صحافيو الثورة السورية: أحرارٌ وسط لعبة الموت

صحافيو الثورة السورية: أحرارٌ وسط لعبة الموت

15 مارس 2020
تدخل الثورة السورية عامها العاشر (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تدخل الثورة السورية اليوم عامها العاشر، بعدما أطلقت متطوعين لنقل أحداثها إلى العالم، عبر صور وفيديوهات صورت بهواتفهم المحمولة، متحدين التعتيم الذي فرضه نظام بشار الأسد، فوصفوا بـ"شهود العيان"، ثم "الناشطين الإعلاميين، فـ"المواطنين الصحافيين". بعضهم اتجه لاحقاً إلى امتهان الصحافة.

جواد المسالمة من أوائل أولئك الناشطين الإعلاميين الذين شاركوا في تغطية الحراك من محافظة درعا، عبر كاميرات هواتفهم النقالة بادئ الأمر. ورغم مشاركته في التظاهرة الأولى هناك في 18 مارس/ آذار عام 2011، إلا أنه لم يخطر في باله نقل التحركات إلا في اليوم الثاني. وعن الدافع، قال المسالمة لـ"العربي الجديد"، إن "النظام بدأ بقتل المتظاهرين منذ اليوم الأول، لاجئاً في الوقت نفسه إلى التضليل ونشر الشائعات، فوجدنا أنفسنا أمام نظام كاذب وإعلام منافق، واضطررنا حينها إلى توثيق انتهاكات النظام اليومية خلال التظاهرات ونقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام". وأضاف "لم أكن أتمنى أن تقع على عاتقي مثل هذه المهمة، نظراً لحجم الجرائم وبشاعتها التي التقطتها، لكن كان واجباً علينا نقل الصورة الحقيقية للإجرام المرتكب بحق الشعب السوري".

وأشار المسالمة إلى أن "أبرز المخاوف حينها كانت الاعتقال، بعدما تعمد النظام اعتقال الناشطين وتعذيبهم حتى الموت والتمثيل بجثثهم، فضلاً عن اعتقال أهاليهم والضغط المستمر عليهم لتسليم أنفسهم. الناشطون يفضّلون الموت أو التهجير على معتقلات النظام". المسالمة مقيم حالياً في الأردن، بعد سياسة "المصالحات" والتهجير التي رعتها روسيا في درعا وغيرها عام 2018، ويحلم بعودة قريبة إلى سورية حرة تحاكم المجرمين، ومبدؤها المساواة والعدالة.

خالد أبو صلاح برز اسمه بنشاطه الملحوظ في مدينة حمص، وتحدث لـ"العربي الجديد" عن بداية نشاطه الإعلامي بعد أقل من شهر على بدء التظاهرات، حين شكّل مع أصدقائه، في حي بابا عمرو، نواة لما أصبحت "تنسيقية بابا عمرو". وقال أبو صلاح: "في هذه الأسابيع القليلة بعد انطلاقة الثورة أدركت أهمية توثيق الانتهاكات بحق المدنيين، في ظل غياب وسائل الإعلام وسيطرة رواية رسمية تحاول تشويه الحَراك الشعبي، وعبر هاتفي المحمول بدأت أول نشاط إعلامي لي مصوراً وموثقاً التظاهرات والانتهاكات في بابا عمرو. ومع تزايد أعداد الشهداء في حيّنا وعجز وسائل الإعلام المحايدة من الوصول إلى موقع الحدث، قررت الخروج والحديث عبر الفضائيات لهدم رواية النظام الرسمية، ونقل صورة الثورة وصوتها للعالم".

مواقف عدة لا ينساها أبو صلاح، لكن "لم يؤلمني شيء خلال سنين الثورة كاستشهاد عبد الباسط الساروت، وسبقه فقدان الكثير من المقربين، بمن فيهم أخي أحمد. لكن فقدان الساروت بما يمثله للثورة، وما يمثله لمن كانت تربطهم به صداقة ومعرفة، خسارة كبيرة"، قال الناشط السوري. في الوقت نفسه، لا ينسى "أول صرخة" في تظاهرة رفقة صديقه محمد الطحان: الله، سورية، حريّة وبس. وأردف: "أي إنسان مهما بلغ من معرفة، لم يكن له أن يتصور ما آلت إليه الأمور في سورية، وعن نفسي وعن كل من عرفتهم من أصدقاء وزملاء انخرطوا في صفوف الثورة منذ بدايتها، أقول واثقاً: لم نرد سوى مستقبل أفضل في الوطن، وتحصيل حقوق الشعب. والكل كانوا مستعدين للتضحية بحياتهم في سبيل الأهداف هذه. لم نتصور حجم تخاذل العالم وصمته عن إجرام النظام. ولا يتحمل النظام وحده مسؤولية ما جرى، بل القوى الإقليمية والدولية التي استثمرت في القضية السورية وحوّلتها إلى صراعات محاور وتصفية حسابات على حساب دماء السوريين".
راسم غريب أو "قيس أبو النصر"، وهذا الأخير هو الاسم المستعار لغريب الذي بدأ به نشاطه الإعلامي مصوراً في مدينته معرة النعمان في ريف إدلب وتظاهراتها، خوفاً من ملاحقة النظام له ولذويه. وقال في حديثه لـ"العربي الجديد": "في بداية الثورة وجدت متعة كبيرة في التظاهر، ولم يرد إلى ذهني حينها المشاركة في توثيق الحراك، لكن ما حصل في (جمعة العشائر) في معرة النعمان، بعد شهرين من اندلاع الثورة، من هجوم وحشي لقوات الأسد على المتظاهرين باستخدام الطائرات المروحية للمرة الأولى في تاريخ الثورة وارتكابها مجزرة بحقهم، دفعني إلى التوثيق بكاميرا هاتفي النقال وقتئذ بعض ما حدث، ولما كانت تغطية حدث كهذا تكاد لا تذكر من قبل وسائل الإعلام العربية والعالمية، قررت اقتناء كاميرا".

