تونس: الإعلام مدخل شخصيات للسياسة

تونس: الإعلام مدخل شخصيات للسياسة

14 يونيو 2019
أسهم نبيل القروي مرتفعة في الانتخابات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن ظاهرة نبيل القروي، أحد مالكي قناة "نسمة تي في" والفاعل الرئيسي فيها، والذي فاجأ الجميع في تونس بصعوده الصاروخي في سبر الآراء المتعلق بالانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة (يحتل المرتبة الأولى في استبيان الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفقاً لجلّ المكاتب المتخصصة)، أعادت من جديد طرح مسألة توظيف أصحاب المؤسسات الإعلامية لقنواتهم الإذاعية ومحطاتهم التلفزيونية لخدمة أجنداتهم السياسية. 

توظيف للمؤسسات الإعلامية في خدمة أغراض سياسية أعلنت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) عدم قانونيته وتضاربه مع التشريعات المنظمة للعمل الإعلامي في تونس. ودعت كل المخالفين إلى تسوية وضعيتهم القانونية أو تطبيق القانون عليهم. لكنّ الجديد هو دعوة أحزاب برلمانية تونسية إلى تغيير القانون الانتخابي في تونس، ليمنع ترشح أصحاب المؤسسات الإعلامية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية رغم إقرارها بأن الترشح حق دستوري. إلا أنّ توظيف وسائل الإعلام الخاصة لخدمة شخص أو حزب مسألة غير قانونية وتضرب مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين كل المرشحين. وأعلنت منظمات مجتمع مدني مثل "عتيد"، رفضها الدعوة إلى تغيير القانون الانتخابي باعتبار أن تحوير القانون الانتخابي لا يمكن أن يتم أشهرا قبل الانتخابات وبعد ظهور نتائج سبر الآراء، وهو ما يعني إقصاءً ضمنياً لمنافسين مفترضين.

هذه الوضعية القانونية بصبغة سياسية لبعض وسائل الإعلام جعلت الجدل يحتدم، فتم تبادل التهم بين كل الأطراف المتدخلة في اللعبة الانتخابية. والعملية لا تشمل فقط نبيل القروي الذي بات رقماً صعباً في المعادلة السياسية التونسية، بل تشمل بعض مالكي وسائل الإعلام الآخرين.
ومنهم محمد الهاشمي الحامدي، مالك قناة "المستقلة" التي تبث من لندن والفاعل الرئيسي ومؤسس حزب "تيار المحبة"، والذي لا يخفي هو الآخر طموحاته السياسية. وقد عرف بتقلبه السياسي من انتماء لحزب حركة النهضة الإسلامي، فانسلاخ عنه قبل الثورة والتقرب لعائلة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين، فالعودة مجدداً إلى تيار المعارضة وتأسيس حزب جديد يعتبر من الأحزاب البرلمانية في تونس.

ينطبق الأمر نفسه على سعيد الجزيري مالك إذاعة "القرآن الكريم" ومؤسس حزب "الرحمة"، وهو شخصية تحوم حولها الكثير من الأسئلة باعتباره من الإسلاميين الذين غادروا تونس قبل الثورة ليلتحق بفرنسا. وهناك تمّ سجنه لممارسته العنف لأسباب دينية، ليتحول بعدها إلى كندا ويحصل على حق اللجوء السياسي ليتضح في ما بعد أنه قدم أوراق هوية مزورة فيتمّ ترحيله من الأراضي الكندية، ليحاول العودة من جديد إلى هناك عبر الحدود المكسيكية الأميركية لتقبض عليه السلطات الأميركية ويتمّ ترحيله، ليعود إلى تونس بعد الثورة ويؤسس إذاعة دينية وحزباً سياسياً. وتقوم الإذاعة بالدعاية السياسية له، وهو ما اعتبرته الهايكا خرقاً خطيراً للقانون المنظم لعمل وسائل الإعلام ورغم عدم اعترافها بالوجود القانوني للإذاعة، لكنها تواصل بث برامجها بشكل يومي وتمارس الدعاية السياسية لمالكها.

الشخصية الرابعة المعنية بالجمع بين ملكية وسيلة إعلامية والطموح السياسي هي محمد العياشي العجرودي، مالك قناة "الجنوبية" ومؤسس ورئيس "حركة التونسي للحرية والكرامة". والعجرودي رجل أعمال تحوم حوله كثير من الأسئلة أيضاً، فله علاقات كبيرة مع شركاء فرنسيين وسعوديين، ويعلن طموحاته السياسية من خلال الاستضافات المتكررة التي تخصصها له قناة "الجنوبية". ورغم التأثير المحدود للقناة وعدم نجاح الحزب الذي أسسه في تحقيق نتائج سياسية تذكر في انتخابات 2014، لكن البعض يعتبره من الذين تشملهم عملية الخلط بين النشاط الإعلامي والسياسي رغم أن الرجل في الظاهر لا علاقة إدارية له بالقناة، لكن الجميع يعلم أنه مالكها الفعلي وصاحب الأمر والنهي فيها.

وقد يكون للتداخل بين الإعلامي والسياسي في تونس عواقب وخيمة على المشهدين الإعلامي والسياسي، مثلما يؤكد الكثير من الخبراء، خصوصاً أنّ وسائل الإعلام التونسية مهددة بفقدان رصيدها المحدود من المصداقية في ظل هذه المتغيرات السياسية.

دلالات

المساهمون