حماية الأطفال على الإنترنت: بريطانيا تكثّف حملاتها

حماية الأطفال على الإنترنت: بريطانيا تكثّف حملاتها

01 مايو 2019
الإعجابات على فيسبوك "سبب إدمان" (ريتشارد بايكر/In Pictures)
+ الخط -
تعمل الحكومة البريطانيّة على تشريعات هي "الأكثر صرامة في العالم". لكنّ الخطط تلك، تتعارض مع حريّة الإنترنت بمفهومها المطلق. لذا يبدو أنّ الحكومة، ومعها وسائل إعلام مرموقة، تتخذ من حماية الأطفال بابًا لتلك القوانين. فقد كثّفت وسائل الإعلام البريطانيّة، وبينها صحف كـ"ذا تايمز" و"ذا غارديان" وقنوات كـ"سكاي نيوز" أخيرًا، حملاتها المتعلّقة بـ"الأذى الإلكتروني على الأطفال"، وبينها السمنة والانتحار وإدمان استخدام الهاتف والمحتوى المتطرف، وتنشر لتلك الغاية تحذيرات شبه يومية لخبراء من أضرار الإنترنت والهواتف والتطبيقات عليهم.

وتعمل عمالقة التكنولوجيا؛ "غوغل" و"فيسبوك" و"سناب شات" مع المختصّين في مجال مكافحة الانتحار، من جمعية "ساماريتان" ضمن مشروعٍ مدعوم من الحكومة البريطانيّة، يهدف إلى الحدّ من تأثير المحتوى المؤذي على الإنترنت، في مبادرة أعلنها وزير الصحة مات هانكوك، يوم الإثنين.
وقالت الرئيسة التنفيذية لخيرية ساماريتان، روث ساذرلاند: "هذه الشراكة تمثل التزامًا جماعيًا بمعرفة المزيد عن القضايا، وبناء المعرفة من خلال البحوث والأفكار من المستخدمين، وتنفيذ التغييرات التي يمكن أن تنقذ الأرواح في نهاية المطاف".

وقال هانكوك: "أريد أن تكون المملكة المتحدة المكان الأكثر أمانًا للتواصل على الإنترنت، وأن يشعر الآباء بالثقة ويعرفوا أن أطفالهم في أمان عندما يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي. كما هو موضح في الورقة البيضاء على الإنترنت عن الأذى، ستصدر الحكومة تشريعات لمعالجة المحتوى الضارّ عبر الإنترنت، لكننا سنعمل أيضًا مع شركات التواصل الاجتماعي للبدء بالتصرّف الآن".
وأضاف: "لقد شعرت بتشجيع كبير في قمّتنا الأخيرة، بعد موافقة شركات وسائل الإعلام الاجتماعية على أنّ الترويج لاضطرابات الأكل والانتحار وإيذاء النفس على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، أمر غير مقبول أبدًا وانتشار هذه الموادّ يسبب ضررًا حقيقيًا". وحثّ هانكوك أيضًا، أنه سيحثّ عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي في اجتماع المائدة المستديرة على اتباع نهج "عدم التسامح مطلقًا" مع المحتوى الذي يدعي مزاعم كاذبة بشأن مخاطر تلقيح الأطفال، بعد أن تضاعفت حالات الحصبة أربع مرات في عام واحد.

من جهته، قال متحدث باسم فيسبوك: "تعتبر سلامة الأشخاص، وخاصة الشباب، حين يستخدمون منصاتنا أولوية قصوى ونحن نستثمر باستمرار في طرق لضمان حصول الجميع في فيسبوك وإنستغرام على تجربة إيجابية. في الآونة الأخيرة، كجزء من المراجعة المستمرة مع الخبراء، قمنا بتحديث سياساتنا حول محتوى الانتحار وإيذاء النفس، واضطراب الأكل بحيث تتم إزالة المزيد". وأضاف: "نواصل أيضًا الاستثمار في فريقنا المكوّن من 30 ألف شخص، يعملون في مجال السلامة والأمن، بالإضافة إلى التكنولوجيا، لمعالجة المحتوى الضارّ. ندعم المبادرة الجديدة من الحكومة وساماريتان، ونتطلع إلى عملنا المستمر مع الصناعة للعثور على مزيد من الطرق، للحفاظ على أمان الناس على الإنترنت".

