلام القديمة. كما تمتع الجمهور بفواصل فكاهية مع علو أصوات الاطفال أو الأقارب أثناء البث المباشر، او ظهور بعضهم.
وفي الوقت الذي تعيش فيه كبريات القنوات التلفزيونية الروسية عصرها الذهبي، تواجه محطات الأقاليم الروسية، مشكلة تراجع المتابعين، بسبب لجوئهم إلى وسائل الإعلام والقنوات الفيدرالية للحصول على المعلومات، خاصة حول تطورات أزمة كورونا، في حين لا تجد المواقع والقنوات المحلية، مواضيع مهمة وجذابة لعرضها على متابعيها، بسبب توقف النشاط في البلاد، وإلغاء جميع الفعاليات وانعدام إمكانيات الوصول إلى المسؤولين والمتحدثين الرسميين.
وفي تقرير أعدته وكالة "تاس" الروسية للأنباء، كشف رؤساء وسائل الإعلام الإقليمية عن أن تحويل الموظفين إلى نمط العمل في المنزل لا يسبب صعوبات، إلا أن المشكلة الرئيسية تكمن في العثور على مواضيع إعلامية مميزة وإعداد تقارير حصرية، خاصة فيما لا يتعلق بالوباء، موضحين أن هذا الأمر بات "يتطلب جهودا خاصة من الصحافيين". 
ومع صعوبة التنبؤ بمستقبل الإعلام بعد انتهاء كورونا، واضح أن الإقبال على وسائل الإعلام الرزينة ازداد، وقلص الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأنباء الموثوقة، لكن المخاوف في روسيا تتركز حول تراجع تمويل وسائل الإعلام المعارضة نتيجة الانكماش الاقتصادي، ما قد يتسبب في توقف كثير منها، وبقاء الاعلام ذي اللون الواحد.

المساهمون