الإعلام السعودي-الإماراتي وفيديو الهولوكوست: جرعة زائدة من النفاق

الإعلام السعودي - الإماراتي وفيديو الهولوكوست: جرعة زائدة من النفاق

19 مايو 2019
لم يكن فيديو "الجزيرة" موفقاً (فيسبوك/العربي الجديد)
+ الخط -
كل شيء مباح بالنسبة للإعلام السعودي ــ الإماراتي في محاولة إرضاء إسرائيل والتغزّل بها أحياناً، في مقابل محاربة كل ما يتصل بدولة قطر، في السياسة والإعلام والمجتمع والاقتصاد والرياضة وأحوال الطقس إن أمكن. فإن توفرت الفرصة لضرب عصفورين بحجر واحد، أي إرضاء تل أبيب، وشيطنة الدوحة في آن معاً، يكون خيراً بخيرٍ بالنسبة لمحور الرياض ــ أبوظبي. ويُصبح "النفاق" تعبيراً لا يكفي لترجمة حجم الخبث في تعاطي وسائل الإعلام السعودية والإماراتيّة مع قضية نشر "AJ+" فيديو عن الهولوكوست، يوم السبت، لم يكُن موفقاً من قبل الشبكة على كلّ حال. حدثت القصّة كالتالي: نشرت AJ+ عربي، التابعة لشبكة "الجزيرة"، مقطع فيديو مدّته 7 دقائق، يحكي عن محرقة الهولوكوست، ويتداول وجهات نظرٍ (مطروحة بالمناسبة من قبل مؤرخين جديين وعدد كبير منهم يهود) حول استغلال إسرائيل للمحرقة في نشر الدعاية الصهيونيّة. ويسأل الفيديو الذي أعدّته وقدّمته منى حوّا، عن العدد الحقيقي لضحايا المحرقة، وإن كان 6 ملايين يهودي فعلاً، بينما يُشير إلى أنّ ضحايا النازية لم يكونوا فقط من اليهود، بل من فئاتٍ أخرى بينهم الشيوعيون والاشتراكيون... كجزءٍ من إيمان النازية بـ"تفوّق العرق الآري"، وبالتالي اضطهادها لفئات متعدّدة. كذلك يُقارن المقطع الدعاية الصهيونيّة بالدعاية النازية، ويشير إلى تماهي الاثنتين في الجرائم المرتكبة بحقّ الفلسطينيين في الأولى، والجرائم المرتكبة بحقّ اليهود كنتيجةٍ للثانية. 

لم يكن فيديو "الجزيرة" موفّقاً. فهو يبدأ، لا بالتمهيد لوجهَتي نظر منتشرتين حول المحرقة، بل يسأل: "هل قتل هتلر 6 ملايين يهودي؟"، ويعلق قائلاً إنّ "أفران الغاز قتلت ملايين اليهود.. هكذا تقول الرواية. فما حقيقة الهولوكوست؟". مهنياً، لا يمكن اختزال نقاشٍ تاريخيّ بهذا الحجم بسبع دقائق بصورة سطحية سريعة أقرب إلى "الكليشيهات"، كما لا يمكن تبنّي وجهات النظر تلك من دون الإشارة إلى المصادر والجمعيات والمنظّمات التي تتبنّى هذا النقاش، ذلك أنّ الهولوكوست حقيقة لا يمكن إنكارها، ووقعت، بصرف النظر عن عدد ضحاياها وعن مدى توظيفها واستغلالها من قبل دوائر صهيونية. 


كلّ ذلك، أحدث ردود فعلٍ غاضبة من فيديو AJ+، دفعت القناة في نهاية اليوم إلى حذف الفيديو (علماً أنّه مستمرّ في التداول عبر صفحات أخرى، بينها صفحات عبرية). وقال قسم العلاقات العامة في شبكة "الجزيرة"، في تغريدةٍ على "تويتر": "حذفت شبكة الجزيرة الإعلامية مقطع فيديو تم إنتاجه من قبل AJ+ عربي لأنّه خرق السياسات التحريريّة للشبكة". قرار "الجزيرة" في هذه الحالة يُحسب لها لا عليها، إذ إنّ ذلك هو التصرّف المهني الصحيح لأي وسيلة إعلاميّة تقع في خطأ مهني. ولعلّ إقرار الشبكة بأنّ الفيديو لا يتوافق مع سياساتها هو الأهم في الموضوع، نظراً إلى أنّ وسائل إعلاميّة أخرى قد تقع في مثله وتغضّ النظر عنه، أو تستغلّه للحصول على عدد عالٍ من المشاهدات، أو حتى تحذفه من دون أن تقرّ بالخطأ، كما حدث في حالاتٍ مشابهة عربياً.