وتشكل الخطة الجديدة جزءًا من جهد مشترك متضافر بين الحكومات، لكبح جماح شركات التواصل الاجتماعي، وسط قلق متزايد بشأن انتشار المحتوى الضارّ عبر الإنترنت، في مناطق تشمل الإرهاب وإساءة معاملة الأطفال وإيذاء النفس والانتحار. ويأتي ذلك بعد ثلاثة أسابيع من إعلان الحكومة البريطانيّة خططًا، توجب على عمالقة التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية، تحمّل المسؤولية بشكل أكبر عن الموادّ الضارّة التي تنشر على الإنترنت.

وفي إحدى القضايا الأخيرة البارزة، وجّه والد المراهقة مولي راسل (14 عاماً)، أصابع الاتهام إلى المحتوى المؤذي الذي شاهدته على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً "إنستغرام"، وحمّلها جزءاً من مسؤولية إقدام ابنته على الانتحار.

كذلك، تدرس الحكومة ما إذا كان سيتم منع الإعلانات التي تروّج للأطعمة الدهنية والسكريات، من الظهور على الإنترنت وعلى التلفزيون قبل الساعة التاسعة مساءً. وحذّرت مؤسسة خيرية لأبحاث السرطان في المملكة المتحدة من أنّ مشاهدة إعلان إضافي غير مرغوب فيه أسبوعيًا، يؤدي إلى تناول الأطفال 18 ألف سعرة حرارية إضافية سنويًا.

حالياً، تُمنع الإعلانات عن الطعام والشراب المصنّفة على أنها تحتوي على نسبة عالية من الدهون أو الملح أو السكر فقط على أي وسائط مخصّصة للأطفال، وبينها القنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال. بيد أنّ المسؤولين يريدون فرض تدابير أكثر صرامة كجزء من مجموعة من التدابير، لمكافحة أزمة السمنة المتزايدة بشكل خطير في المملكة المتحدة. ويأتي ذلك بعدما وجد منظم البحث البريطاني "أوفكوم"، أن الشباب يقضون 64 في المائة من وقتهم في مشاهدة برامج تلفزيون لا تستهدفهم على وجه التحديد. كذلك، لفت أوفكوم إلى تبدل عادات المشاهدة، إذ يزداد عدد الأطفال الذين يشاهدون مقاطع الفيديو والبرامج التلفزيونية والأفلام على أجهزتهم الخاصة، بدلاً من قناة تلفزيونية مخصصة بإشراف الوالدين.

وتقول مسوّدة التعليمات (الورقة البيضاء) التي جمعها مكتب مفوض المعلومات، إنّ الأساليب مثل الإعجابات على فيسبوك ونقاط سناب شات تُستخدم لإبقاء من هم دون سنّ الـ 18 عامًا على الإنترنت لفترة أطول. لذلك يقترح 16 معيارًا للإنترنت ينبغي على شركات التواصل الاجتماعي الوفاء بها، بما في ذلك الإعدادات التي يجب أن تشتمل على "خصوصية عالية" افتراضيًا، ما لم يكن هناك سبب مقنع لعدم القيام بذلك. وسيواجه المخالفون عقوبة، بما في ذلك، في الحالات الخطيرة، غرامات تبلغ قيمتها 4 في المائة من إيرادات الشركات التي تعمل داخل المملكة المتحدة.

ومشروع القانون يثير الجدل منذ بداية الحديث عنه، إذ انتقده بعض المشرّعين وجماعات الحقوق الرقمية. ورأى هؤلاء أنه يفرض على شركات الإنترنت الأصغر، عبئًا أكبر بكثير من كاهل عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك وغوغل، الذين لديهم موارد أكبر. وقال الأستاذ في كلية وورويك للأعمال مارك سكيلتون، إن السياسيين والخبراء التقنيين بحاجة إلى العمل على "المشكلة المشتركة" المتمثلة في توفير التوجيه والتحكم من دون التطفل بشكل مفرط. وأضاف: "إن إصدار غرامات كبيرة وضرب الشركات التي لديها تهديدات قانونية أكبر، يتطلب نهجًا قاسيًا لمشكلة تتطلب حلًا دقيقًا. إنها بحاجة إلى أدوات للتعلم الآلي لإدارة مشكلات القرن الحادي والعشرين للإنترنت، جنبًا إلى جنب مع الشجاعة والبصيرة لإنشاء أطر مستقلة تحافظ على الحريات التي تحظى بها المجتمعات في العالم المادّي، وكذلك الإنترنت".