فيروس كورونا يزعزع آلة الدعاية الصينية

فيروس كورونا يزعزع آلة الدعاية الصينية

04 مارس 2020
قايضت السلطات الحريات بالأمن (لورين دسيسا/Getty)
+ الخط -
بينما تواصل السلطات الصينية محاولاتها لاحتواء انتشار فيروس كورونا على أراضيها، تعمل جاهدة على الحدّ من الدعاية السلبية التي قد تؤثّر على صورة نظامها في الداخل والخارج. إذ يبدو انتشار الفيروس أول تهديد فعليّ لشرعية النظام الشيوعيّ الحاكم وصورته الصارمة، منذ عقود. فهذه المرة، وعكس كل المشاكل الداخلية السابقة، يلعب عامل الوقت ضدّ السلطة.

رواية السلطة ومواجهتها
بعد مرور الشهر الأوّل على انتشار فيروس كورونا في الصين، بدأت وسائل الإعلام الحكومية بإغراق الهواتف الذكية، بالصور والشهادات والتقارير عن وحدة الشعب الصيني في مواجهة الأزمة الصحية، التي تهدف أولاً وأخيراً إلى حثّ الناس على الوقوف خلف النظام. وتطوّرت هذه البروباغندا في الأسابيع اللاحقة، فابتكر الإعلام الحكومي شخصية كرتونية تهدف إلى إثارة المشاعر الوطنية عند الصينيين، خصوصاً المراهقين والشباب.

لكن ما يعرضه الإعلام الرسمي لا يشبه إطلاقاً ما يمكن متابعته على مواقع التواصل الصينية، حيث ينتقد المواطنون الحكومة وإعلامها. إذ برز في الأسابيع الأخيرة هجوم واسع على الأداء الإعلامي الصيني، والتركيز على قصص البطولة والتضحية، بينما لا يزال أفراد الطاقم الطبي في المستشفيات يفتقرون إلى الإمدادات الصحية الأساسية مثل الأقنعة.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن الشابة ديزي تشاو (23 عاماً)، وهي من سكان بكين، قولها إنها كانت تثق بوسائل الإعلام الرسمية في الماضي، "لكني الآن ضد التقارير الإعلامية التي على سبيل المثال وصفت 8 من العاملين الطبيين الذين حاولوا التحذير من تهديد فيروس كورونا بمطلقي الشائعات... لقد فقدت وسائل الإعلام الرسمية الكثير من المصداقية".

أزمة آلة الدعاية
انطلاقاً من كل ما سبق تواجه آلة الدعاية الصينية، وهي منظومة معقدة ومتطورة تهديداً فعلياً، ففي حال فقد الصينيون الثقة بها، سيكون على النظام الحاكم البحث عن وسائل متجددة لفرض سلطته على المجتمع. فكيف فشلت آلة البروباغندا هذه؟

الانتقاد الأول يطاول بطء الحكومة في الكشف عن تهديد فيروس كورونا، وعملها على قمع أصوات أولئك الذين حاولوا تحذير البلاد من الخطر المقبل. وبذلك بدت الحكومة كأنها تقايض حق الناس بالمعرفة بفرض الأمن. ومع انتشار الأخبار، وبدء حالة الهلع، أصرّت بكين على خلق بيئة مطمئنة للرأي العام، فأرسلت المئات من الصحافيين الذين ترعاهم إلى ووهان وأماكن أخرى لكتابة قصص عن الأطباء والممرضين في الخطوط الأمامية في المستشفيات.

أرشيف المنشورات المحذوفة
بقيت رواية الحكومة هي المسيطرة إلى أن أعلنت بكين مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي عن وفاة الطبيب الذي حذّر مبكراً من فيروس كورونا، وعوقب من قبل المسؤولين بسبب التحدث علانية. وقتها بدأ ناشطون صينيون على مواقع التواصل الاجتماعي بإنشاء أرشيف رقمي للمنشورات المحذوفة. يضمّ هذا الأرشيف بشكل أساسي مقاطع فيديو التي تنتقد تعامل الحكومة مع انتشار الفيروس، والمشاكل التي تواجهها المستشفيات، معيدين نشر القصص الشخصية التي تسلط الضوء على تقصير الحكومة، ومطلقين دعوات مفتوحة وواسعة لحرية التعبير. مع إنشاء هذا الأرشيف، ظهر بشكل مكثّف على موقع "ويبو" (أشهر موقع تواصل اجتماعي في الصين) وسم "أريد حرية التعبير"، لتتدخل السلطة الصينية سريعاً، وتفرض رقابتها عليه، فاختفى سريعاً من التداول.

هكذا تبذل بكين كل ما في وسعها لاستعادة سيطرتها على الخطاب الإعلامي، لكن تبدو أسلحتها تقليدية وقديمة، وأبطأ من انتشار الفيروس السريع في الصين وخارجها. إذ تعيد السلطة تدوير القصص الإنسانية عن شفاء بعض المصابين بالفيروس، ثمّ تعرض قصصاً حزينة لأشخاص ماتوا نتيجة كورونا.

وتذهب الصين بعيداً في سرد هذه الحكايات، حتى تبدو بعض الشهادات غير واقعية. وبالفعل اعتذرت إحدى الصحف في مدينة شيان بعدما نشرت مقالاً يزعم أن طفلة إحدى الممرضات العاملات في مساعدة المرضى المصابين بالفيروس، وهي مولودة حديثاً، سألت والدها عن مكان والدتها. القصة الخرافية هذه، دفعت الصحيفة إلى الاعتذار قائلة إنه "كان خطأً تحريرياً".

كذلك حذفت صحيفة محلية أخرى قصة عن ممرضة كانت تعمل مع المصابين بكورونا، بينما زوجها راقد في غيبوبة طويلة منذ عام 2014. لكن الرجل بدأ يبتسم في كل مرة كان اسم زوجته يذكر أمامه، "كما لو أنه كان يعلم أن زوجته في مهمة سامية".