وبما أنّ صفحات البروباغندا الإسرائيليّة استغلّت الموضوع، لتردّ وزارة خارجية الاحتلال عبر بيانٍ يفصّل ما جاء في الفيديو ليضع "حقائق" أخرى، رأت وسائل الإعلام السعودية - الإماراتيّة أنّ في حذف الفيديو "رضوخاً" من "الجزيرة" لإسرائيل، بالرغم من أنّ ناشطين عرباً هم من بادروا إلى الردّ على الشبكة، معتبرين ما نشرته غير موفق. وهنا، تحديداً يكمن وجه آخر من نفاق تلك الوسائل الإعلامية. وبينما تُفهم تغطية موقع "i24" الإسرائيلي (باللغة العربية)، والذي قال إنّ "إسرائيل تهاجم قناة الجزيرة القطرية"، وأشار إلى أنّ "الجزيرة" حذفت الفيديو بعد "تصويب وزارة الخارجية الإسرائيلية"، يأتي ما نشره موقع "24"، و"إرم نيوز" و"الخليج 365" و"عربي نيوز" و"بوابة الفجر" و"سبق" وغيرها من وسائل الإعلام المموّلة سعودياً وإماراتيّاً ليُشكّل صعقةً مهنيّة، لسببين: الأول، هو أنّ تلك الوسائل تعتمد الدعاية الإسرائيليّة حرفياً في تغطيتها، والثاني أنّها تتهم "الجزيرة" بارتكاب ما تفعله هي يومياً، من ترويجٍ للتطبيع وخضوعٍ للروايات الإسرائيليّة، وعلناً، على أعلى المستويات السياسية والإعلامية. وقبل السياسة والمواقف من الهولوكوست أو القضية الفلسطينيّة، يتّضح غياب المهنية لتلك المواقع في السطر الأول لأخبارها، والذي جاء فيه: "قال التلفزيون الإسرائيلي الرسمي في تقرير له اليوم الجمعة، إن شبكة الجزيرة القطرية أزالت فيديو عن قضية "الهولوكوست" أو المحرقة التي تعرض لها يهود أوروبا على يد النازية، رضوخاً لمطالب إسرائيلية بهذا الشأن"، علماً أنّ الأخبار تلك نُشرت يوم السبت، لا الجمعة، أصلاً. وجاءت تلك التغطيات جميعها منقولةً بشكل شبه حرفي عن بعضها، وعن التلفزيون الإسرائيلي.

ولعلّ ما جاء في تغطية صحيفة "سبق" السعوديّة هو الأخطر. فقد كتب ياسر نجدي على موقعها، قائلاً إنّ الجزيرة رضخت بسرعة للضغوط الإسرائيلية بينما هي تطلق مقاطع فيديو تحريضية ضد السعودية ودول رباعي الحصار ودول عربية أخرى، واصفاً دورها بالتخريبي، ثم يتهمها بمعاداة إسرائيل في العلن وإنشاء "علاقات دافئة في الخفاء"، قائلاً "والدليل استضافاتها المتكررة محللين إسرائيليين على شاشات قنواتها".

ولعلّ المضحك في ذلك الاتهام يعود أولاً إلى أنّ "الجزيرة" لا تستضيف الشخصيات الإسرائيليّة (الأمر الذي يؤخذ عليها أيضاً) سراً، بل هو بالعلن أيضاً على شاشتها، وثانياً إلى كون وسائل الإعلام السعودية والإماراتيّة والمصريّة هي التي تروّج للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتكثّف نشر البروباغندا الخاصة به، أكان ذلك من خلال استضافات مباشرة لمسؤولين إسرائيليين، أو من خلال إعلاميين عرب يدعون يومياً إلى التخلّي عن القضيّة الفلسطينيّة، ويروّجون لطمسها عبر خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، أو تحريضهم الدائم على الفلسطينيين تحت حجج "السلام".

على ذلك كلّه دلائل يوميّة، بينها مقالات وتقارير بصريّة ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك للعلاقة بين السعودية والإمارات وإسرائيل، والتي ظهرت بشكلٍ علني خلال العام الماضي ووصلت إلى استضافات متكرّرة لمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى في تلك البلدان، قرائن أخرى لا يمكن غضّ البصر عنها. وليس دأبها على شراء برامج التجسس من شركة البرمجة والهايتك الإسرائيلية، "إن إس أو"، لاستهداف مواطنيها المعارضين، إلا توثيقاً لذلك.

المساهمون