"الحدود"... السخرية كنقد فكري

"الحدود"... السخرية كنقد فكري

12 يونيو 2019
تداول البعض أخبار الحدود على أنها حقيقية (حسين بيضون)
+ الخط -
يشهد مساء 18 يونيو/ حزيران الجاري إطلاقاً آخر لصحيفة "الحدود" الساخرة بنسختها الورقية، في حفلٍ يقام في العاصمة البريطانية لندن، يبدأ بخطاب مع المؤسس عصام عريقات، بالإضافة إلى أداء موسيقي لجوان الصفدي وكاتب الأغاني الذي تميّز بأغانيه الاحتجاجية الساخرة. وسيقدّم مع فرقته، أغاني من ألبوم جديد. كذلك سيعزف كلاسيكياته، تحت عنوان الصخرة العربية الحرة. باسم يوسف، الإعلامي الكوميدي المصري، سيكون حاضراً أيضاً، كي يضفي روح النكتة والمرح على الحفل. ويوسف يعتبر واحداً من أكثر الساخرين والمعلقين السياسيين تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط، وأطلق عليه اسم "جون ستيوارت" في العالم العربي. هذا في برنامج الحفل، لكن على صعيد المضمون، يثير الإطلاق تساؤلات عدّة في أذهان القرّاء، في ظلّ أزمةٍ يُعاني منها القطاع. كما صدّقت صحف عديدة ومواقع إخبارية العديد من الأخبار التي نشرتها شبكة الحدود، وهرعت إلى إعادة نشرها وطباعتها أحياناً من دون التأكّد من صحتها. ربّما عن غير قصد عكست الحدود حال بعض وسائل الإعلام في عالمنا العربي لكنّها عن قصد وبجدية ساخرة سلّطت الضوء على نفاق سياسيين ومشاكل يعاني منها المجتمع العربي.

وبينما تسير الحدود بخطى ثابتة للترويج لنسختها الورقية، قابلت "العربي الجديد" المؤسس عصام عريقات، للتعرّف إلى مصدر هذه الثقة وإطلاق نسخة ورقية لشبكة الحدود. 

"الصحيفة الورقية لم تمت" هو عنوان حفل إطلاق النسخة الورقية لشبكة الحدود. وعن سبب اتخاذ هذا القرار في وقت تبتعد الصحافة عن الورقي، يقول عريقات إن "إعلام الأخبار يبتعد عن الورقي في الواقع بسبب سرعة انتشارها على وسائل التواصل الإجتماعي. لذلك ليس من المنطق أن تطبع الصحف هذه الأخبار. أمّا عملنا فسيكون مختلفاً، أي على الرغم من أن النسخة الورقية لـ الحدود تأخذ شكل الجريدة لكن مضمونها أقرب إلى المجلة. وقد اخترنا ذلك كونها تسخر من الإعلام وتماهيه. هي جزء من الديناميكية التي تحاول إيصالها بأسلوب جدي لكن ساخر. والنسخة الورقية تزيد من جدية الحدود وتضحك الناس أكثر". والشبكة مسجّلة في لندن، إلا أنّ فريق عملها من عديد الدول العربية. وأصدرت الصحيفة عددها الثالث لغاية الآن، وستُطبع بشكل شهري وتوزع للمشاركين في جميع أنحاء العالم. هي تباع حالياً في لبنان في 130 مكتبة وفي لندن أيضاً في عدد من المكتبات. ويقول عريقات إنّ فريق "الحدود" يعمل على إبرام صفقات توزيعها في عدد من الدول العربية وفي أميركا وكندا. ويشير إلى أنّ العدد الأكبر لقرّاء أو متتبعي شبكة الحدود هم من الصحافيين لأنّها في الواقع تعلّق على مجال عملهم.

يُموّل المشروع عدد من المؤسسات مثل منظمة المجتمع المفتوح ومؤسسة هينريتش بول الألمانية. كما تنفذ مشروعًا لتدريب شباب عرب على الكتابة الساخرة بدعم من منظمة CFI الفرنسية والاتحاد الأوروبي. كذلك تلقّت الحدود الدعم من المؤسسة الأوروبية للديمقراطية في السابق، وكانت مهمتها تمويل غير الممولين.

