هل تتواطأ السعودية ضد مالك صحيفة "واشنطن بوست"؟

هل تتواطأ السعودية ضد مالك صحيفة "واشنطن بوست" جيف بيزوس؟

09 فبراير 2019
كتب خاشقجي في "واشنطن بوست" التي يملكها بيزوس(وِن مكنامي/Getty)
+ الخط -
كيف تورطت المملكة العربية السعودية في الصراع بين الرئيس التنفيذي في شركة "أمازون"، جيف بيزوس، وصحيفة أميركية شعبية (تابلويد)؟ وكيف تحولت قضية طلاق إلى شغل الإعلام الشاغل؟ وكيف دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الخط؟ وما علاقة الصحافي السعودي الذي اغتيل في قنصلية بلاده، جمال خاشقجي، بالأحداث كلها؟  

في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن جيف وماكينزي بيزوس عن طلاقهما، بعد 25 عاماً من زواجهما. الصحف والمواقع الإخبارية العالمية ضجت بالخبر، وطرحت علامات استفهام حول ما وصفته بـ "الطلاق الأغلى"، إذ يعدّ بيزوس (54 عاماً) الرجل الأكثر ثراء في العالم، وتقدر ثروته بـ 137 مليار دولار أميركي، أي أكثر بنحو 45 مليار دولار أميركي من مؤسس شركة "مايكروسوفت"، بيل غيتس. وهذا الطلاق قد يجعل من ماكينزي بيزوس (48 عاماً) المرأة الأغنى في العالم، إذ قُسمت هذه الثورة مناصفة.


في اليوم نفسه، أثارت صحيفة "ناشيونال إنكويرير" (تابلويد) التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حماسة قرائها، لافتة إلى أنها ستنشر رسائل نصية مزعومة بين بيزوس والمذيعة التلفزيونية السابقة لورين سانشيز التي قيل إنه يواعدها. بعدها، فتح بيزوس تحقيقاً في التسريبات بقيادة المستشار الأمني المخضرم غافين دي بيكر، الذي قال لوسائل الإعلام إن وراء التسريب "دوافع سياسية".

هذه "الدوافع السياسية" سيعود إليها بيزوس مجدداً.

في 7 فبراير/شباط الحالي، كتب بيزوس تدوينة عبر موقع "ميديوم"، اتهم فيها شركة "أميريكان ميديا" المالكة لـ "ناشيونال إنكويرير" بمحاولة ابتزازه وتهديده بنشر "صور حميمة" زُعم أنه أرسلها إلى سانشيز، ما لم يذكر علناً أن تغطية الصحيفة له "لا تخضع لأي دوافع سياسية".

وكتب بيزوس: "طبعاً، لا أريد نشر صوري الشخصية، لكنني لن أشارك في مثل هذا السلوك المعروف بالابتزاز وتحقيق المصالح السياسية والفساد". وزعم، في التدوينة نفسها، أنه من المحتمل أن "أميريكان ميديا" متواطئة مع المملكة العربية السعودية، لتشويه سمعته.  لكن ما علاقة المملكة؟

بيزوس لمّح، من دون أن يقول صراحة، إلى أن ابتزازه جاء نظراً إلى الطريقة التي تعاملت وغطت بها صحيفة "واشنطن بوست" التي يملكها، قضية اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، بالإضافة إلى الانتقادات التي توجهها باستمرار لسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصلته بالمسؤولين السعوديين، علماً أن خاشقجي كان يكتب في الصحيفة نفسها. كما أشار إلى أن الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة في "أميريكان ميديا"، ديفيد بيكر، متطلع إلى فرص عمل داخل المملكة.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن العلاقة بين بيزوس وترامب متوترة إجمالاً. إذ واظب الرئيس الأميركي، منذ عامين ونصف العام على مهاجمة بيزوس، عبر موقع "تويتر". ويواصل مهاجمة صحيفة "واشنطن بوست" زاعماً أنها منصة لنشر الأخبار الزائفة.


وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، رد على مزاعم بيزوس، أمس الجمعة، نافياً وجود أي صلة بين المملكة و"أميريكان ميديا"، مجيباً على سؤال مراسلة شبكة "سي إن إن" الأميركية، كايلي أتوود. وبعد إصرار أتوود، قال الجبير "أشك في ذلك... كلا، على حد علمي".

لكن المزاعم التي أثارها بيزوس لم تأت من فراغ.