وأوضح غريب أن "الخوف الأكبر، في ذلك الوقت، كان يكمن في أن تتم الوشاية بي وأن أتعرض أو أحد أفراد أسرتي للاعتقال من قبل النظام، أما مناورة رصاص جهاز الأمن في التظاهرات والبقاء على قيد الحياة لنقل صورة ما كان يجري، فيشعرك بأنك انتصرت على نظام الأسد بطريقة ما في لعبة الموت هذه". ورأى غريب الذي يعيش اليوم لاجئاً في ألمانيا، بعد مغادرة سورية إلى تركيا بسبب ملاحقته من تنظيم "جبهة النصرة" عام 2014، ومن تركيا إلى ألمانيا عام 2017، أن "للإعلام فضلاً كبيراً بعدم وأد الثورة في مهدها درعا، وأن أشرطة الفيديو التي خرجت من هناك ألهمت كل السوريين وكسرت من قداسة وألوهية نظام الأسد، وشجعت باقي المناطق على الخروج، بعد أن كان الشارع السوري على يقين شبه تام بأن قبضة النظام الأمنية ستمنع انتقال الربيع العربي إلى البلاد، ولما فشل النظام حتى في منع انتقال الثورة بين المحافظات السورية، أصبح استهداف الناشطين الإعلاميين (عيون الثورة) على رأس أولوياته".

استهدف النظام الناشطين الإعلاميين والصحافيين منذ بداية الحراك، سواء من خلال القتل أو الاعتقال أو ملاحقة ذويهم، ووثق "المركز السوري للحريات الصحافية" في "رابطة الصحافيين السوريين" وقوع 1305 انتهاكات، ارتكبت في سورية وخارجها ضد الإعلاميين السوريين، منذ منتصف مارس/ آذار عام 2011 إلى نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي.

ويعتبر القتل أكثر أنواع الانتهاكات ارتكاباً بـ456 حالة قتل، من مجموع الانتهاكات الكلي الذي وثقه المركز خلال الفترة المذكورة. أما عن حالات الاعتقال والاحتجاز والاختطاف وحالات الإصابة والضرب، فبلغت 321 حالة اعتقال، و323 حالة احتجاز. في المقابل، ارتكبت 115 انتهاكاً ضد المراكز والمؤسسات الإعلامية، إضافةً إلى 90 حالة من الانتهاكات الأخرى (كالمنع من التغطية الصحافية، والتهديد، ومصادرة المعدات الصحافية، والملاحقة، وغيرها من الانتهاكات الأخرى).

وبحسب تصنيف المركز، تنوّعت فئات الإعلاميين (الجنس، النوع، الجنسية، خارج البلاد) الذين تعرضوا للقتل، فقد سجل المركز مقتل 456 إعلامياً منذ منتصف مارس/ آذار عام 2011 وحتى نهاية شهر فبراير/ شباط عام 2020، كان منهم 33 إعلامياً فقدوا حياتهم تحت التعذيب في سجون النظام السوري، و5 إعلاميين سوريين قتلوا خارج سورية، و64 إعلامياً (مراسل حربي) يعملون لدى قوى مسلحة في سورية، ومقتل 7 إعلاميات (سوريات وأجنبيات) في سورية، كما قُتل 19 إعلامياً أجنبياً في سورية، حيث كان نظام الأسد مسؤولاً عن مقتل 7 إعلاميين من الأجانب، فيما قَتَلَ تنظيم "داعش" 6 إعلاميين أجانب. كذلك يُعتبر النظام السوري المسؤول الأول عن الانتهاكات بارتكابه 602 انتهاك ضد الصحافيين والناشطين الإعلاميين، من مجموعها الكلي (1305 انتهاكات).

المساهمون