"حرية الفكر والتعبير": النظام المصري يرى تداول المعلومات خطراً

"حرية الفكر والتعبير": النظام المصري يرى تداول المعلومات خطراً وجنينة نموذجاً

11 سبتمبر 2019
الجهاز المركزي للمحاسبات أحد الأجهزة الرقابية (تويتر)
+ الخط -
اعتبرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية) اليوم الأربعاء، في ورقة بحثية بعنوان "الإفصاح عن المعلومات في الجهاز المركزي للمحاسبات.. قضية هشام جنينة نموذجًا"، أنّ السلطة الحالية في مصر ترى في حرية تداول المعلومات خطرًا على استقرار النظام السياسي، وتعتمد على السرية والحجب ومنع المواطنين من المشاركة في محاسبة المسؤولين.

وطرحت المؤسسة من خلالها اﻹشكاليات الواردة في القانون المنظِّم للجهاز المركزي للمحاسبات، من حيث غياب ضمانات الإفصاح عن المعلومات، خاصة وأن الدستور المصري الحالي، ينص على نشر التقارير السنوية على الرأي العام. واعتبرت المؤسسة في أبرز استنتاجات الورقة أنّه "منذ عام 2014، عند إقرار الدستور الحالي، لم تسعَ السلطة التشريعية أو الحكومة إلى مناقشة وإصدار قانون تداول المعلومات، وبالتالي هذا الحق الذي كفله الدستور بقي معطلًا طوال أكثر من خمس سنوات، بل أن المحاولة الوحيدة التي قام بها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لإعداد مسودة قانون تداول المعلومات، ظلت حبيسة أدراج الحكومة حتى وقتنا هذا".

كما استنتجت أنّه "وفرت مواد الدستور الحالي كذلك حماية لاستقلالية الأجهزة الرقابية، وكفلت في الحد الأدنى عرض تقاريرها السنوية المقدمة إلى البرلمان والرئاسة والحكومة على الرأي العام، ولكن أيًّا من ذلك لم يحدث، بل أن البرلمان لم يعلن في أي وقت طوال الأعوام الخمسة الأخيرة عن مناقشة هذه التقارير، هذا من جانب. أما من جانب آخر، فلم يتم تعديل القوانين الخاصة بالأجهزة الرقابية لكي تواكب مواد الدستور المصري.

وتوصّلت إلى أن "محاولة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة في الإفصاح عن بعض المعلومات تعد خطوة مهمة لفهم أبعاد أهمية الحق في المعلومات، إذ سعى جنينة إلى الحديث عن آليات عمل الجهاز المركزي للمحاسبات وتقاعُس جهات التحقيق عن التعاون معه، وكذلك رفض بعض الجهات حصوله على المعلومات الخاصة بميزانيتها، وأيضًا تناول وقائع متعددة لمظاهر الفساد داخل الجهاز الإداري للدولة. أسهمت هذه التجربة في زيادة النقاش العام حول أداء الجهاز الإداري للدولة، خاصة وأن الدولة كانت تروّج لاتخاذ خطوات متعلقة بالإصلاح الاقتصادي. ولكن، بقي العاملون في الجهاز المركزي للمحاسبات أسرى فلسفة التعتيم والحجب والسرية، ما جعل الجهاز المركزي للمحاسبات، بعد إقالة جنينة، لا يصدر أي بيانات صحافية حول عمله. وبالتالي، تأثر النقاش العام حول مكافحة الفساد في الجهاز الإداري للدولة.

كما استخلصت أن "معركة الدفاع عن حرية تداول المعلومات لا يمكن أن يخوضها فرد أو جهة بمفردها، وهناك حاجة ماسّة إلى تنظيم جهود جماعية تضم نقابات ومنظمات مجتمع مدني وأكاديميين ومسؤولين ونوابًا بالبرلمان وأحزابًا سياسية، للضغط من أجل إقرار قانون تداول المعلومات، والتزام الدولة وأجهزتها بالإفصاح عن المعلومات".

ومن خلال قضية المستشار هشام جنينة، وهو الرئيس السابق للجهاز، ألقت الورقة الضوء على فهم مدى رغبة الجهات الرسمية في مصر في حجب المعلومات، وتجاهل مشاركة المواطنين في محاسبة المسؤولين وتقييم السياسات التي تتعلق بمصالحهم. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر القرار رقم 132 لسنة 2016 بإعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات اعتبارًا من يوم 28 مارس/آذار 2016، بعد توجيه اتهامات له بنشر أخبار، وبيانات، وإشاعات كاذبة بسوء قصد -بإحدى الطرق العلنية- والتي كان من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ذلك بأن صرح إعلاميًّا لصحافية باليوم السابع ببيان كاذب بأن تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة المصرية تجاوزت ستمائة مليار جنيه خلال عام 2015.

وحسب الورقة، جاءت شهادات جميع العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات في القضية لتلقي الضوء على طريقة تفكير العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات، وتصوراتهم عن الهدف من الجهاز وإطار عمله الرقابي. وأظهرت الشهادات تجاهل مبادئ حرية تداول المعلومات، وقيم الشفافية، ومكافحة الفساد في عمل الجهاز القومي للمحاسبات كجهاز رقابي، وعبرت الشهادات تلك عن مدى تغلغل فلسفة الحجب والتذرع بالسرية في الأجهزة الرقابية، بل واعتبار محاولات اﻹفصاح عن جانب من المعلومات أمام الرأي العام بمثابة مؤامرة للإيحاء بفساد مؤسسات الدولة.
ويعد الجهاز المركزي للمحاسبات واحدًا من الأجهزة الرقابية، وفق الدستور المصري.

وأوصت الورقة البحثية بـ"على مجلس النواب إصدار قانون تداول المعلومات، والالتزام في بنوده بالمعايير الدولية ذات الصلة"، و"على مجلس النواب تعديل قانون رقم 144 لسنة 1988 بشأن الجهاز المركزي للمحاسبات، بحيث يتم تضمين آليات الإفصاح عن المعلومات للمواطنين، ونشر التقرير السنوي للجهاز التزامًا بنصوص الدستور وتحديد نطاق الاستثناءات الواردة على قاعدة الإفصاح". و"يجب أن تضع الأجهزة الرقابية خطة لنشر ثقافة حرية تداول المعلومات بين موظفيها".