عن ذئاب و"خراف" الصحافة... جمال خاشقجي نموذجاً

عن ذئاب و"خراف" الصحافة... جمال خاشقجي نموذجاً

20 يونيو 2019
(كريس مكغراث/Getty)
+ الخط -
ثمة كوارث كثيرة كامنة يحتاج العرب لمراجعتها، أو التخلص سياسياً وقانونياً من ناشري "ثقافتها" ومروجي تطبيعها في مجتمعاتنا. فبنشر تسجيل نقاش متزعم فريق إعدام الصحافي جمال خاشقجي، ماهر مطرب، مندوب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وزميله الجزار صلاح الطبيقي، في قنصلية بلادهم في إسطنبول، حول التقطيع والتخلص من الجثة، والسؤال عن وصول "خروف العيد"، كناية عما انتظر خاشقجي، كصحافي وصاحب رأي، من ذبح، ندخل مرحلة أخرى من وصول قاع الانحطاط.

وبعيدا عن تخيل ما دار في عقل خاشقجي، محدقا بأدوات تقطيع الجثة، سائلاً جلاديه: "هل ستقتلونني؟"، فإن استعادة الدفاع "الإعلامي" الأعمى عن مصدر الأوامر، يومي الأربعاء والخميس، على خلفية تقرير مقررة الأمم المتحدة أنييس كالامار، يكشف إصرار أدوات البروباغندا، بأموال معسكر ترسيخ الانحطاط، على احتقار دور الصحافة والصحافيين.

وهو ما قد يفسر انتشار خطاب شعبوي عربي، أخيرا، بمحتوى بذيء وقميء لدى ما يسمى "ذباب إلكتروني"، وكأنه ينهل من انهيار ثقافة وأخلاق المشغلين من "أولياء الأمور"، ما يشير في أحد أوجهه إلى زيف وكذب ادعاء الطهرانية الأخلاقية - الدينية. فأية محاولة للبحث عن مقارنات بين الانهيارات لدينا ولدى غيرنا ستصيب صاحبها بحيرة؛ أقله في مضلعات الأخلاق العاكسة لمتغيرات خطيرة وعميقة، ثقافة ودينا وإنسانية، باستسهال تبرير القتل، المنهي عنه قرآنيا.

قد لا يبالي البعض بحالة الفوضى التي يرسخها مراهقو السياسة والإعلام، بيد أن كارثة الخسارة العربية العامة، صورة ومكانة ووعيا، وصناعة مستقبل، ستجبر الجميع على البحث عن طريقة لوقف هذه الانهيارات. فالصورة لا تسر كثيرا، بما صار لدينا من "تهريج"، يسمى "إعلاما"، لإجبار الناس على اجترار الرواية الرسمية، المثيرة لمزيد الاشمئزاز والسخرية، حتى بمقارنتها مع حالات أكثر تخلفا، إن وجدت في غير كوريا الشمالية. فحدود الكارثة أبعد مما دار في قنصلية "بلاد الحرمين"، وما يلقيه موظفو ماكينة البروباغندا.


تبني صحافيين وأكاديميين و"مستشارين" لرواية "ما يستحقه الخونة"، من زملائهم الصحافيين وأصحاب الرأي، أمر كارثي في مساعي معسكر ترسيخ التخلف، استهدافاً لأدوار السلطة الرابعة ومن لا يسير وفق سرب الببغائية؛ وهو بالضبط ما يسري منذ حصار قطر وبعيد ذبح وتقطيع وحرق جمال خاشقجي، حيث تفاخر البعض بما يمكن أن يصير إليه مصير من يغردون خارج الصراط المستقيم لولي العهد.

فمعسكر الاستبداد يريد للصحافة والإعلام أن يصيرا أبواق ثرثرة وردح، بتشويش متعمد، لاستهداف عقول الشعوب، برعاية من مستشاري ديوان ملكي هنا وأميري هناك، بما ينتج في تراكماته، المتزامنة والانهيارات الثقافية والهوياتية للمجتمعات، مع كل هذا الازدراء لقيمة إخوتهم في المواطنة والدين والعروبة، ولهث لتمجيد دولة الاحتلال الصهيوني، نكاية بالحقيقة واضطرابا في المنطق.

ومقابل هذا الاضطراب في التعاطي الإعلامي مع الحاكم كمقدس لا يمس، نجد في الغرب الذي يحج إليه ولي الأمر، استشفاء واستثماراً وقصوراً ويخوتاً ولوحات، وتزلفاً ودونية، أنه حتى اليمين الشعبوي المتطرف، الذي لا يكن وداً للصحافة، لم يذهب في النمسا، مثلاً، إلى الدعوة إلى قصف مقرات صحافة ألمانيا ولا إلى تقطيع أوصال صحافييها ممن نشروا على الرأي العام فضيحة نائب المستشار في الدولة الجارة، هاينز كريستيان شتراخه.

بل لم يستنفر انهيار حكومة فيينا "ذباب شتراخه" لاتهام "دير شبيغل"، الألمانية، بالتآمر والتدخل في شؤون "سيادية"، ولم يُهتف "بالروح.. بالدم.. نفديك يا شتراخه".. ولم تخرج صحف فيينا تردح مهددة ومذكرة أن "سيادته خط أحمر".

ببساطة، ما جرى هو أن رئيس النمسا، ألكسندر فان دير بيلين، أثنى على "قيام السلطة الرابعة بدورها" مقابل هستيريا التحريض على ذبح الصحافيين العرب وسؤال أحد ذئاب مندوبي الحاكم العربي: "هل وصل خروف العيد؟". هو سؤال في السياق الطبيعي لتطبيع عقلية إجرامية مزمنة تصنع في طريقها بروباغندا فاشية واضطرابات مخيفة لمستقبل أبناء تلك المجتمعات.​

المساهمون