العراق: مقاطع تمثيلية لنقد الواقع بدل الكتابة

العراق: مقاطع تمثيلية لنقد الواقع بدل الكتابة

13 يونيو 2019
يتفاعل العراقيون مع مواضيع تتعلّق بحياتهم اليومية(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
بواسطة كاميرا هاتفه الجوال، تمكّن أحمد علي من إنتاج 4 مقاطع مشاهد تمثيلية يتراوح طول الواحد منها بين 40 ثانية ودقيقة ونصف الدقيقة، تتحدث عن ظواهر سلبية في المجتمع وانتقادات للحكومة والخدمات، ولاقت انتشاراً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهاتف الأخرى. يقول علي لـ"العربي الجديد" إنه تأخّر نوعاً ما في ذلك، فقد سبقه ناشطون بهذا اللون الجديد من النشر، إذ إن هذه المقاطع تصل إلى المسؤولين أسرع وبنسبة أكبر مما تصلهم المنشورات التي نكتبها، فالمسؤول بالعادة في العراق لا يحب القراءة ولو كان يحب القراءة لما صار حالنا هكذا.

انتشرت خلال الأشهر الماضية عشرات المشاهد التمثيلية التي يصوّرها ناشطون ويتحدثون عن جوانب مختلفة داخل المجتمع أو ينتقدون ظواهر أو مسؤولين، وهو ما يعتبره مراقبون "الطور الثالث من الإعلام المتداول على مواقع التواصل" بعد الكتابة ثم الحديث المباشر بالصوت والصورة وانتهاءً بمشاهد تمثيلية لا تخلو من الفكاهة، لكنها توصل المعنى وتكون لاذعة أيضاً.

وحول ذلك، يقول المدرب في مركز بغداد للتطوير والتنمية جعفر الخالدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مشاهد التمثيل تلك تصل إلى المسؤول بنسبة 10 أضعاف أكثر مما تصله المناشدات أو الانتقادات المكتوبة من الناشطين. ويضيف "عبر واتساب وفايبر وباقي تطبيقات الهاتف، وكذلك على تويتر وفيسبوك وباقي المنصات، أسلوب المشهد وعفويته يجذبان أكثر. ولاحظنا وجود مقاطع من البصرة والأنبار وبغداد صوّرها ناشطون بشكل بدائي عبر كاميرا هاتف جلبت مشاهدات مليونية".

وبيّن أن اللون يتسع ووصل ليس إلى المدن فقط بل تعدى إلى قرى وقصبات بعيدة، وهذا جيد فالناس تتفاعل بسبب خفة دم الناس، وأعتقد أنه لون يتطور في العراق من ألوان النقد"، كاشفاً عن أن منظمات محلية وأخرى أجنبية عاملة في العراق وأصحاب محلات ومتاجر وجدوا في هذا اللون تفاعلاً من قبل الناس، فصاروا يلجأون إلى تكليف الناشطين بإعداد مشاهد معينة كدعاية لهم".

ويجد الناشط إياد حسين في المقاطع التسجيلية القصيرة وسيلة لنقد الواقع أو نشر بعض الأفكار الإيجابية والتثقيفية والتوعوية كما يصفها. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التمثيل لم يعد حكراً على المسرح والدراما فقط بل عبر إلى مراحل جديدة باستثماره في توجيه المجتمع وتوعيته بنشر الأفكار المفيدة مثلاً أو نقد الظواهر السلبية وكذلك تشجيع كل ما هو إيجابي".

وحول فائدة هذه المقاطع التمثيلية القصيرة، يضيف حسين "عملنا العديد من المقاطع التمثيلية القصيرة حول الإسراف في استهلاك الماء مثلاً أو الكهرباء ووجدنا تفاعلاً معها من قبل المتابعين لأن الناس أصبحت تفضل المادة الفيلمية على المكتوبة لسرعتها في إيصال الفكرة واختزالها للوقت وتصويرها للواقع بشكل حي".


ولا يقتصر تداول هذه المقاطع التمثيلية القصيرة على الصفحات العامة في مواقع التواصل مثل فيسبوك وإنستغرام أو تويتر بل يتبادلها الناس عبر تطبيقات واتساب وفايبر، خصوصاً تلك التي يغلب عليها طابع ما يعرف بالـ"الكوميديا السوداء"، كما يقول المخرج ناطق الراوي. ويوضح أنّ "العراق أصبح في دوامة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية وبسبب التعقيد الكبيرة في تناول هذه الملفات لم تعد تغني المقالات المكتوبة ولا البوستات التي ينشرها الناشطون على صفحاتهم عن المادة الفيلمية، لذلك بدأ الشباب يلجؤون إلى تمثيل مقاطع قصيرة تختصر الكثير مما قد يكتبونه ويكون أقرب إلى الجمهور".

ويرى الراوي أنّ "هذه المقاطع التمثيلية تقوم غالباً على أساس الكوميديا السوداء أو كما يعرف في العراق بالـ"التحشيش" لإعطاء المادة الفيلمية لمسة من الفكاهة نعبر من خلالها عن الفكرة التي نريد إيصالها أو النقد الذي نوجهه لسلبيات الواقع الذي نعيشه".

وما لاحظه متخصصون أنّ عدداً من الشباب الناشطين في هذا المجال وجدوا طريقهم نحو الشهرة من حيث لا يعلمون، فوصل بعضهم إلى تجسيد أدوار في مسلسلات أو برامج كوميدية تلفزيونية لاقت صدىً واسعاً بين المتابعين. وتقول الناشطة أفياء العبيدي إنّ "ظاهرة الأفلام القصيرة التي تتناول الواقع على مواقع التواصل كشفت عن كثير من المواهب التي كانت مدفونة تحت ركام الإهمال واستطاع مؤيدوها شق طريقهم بقوة نحو الجمهور الذي أصبح لا يستغني عن أعمالهم وانخرط بعضهم في أعمال تلفزيونية".

وعن دور المرأة في تمثيل المقاطع القصيرة الناقدة للواقع، تقول العبيدي لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك محاولات وإن كانت قليلة لبعض الشابات في تمثيل مثل هذه المقاطع الفيلمية القصيرة وقد لاقت نجاحاً ولكن بسبب الأعراف والتقاليد في المجتمع ما زالت في بداياتها غير أنها كانت ناجحة بشكل كبير".

كانت أبرز الملفات التي تتناولها هذه المقاطع الفيلمية القصيرة على مواقع التواصل نقد الواقع السياسي والأمني وتردي خدمات الماء والكهرباء والخدمات العامة الأخرى والواقع الصحي والتعليمي والفساد الإداري في مؤسسات الدولة.

ويقول الصحافي حيدر السماوي إنّ "المقال الذي نكتبه ككتاب وصحافيين لنقد السلبيات أو نشر الأفكار يستهلك الكثير من الكلمات ولم يعد الجمهور يميل إلى القراءة المطولة بسبب ظروف وتعقيدات الحياة العامة، لذلك أصبحوا يميلون إلى مشاهدة فيديو قصير من 3 أو 5 دقائق مثلاً يختصر مقالاً من ألف كلمة".

ويتابع السماوي "التوجه العام في العراق حالياً نحو المقاطع التمثيلية القصيرة التي تعرف بالتحشيشي (الكوميديا) التي تحمل في جوانبها رسائل مباشرة أو مشفرة لنقد السلبيات في المجتمع بمختلف تفاصيله أو نشر أفكار مفيدة أو تشجيع ظواهر إيجابية ولذلك نجدها متداولة على مدار الساعة في كل مواقع التواصل".







المساهمون