مقتل ماري كولفين في سورية... هذه ليست حرباً خاصّة

مقتل ماري كولفين في سورية... هذه ليست حرباً خاصّة

23 فبراير 2019
قضت كولفين رفقة المصور الفرنسي ريمي أوشليك(آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
قتلت قوات النظام السوري الصحافية الأميركية ماري كولفين، في الثاني والعشرين من فبراير/شباط عام 2012، داخل حي بابا عمرو، في مدينة حمص التي لُقبت بـ "عاصمة الثورة السورية". لكن الحرب التي خاضتها كولفين (56 عاماً) ليست خاصة، إذ شاركها ويشاركها في المعركة ضد إجرام الأسد عشرات الصحافيين الذين قضوا في سورية، خلال الأعوام الماضية.

عند القول إن حرب كولفين ليست خاصة، لا يُراد التقليل من قيمة تضحيتها بنفسها وإصرارها على ممارسة واجبها الصحافي، في وقت لاحق فيه القتل السوريين الثائرين وكل من رفع صوتهم، بل سعياً إلى نقل بعض من الانتقادات التي وجّهها ناشطون رافقوها إلى فيلم صوّرها على هذا النحو.

"حرب خاصة"
جسدت الممثلة البريطانية روزاموند بايك، دور البطولة في فيلم عن حياة كولفين أنتج العام الماضي، اسمه "حرب خاصة" A Private War، ما جذب الانتباه مجدداً للمسيرة المهنية للصحافية الراحلة التي قضت برفقة المصور الفرنسي ريمي أوشليك، في الاعتداء نفسه.

وعلى الرغم من أن الفيلم نقل الوحشية التي مارسها النظام السوري ضد المدنيين العزل في سورية، إلا أنه أثار انتقاد العديد من السوريين، وخاصة من شهد منهم واقعة مقتل الصحافية، وبينهم باسل فؤاد الذي رافق كولفين طوال فترة وجودها في "المكتب الإعلامي لحي بابا عمرو"، وأثناء تنقلها في الحي نفسه. وقد نجا فؤاد من الاعتداء الذي لقيت فيه الصحافية الأميركية مصرعها.

فؤاد عاب على الفيلم "افتقاره إلى الكثير من التفاصيل التي لا غنى عنها، إذ تجاهل الفيلم عن عمد أو من دون قصد، وجود صحافيين أجانب آخرين في المنطقة نفسها، ووصل إلى حد إنكارهم تماماً، عبر مشهد البث المباشر بين كولفين وصحيفتها (صنداي تايمز) التي عرّفتها باعتبارها (الصحافية الغربية الوحيدة في حمص)".

وشدد فؤاد على أنه "لا يمكن تجاهل وجود الصحافية الفرنسية إديت بوفييه، التي أصيبت إصابة بالغة أثناء قصف المركز الإعلامي، إلى جانب العديد من ناشطي المركز الذين كانوا يقدمون الحماية الممكنة وكل التسهيلات ومساعدة الجرحى من الصحافيين، وإخلاءهم إلى العلاج في مكان آمن".

واستنكر تصوير الفيلم للناشطين في حمص باللامبالين إزاء كولفين، مؤكداً أنهم استقبلوا الصحافيين الأجانب كلهم برحابة، وتقاسموا معهم الطعام القليل والأغطية والمكان، "لأننا نعلم تماماً ثقل وجودهم وتغطيتهم لجرائم النظام ونقلها من حي بابا عمرو المعزول إلى العالم أجمع".

وتابع منتقداً: "هناك أيضاً مشهد لقاء ماري كولفين مع شخصية وهمية لم تكن موجودة في المركز الإعلامي، ولا حتى في حمص اسمها (أبو زايدة). وبدا وكأنه قائد الحي، ولا ندري من أين استوحيت هذه الشخصية"، مضيفاً: "الفيلم تجنب ما حدث أثناء البدء بقصف المركز الإعلامي، وما فعله الناشطون، وتفاصيل الإخلاء...".

وأكد: "ماري تستحق فيلماً يروي قصتها كما حدثت، إلى جانب زملائها من الصحافيين والناشطين، لأن مهمتها أساساً كانت نقل الحقيقة بتفاصيلها الكاملة"، معترضاً على تصويرها مضطربة نفسياً ومدمنة الشراب والتدخين في الفيلم، لافتاً إلى أنها "كانت مبتسمة دائماً برغم الخوف والخطر المحيطين بنا".

ناشطون آخرون عابوا على الفيلم ذكره اسم "حي بابا عمرو" لمرة واحدة، وهو أشهر الأحياء التي خاضت فيها المعارضة متمثلة بـ "الجيش السوري الحر" معارك ضد النظام.



"غرفة تطل على الحرب"
فيلم "حرب خاصة" ليس العمل الوحيد الذي تطرق إلى القصف، الذي استهدف المركز الإعلامي في حي بابا عمرو، في مدينة حمص السورية يوم 22 شباط/ فبراير 2012. الصحافية الفرنسية الناجية إديت بوفييه، أصدرت كتاباً في 2014، عنوانه "غرفة تطل على الحرب".

كتبت بوفييه فيه عن المصور الفرنسي ريمي أوشليك، الذي قُتل حينها: "ريمي لم يكن يتظاهر بعدم معرفة الخطر، بل على العكس تماماً. لقد جاء ليحكي تاريخ السوريين، من رجال ونساء وأطفال، كانوا يقاومون مخاطرين بحياتهم. كان يعلم أنّ مكانه هو هنا، لا في أي مكان آخر. لن يعود ريمي من هناك. ومن أجله، ومن أجل أولئك الذين ذهب ليقابلهم، سوف نواصل".

وقالت بوفييه في الكتاب نفسه: "أعرف أنّ السوريين لم يكونوا ليتركونا على الأرضية، لكنهم يعرفون أنّ جيش بشار كثيراً ما ينتظر وصول النجدة ليقصف من جديد ويقتل مُسعفي الجرحى، مدنيين أو مقاتلين، من دون تمييز".

الأسد: الصحافيون مسؤولون عن مقتلهم
نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدرت قاضية أميركية حكماً يحمّل نظام الرئيس السوري بشار الأسد المسؤولية القانونية عن مقتل ماري كولفين، عام 2012، أثناء تغطيتها الأحداث في البلاد لصالح صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية.
ويعني الحكم دفع تعويضات لا تقل عن 302.5 مليون دولار أميركي لدور النظام السوري في مقتلها.

وكانت الدعوى المدنية التي أقامتها أسرة كولفين عام 2016، أمام محكمة أميركية اتحادية، اتهمت مسؤولين سوريين في نظام الأسد بأنهم أطلقوا عن عمد صواريخ على استوديو مؤقت للبثّ، كان مقراً للإقامة والعمل لكولفين ولصحافيين آخرين.

ولم يكن النظام السوري مشاركاً في الدفاع عن موقفه في القضية. لكن في مقابلة أجرتها شبكة "إن بي سي نيوز" مع الأسد، عام 2016، قال رئيس النظام السوري إن كولفين تتحمل مسؤولية مقتلها لأن البلاد كانت في حرب، وهي جاءت لسورية "بصورة غير قانونية وعملت مع الإرهابيين".

بهذه الوقاحة، يحمّل نظام الأسد الضحايا المسؤولية عن مقتلهم. طبعاً، كولفين ليست وحدها، إذ احتلت سورية المرتبة "177" من أصل "180" في مؤشر حرية الصحافة الذي أصدرته مؤسسة "مراسلون بلا حدود" الحقوقية، عام 2018.