التوتر يحكم علاقة السيسي بإعلام الانقلاب

التوتر يحكم علاقة السيسي بإعلام الانقلاب

03 يوليو 2019
مؤيدو مرسي يتظاهرون ضد الانقلاب العسكري عام 2013(مصعب الشامي/Getty)
+ الخط -
لم يَبدُ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يومًا ما، راضيًا عن الإعلام المصري، رغم مهادنة الأخير وترويضه بشكلٍ تام لخدمة النظام منذ الانقلاب العسكري الدموي في الثالث من يوليو/ تموز 2013. إذ تكفي كتابة كلمات "السيسي يهاجم الإعلام" على محرك البحث الأوسع انتشارًا، "غوغل"، لفتح عشرات الأخبار والتقارير المكتوبة والمصوّرة عن مهاجمة السيسي للإعلام في محافل محلية ودولية.
بعد 6 سنوات من الانقلاب، ورغم سيطرة الأذرع الإعلامية بشكل كامل على الفضاءات المرئية والمسموعة والمقروءة، لماذا يغضب السيسي على الإعلام؟ هل لمعرفته بخطورته لأنهم شاركوه في الإعداد للانقلاب؟ أم لفشلهم خلال سنوات في تمرير كذبة أن ما حدث كان ثورة لا انقلاباً؟ سؤال أجاب عليه مراقبون في مصر من أكاديميين وصحافيين وإعلاميين، بوجهات نظر وتحليلات مختلفة، لكنها اتفقت على أن بطش النظام لم ولن يستثني أحداً.

يُشار إلى أن مصطلح "الأذرع الإعلامية" ظهر للمرة الأولى في نهايات 2013، بحديث منسوب لوزير الدفاع المصري آنذاك، والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، عن "أذرع إعلامية ممتدة في وسائل الإعلام للسيطرة على محتواه، تجبرها على السير على السطور التي وضعها من أجل إتمام خارطة الطريق".

ويقول صحافي، فضّل عدم ذكر اسمه، إنّ الإعلام منذ اللحظة الأولى سار على النهج المحدد له وفق خطة الثالث من يوليو/تموز 2013، والتي اكتملت ملامحها باجتماع السيسي مع رؤساء التحرير في مصر لعدة أشهر متتالية بعد توليه الحكم. ففي 24 أغسطس/ آب عام 2014، اجتمع السيسي بأغلبية رؤساء تحرير الإصدارات الصحافية في مصر، وعادى حينها صراحة وسائل إعلام دولية أبرزها "العربي الجديد" بقوله "هناك كيانات بدأت تظهر على السطح منها شركة تدعى ميديا لِمتيد، تتخفّى خلف شعار تشجيع الفن العربي، ورصدت مبالغ كبيرة للسيطرة على المبدعين العرب، إضافة إلى موقع إلكتروني يدعى العربي الجديد، وقناة فضائية باسم مصر الآن تستعد للانطلاق، وموقع إلكتروني باسم Culture، وهو ما يستدعي الانتباه إلى هذه المؤامرة، التي لا تستهدف مصر وحدها بل الأمة العربية بالكامل، لتحقيق أهداف سياسية ضد مستقبل العرب وتماسكهم".

استمرت اجتماعات السيسي مع رؤساء التحرير لعدة أشهر متتالية، حتى اطمأنّ على أنهم وعوا الدرس جيدًا بدليل عملي ملموس، بأن أصدروا بيانًا موحدًا أعلنوا فيه "التوقف عن نشر البيانات الصادرة التي تدعم الإرهاب وتدعو إلى تقويض مؤسسات الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر.. والسعي إلى اتخاذ الإجراءات لمواجهة هذه المخططات التي من شأنها منْع تسلل العناصر الداعمة للإرهاب إلى الصحافة ومواجهة الثقافة المعادية للثوابت الوطنية"، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، على خلفية حادث تفجير في سيناء.

حينها اعترض مئات الصحافيين على البيان، ووقّع أكثر من 487 صحافيًا على عريضة رافضة للبيان الذي اعتبروه "رِدّة عن حرية الصحافة، وقتلاً متعمداً للمهنة، وإهداراً لكرامة الصحافي، وانتصاراً للإرهاب، عبْر إعلان التخلي الطوعي عن حرية الرأي والتعبير".
ثم أُقِرّ قانون مكافحة الإرهاب في مصر في أغسطس/ آب 2015 والذي يفرض على الصحافيين الالتزام بالرواية الرسمية عند التغطية الصحافية. كما تم سنّ "قانون تنظيم الصحافة والإعلام" في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2016 والذي تسلط من خلاله السلطة التنفيذية مراقبة مكثفة على الصحافة والإعلام.

ويقول صحافي آخر إنّ "الصحف تسير بحذر على تلك الخطة الموضوعة، وتتلقّى التعليمات أولًا بأول من خلال الجهات الأمنية التي تطلع على النسخ الإلكترونية للصحف قبل إرسالها للمطبعة، ومن حاول منهم توسيع السقف المسموح به كان مصيره الحجب أو الغرامات أو التضييق، كما حدث مع المصري اليوم، إحدى الصحف المشاركة في الخطة والموقعة على بيان رؤساء التحرير".

يشار إلى أنه في الرابع من إبريل/ نيسان 2018، قرر المجلس الأعلى للإعلام المصري، فرْض عقوبات على صحيفة "المصري اليوم"، بسبب نشرها تقريرًا بعنوان "الدولة تحشد الناخبين" صبيحة غلق باب التصويت في الانتخابات المصرية.
وتمثلت العقوبات في غرامة 150 ألف جنيه، واعتذار رسمي، وإحالة رئيس التحرير للتحقيق.