في مارس/آذار الماضي، كشفت صحيفة نيويورك تايمز" الأميركية عن جهود رئيس "أميريكان ميديا "، ديفيد بيكر، وصديقه القديم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في التودد إلى المملكة العربية السعودية وولي العهد، محمد بن سلمان.

هذه الجهود تكللت، في مارس/آذار الماضي، بمجلة من 97 صفحة نشرتها "أميريكان ميديا"، هدفها الترويج الدعائي للمملكة العربية السعودية وولي العهد. 
تصدر محمد بن سلمان الغلاف، وحوله عناوين دعائية عريضة مثل "القائد العربي الأكثر تأثيراً يغير العالم في سن الـ 32"، من دون التطرق إلى دور المملكة في حرب اليمن، أو المخاوف من انتهاكها حقوق الإنسان، وحملة الاعتقالات التي قادها ولي العهد في الخريف الماضي، وشملت الأمير الوليد بن طلال.

المجلة وصفت السعودية بـ "المملكة السحرية"، وتضمنت مقابلة مع رجل الأعمال الفرنسي، كايسي غرين، مرفقة بصورة تجمعه إلى جانب ترامب في البيت الأبيض، خلال زيارته وبيكر إلى البيت الأبيض. وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي "دعم حملة ولي العهد البارزة في مجال مكافحة الفساد".


أصدرت الشركة مائتي ألف نسخة من المجلة المذكورة، ووزعتها في "وول مارت" ومنافذ أخرى، بسعر 13.99 دولاراً أميركياً، ولم تتضمن أي إعلانات. وتصر "أميريكان ميديا" على عدم تلقيها أي مساعدة تحريرية أو مالية خارجية من إدارة ترامب أو السعوديين في إصدار هذه المجلة.

هذه المجلة فرشت البساط أمام زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، في وقت حاولت فيه إدارة ترامب إقامة علاقات وثيقة أكثر مع المملكة.

وأفادت "نيويورك تايمز" أن بيكر قصد البيت الأبيض، في يوليو/تموز الماضي، مصطحباً كايسي غرين، وهو رجل أعمال فرنسي يقدم المشورة لأغنى رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية، بينهم الأمير الوليد بن طلال، ويعمل أحياناً وسيطاً بين ولي العهد محمد بن سلمان ورجال الأعمال في الغرب.

وحول تفاصيل هذه الزيارة، أوضحت الصحيفة الأميركية أن غرين وبيكر وغيرهما من شركاء الأخير تحدثوا مع الرئيس الأميركي الحالي في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وعقدا اجتماعاً مختصراً مع صهره ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، جاريد كوشنر.

وفي تلك الليلة، حصل بيكر من ترامب على ما وصفته الصحيفة بـ "ختم موافقة غير رسمي من البيت الأبيض". ولفتت الصحيفة إلى أن ذلك الاجتماع مثل فرصة مناسبة لمالك "ناشيونال إنكويرير" في استعراض علاقاته الوطيدة بالبيت الأبيض، خاصة أنه كان ساعياً إلى توسيع نطاق أعماله في مجالي الإعلام وتنظيم الفعاليات إلى المملكة العربية السعودية، كما كان في مهمة للبحث عن شركاء ممولين في مشاريعه الاستحواذية.

لاحقاً، كان بيكر بصحبة غرين في ضيافة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للتحدث حول فرص العمل والاستثمار هناك. وبحلول يناير/كانون الثاني عام 2018، كان بيكر "واثقاً إزاء علاقاته المتنامية مع المستثمرين السعوديين"، إذ سعى إلى الحصول على مساعدتهم في تمويل عملية شراء محتملة لمجلة "تايم" التي طمح إليها طويلاً، وفقاً لما ذكره شخصان على علم مباشر بالمحادثات.

ولا تزال نتيجة جهود بيكر في التعامل التجاري مع السعوديين غير واضحة. لكنه حضر، في مارس/آذار الماضي، رفقة غرين، فعاليات في نيويورك ضمت محمد بن سلمان الذي كان يقوم بجولة في أنحاء الولايات المتحدة.

تجدر الإشارة إلى أن بيكر استخدم إمبراطوريته الإعلامية في حماية صورة ترامب مرات عدة. خلال حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، عام 2016، عتمت "أميريكان ميديا" على قصة عارضة الأزياء سابقة في "بلاي بوي"، كارين مكدوغال التي زعمت وجود علاقة غرامية بينها وبين ترامب.