عن التجربة وردود الأفعال، يوضح عريقات أنّه "في البداية، استغرب الناس الموضوع وهناك من اتخذ الأمور على محمل الجد، لأنّ السخرية الإخبارية كانت موجودة بشكل أساسي على شكل برامج، وكان من الواضح جداً للمشاهد أنّها مجرّد سخرية. وجاءت معظم ردود الفعل من أشخاص موالين للحكومات. لكنّنا توقعنا هجوماً من قبل المتشدّدين دينياً، بيد أنّ أكثر من هاجمنا كانوا من المتشددين السياسيين، على الرغم من أنّنا لم نسخر من أي دين على الإطلاق، لكن تناولنا أموراً أو تصرفات ربطها الناس به".

ويشير أيضاً إلى أنّهم تلقّوا تهديدات في البداية من أفراد، وبينها "أنّنا نعرف عنوان سكنكم وسندمر منزلكم" أي هذا النوع من التهديدات، مضيفاً "لكنّنا نحاول دوماً فتح باب الحوار مع الشخص حتى لو شتمنا. والمشكلة أن التهديد عادة ما يأتي من جهات تجهل أو لا علم لها بشبكة الحدود، لذلك حين نناقش الشخص ينزوي في النهاية. وهناك أشخاص تحوّلوا من مهاجمين ومنتقدين للموقع إلى معجبين ومتتبعين له".

يبلغ المعدل الشهري لقراء "الحدود" حوالي المليون لكنه يختلف وفق المضمون، فأحياناً يصل إلى مليونين وأحيانا لا يتجاوز النصف مليون، بحسب ما يقول عريقات. ويُشير إلى أنّ الشبكة "تستهدف الناس في العالم العربي ورسالتنا تأتي من الداخل وتعكس الصوت الداخلي لهؤلاء الناس. وقد يفهم مضمون موادنا أكثر أو تتقبّلها الفئة العمرية التي تتراوح بين العشرين والأربعين عاماً. أمّا الجيل الأكبر سناً، فيأخذ الحياة بجدية زيادة عن اللزوم. والأصغر سناً فقد لا يفهم مضمون ما نكتبه لذلك يحتاج القارئ أن يتمتع ولو بنسبة من الوعي السياسي والثقافي حتى يستوعب ما نقوله". ويضيف: "لدينا نسبة ذكور أكثر من الإناث، لكنّنا في الوقت ذاته نسعى إلى التعبير عن وجهة نظر المرأة، لأنّ المنطقة العربية لا تغطي بشكل كاف وجهة النظر الأنثوية". هل تخضع المواد المنشورة لأي رقابة؟ يقول عريقات إنّ "فريق التحرير يكتب معظم المقالات، لكن حين تصلنا مواد من الخارج من قبل أشخاص يكتبون معنا، فإنّنا نحرّر المحتوى بشكل كبير ليس نوعاً من الرقابة بل للتأكد من أنها تتماشى مع خط التحرير لدينا. الخطوط الحمراء لدينا واضحة نحن لا نهاجم أي دين لأنّ ذلك يؤجّج فقط مشكلة موجودة، ويضر بالمجتمع أكثر مما يفيد. لكننا قد نسخر من التقاليد كوننا نعاني من مشكلة التعلّق بها بشكل أعمى، بداية من جرائم الشرف وغيرها. وسياسياً نحن لا نسخر فقط بهدف السخرية، فهناك برامج تستهزئ من شكل زعيم معين هذا لا يضيف أي قيمة في المجتمع، بيد أنّ انتقاده فكرياً أو سياسياً يبقى ذا هدف". يؤكد عريقات أن الانتقاد يطاول الجميع دون أي استثناء، لكنّه يؤكّد على ضرورة "التمييز في كيفية تناول الشخصية والتعليق على عمل قامت به أو أقوال لها من دون التجريح بها".



دلالات

المساهمون