العقوبة التي طاولت "المصري اليوم" كان لها مثيلاتها في الإعلام المرئي. فقد اختفت وجوه مؤيدة للنظام، وظهرت وجوه أخرى، وشهدت القنوات الفضائية المصرية الخاصة مجموعة من التحولات وإعادة الهيكلة الإدارية والمالية، التي أسفرت في النهاية عن السيطرة عليها تحت مظلة مخابراتية أمنية محكمة برعاية إماراتية أسهمت أموالها في تشكيل الخارطة الإعلامية الحالية التي يديرها ضباط تابعون للمخابرات الحربية.
يشار إلى أن شركة "إعلام المصريين" المالكة لأغلب المحطات التلفزيونية الخاصة، يرأس مجلس إدارتها تامر مرسي، وهي تابعة لشركة إيغل كابيتال للاستثمارات المالية، وتتبع جهاز المخابرات المصري، وتندرج تحتها شركة "سيرنجي" التي تمتلك أغلب شبكات القنوات الفضائية المصرية مثل "ON" و"dmc" و"CBC" و"الحياة"، إضافة إلى مواقع إلكترونية وصحف ومحطات إذاعية.

"نجحوا في تنفيذ الخطة، لكنهم فشلوا في إقناع المصريين"، هكذا يُبرّر أستاذ إعلام مساعد بجامعة القاهرة (فضّل عدم ذكر اسمه) أسباب توتر العلاقة دائمًا بين الإعلام المصري والنظام، مضيفًا "الشعب ليس ساذجاً لهذه الدرجة، بل حتى إن المؤيدين للنظام المصري من الشعب - أو من يُطلق عليهم سيساوية - يعرفون جيدًا أن الكلام المكرر على ألسنة الإعلاميين في جميع القوات الفضائية ما هو إلا محاولة لفرض أمر واقع دون قناعة".
ويتابع "الإعلام فشل في استقطاب مصريين معادين للنظام أو على الحياد، لكنه بالطبع يتحمل مسؤولية كبرى في عزوف المصريين عن متابعتهم وتصديقهم واتجاههم لمعارضة النظام، خاصة مع الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتدهورة، وهو ما يقلق النظام".

ولمزيدٍ من السيطرة على الإعلام، أسس السيسي المجلس الأعلى للإعلام، بديلًا لوزارة الإعلام المصرية، الذي أصدر بدوره 86 قرارًا بعقوبات مختلفة على وسائل الإعلام والعاملين بها؛ خلال عامين فقط من تأسيسه، بحسب حصْر منظمة حقوقية مصرية، تتبعت مسار تأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولاحظت أن "السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تعمدت عدم إجراء أي نقاشات مجتمعية حول الاختصاصات المخوّلة للأعلى للإعلام، بجانب أنها أوكلت العديد من الصلاحيات إليه، وجعلت منه رقيبا أعلى وأخا أكبر يراقب ما يُبث وينشر على وسائل الإعلام، وهو ما نستنتج منه أن كلًا من السلطتين تعمدت خلق كيان مؤسسي تستطيع من خلاله التحكم في كل ما يبث وينشر في جميع وسائل الإعلام".

ورغم أذرعه الإعلامية وترسانة القوانين وفلترة رموز الإعلام أولًا بأول للتأكد من ولائها وإحكام قبضته الأمنية على كل ما ينشر ويبث داخل الحدود المصرية، يبقى الإعلام الدولي أزمة كبرى لم يتمكن السيسي من مواجهتها بإعلامه في الداخل.

مخاوف ترجمتها كلمات معادية له أطلقها في مايو/ أيار 2018، خلال المؤتمر الخامس للشباب الذي عُقد في مصر، عندما توعّد "الإعلام المصري المعارض الذي يُبث من الخارج". وقال السيسي آنذاك "أي حد يتكلم في القنوات التلفزيونية اللي بره والله كله هيتحاسب.. والله كله هيتحاسب.. اللي بيخدع الناس.. واللي بيضحك على الناس ويخدعهم، ويحطم آمال الناس.. كله هيتحاسب".

وهي الرسالة التي اعتبرها المرصد العربي لحرية الإعلام (منظمة مجتمع مدني مصرية) "تهديدات تعد الأعنف من نوعها، قد تطاول العاملين في تلك القنوات والمتعاملين معها، لأنها لم تحدد نوع المحاسبة التي يقصدها وتفتح الباب على مصراعيه أمام تكهنات كثيرة في ظل استمرار النظام الحاكم في الانتهاكات التي تصل في أحيانٍ كثيرة إلى حد تصفية المعارضين خارج إطار القانون، وكذلك المحاكمات الهزلية وتهديد المعارضين باعتقال أهلهم وذويهم داخل مصر وغيرها من الأساليب.. خاصة أن السلطات المصرية بذلت جهوداً كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية لوقف بث تلك القنوات وإغلاقها، وقدمت ملفات للعديد من الجهات الدولية تتضمن ما تصفه السلطات المصرية بتحريض على العنف والكراهية والإرهاب، وهو ما لم تقتنع به تلك الجهات الدولية التي تدرك طبيعة الحالة الإعلامية والسياسية المصرية جيداً، وتعرف حالة القمع الممنهج لحرية الصحافة والإعلام في مصر".