"رابطة لول"... جدل التحرش لمَّا يتوقف

"رابطة لول"... جدل فضيحة التنمر والتحرش في الإعلام الفرنسي لمّا يتوقف

19 فبراير 2019
موروثات ذكورية أصل "رابطة لول" (لودوفيتش مارين/فرانس برس)
+ الخط -
لا تنتهي قضية "رابطة لول" فصولاً. فالجدل لا يزال محتدماً وكل يوم يحمل جديده، في واحدة من أسوأ أنواع التحرش والتنمّر الذي استهدف الصحافيات والنسويات، بصفة رئيسية. 
ولا يقتصر الأمر فقط على "تويتر" الذي استوطنته "رابطة لول" ومنها انطلقت الهجمات بكل أنواعها ضد صحافيات. بل حرّكت الفضيحة قضية التحرش الذي استوطن مدارس الصحافة الفرنسية العريقة. فالتسريبات والاعترافات لا تتوقف من طرف طالبات كنّ ضحايا التمييز الجنسي والتحرش. وتميزت المدرسة العليا للصحافة في مدينة ليل بشمال فرنسا، وهي ذات صيت قوي وعالمي، والتي ينحدر منها مؤسس مجموعة لول، فانسان غْلاد، بأنها كانت موطن الكثير من سلوكيات التحرش.
تستعرض صحيفة "لوموند" خبراً عن تلك الأجواء في هذه المدرسة العليا، حين جاءت ساندرين روسو من الحزب الإيكولوجي لتتحدث، في سبتمبر/أيلول 2017، إلى الطلبة عن التحرش الذي تعرضت له، إلى جانب ثلاثة من رفيقاتها، من طرف قيادي في حزبها، دوني بوبان، فتعرضت لِوَابل من السخرية والتعليقات السيئة من طرف مجموعة صغيرة من الرجال، من نوع: "إذا كانت الفتاة ثملة، فما على الحضور إلا أن يستفيد من الأمر"، وهو ما جعلها تعلق، اليوم: "رابطة لول لم تثر دهشتي حين تكشّفت".
وتنقل الصحيفة عن طالب أنّ الأمر لا يتعلق سوى بأقلية من الطلبة "تستطيع أن تثير الضجيج أو تصدح بأناشيد عنصرية ومعادية للمرأة أو معادية للمثليين".
ومن نتائج انكشاف "رابطة لول" إعلان إدارة المدرسة عن فتح تحقيق داخلي حول هذا الحادث، بعد أن تطرّق إليه كثير من الطلبة. ويعود بعض الفضل للطالبة السابقة والصحافية نصيرة المعظم، المديرة السابقة لموقع "بوندي بلوغ"، والتي وجهت الاتهام لاثنين من رفاقها، هوغو كليمانت ومارتان فيل، بالضلوع في التحرش بها سنة 2012.
ولا يقتصر الأمر على مدرسة ليل، فالعديد من قدماء طلبة غرونوبل، تحدّثوا عن تعرض بعض الطلبة للسخرية والتهكم من طرف بعض رفاقهم، أثناء سنوات دراستهم. وتعترف إحدى طالبات تلك الفترة بأنه: "بمجرد ما أن ننشر تعليقاً في تويتر أو ننشر صورة نتلقى تعليقات سيئة".
والمثير أن بعض من كان هدفاً، في تلك الفترة، لاعتداءات وسخرية وشتائم، اكتشف أن الأمر توَاصَل إلى اليوم على صفحة خاصة تحمل اسم "Ultim-hate"، وتجمع هذه الصفحة نحو 15 من الطلبة القدامى. ولم يُعرَف الأمر إلا بسبب خروج أحد الأعضاء منها، وكشفه عنها.
وترى "لوموند"، في مقال آخر كرّسته للموضوع، أنّ "تويتر" يظلّ هو الأرضية أو السلاح المفضَّل للمتحرشين، المنطلقين في مشروع التسبب في الضرر.
وتحدثت مواقع صحافية عديدة، من بينها "20 دقيقة" و"نوميراما" عن الطرق التي أدار بها
عضو واحد على الأقل من "رابطة لول" حسابه في تويتر الذي استخدمه في إرسال خطابات ذات طابع جنسي عنيف للعديد من النساء، اللواتي تحدّثن عن تعرضهنّ للتحرش من طرف المجموعة.
ولكن الصحيفة لا تُحمّل "تويتر" كل المسؤولية، فتقول "سيكون من الظلم أن نجعل من تويتر المُولّد الأوحد لظواهر التحرش على الشبكة. فأعضاء رابطة لول تغّذوا، في نهاية سنوات 2000، من الثقافة المضادة للشبكة في تلك الفترة، والتي هي ساخرة ومحطِّمة للأيقونات، وتتبع المواجهة وتركيب الصُوَر. وإن هذه الثقافة وانحرافها إلى حملات من التحرش، لم تولد على تويتر. ولكن عبر بنية هذه الثقافة التنافسية وجمهورها، ورهانات السلطة وغياب الاعتدال، ثَبَتَ أن لهذه المنصة سلاحا ذا قوة وضَررا غير متوقَّعَيْن".

وتعود صحيفة "ليبراسيون"، التي كانت سباقة إلى إثارة هذا الموضوع للجمهور، مرة أخرى للحديث عنه، تحت عنوان: "رابطة لول: قوانين جديدة لهيمنة قديمة". وتحت عنوان: "أشياء قديمة"، يتحدث مدير الصحيفة، لوران جوفران، في افتتاحيته، أنه "ليس من الضروري أن يكون المرء مناضلاً حتى يحكم بأن هذه التصرفات مثيرة للعار وغير مقبولة". ويضيف: "ليس من الضروري أن يكونَ المرء عالِم اجتماع كبيرا حتى يفهم أن "رابطة لول" مدّدت، مع منحها حدة وعنفاً، هذه الأفكارَ المُسبقة وهذه العادات وموروثات الذكورية القديمة التي لا تزال حية رغم كل التقدم المنجَز".
ويعترف مدير تحرير الصحيفة بأن مقاومة هذه الظاهرة ليست أمراً هيناً، بل يتوجب "القيام بتحليل عميق وبعمل إرادي، يُقوِّم من خلال تدخل واعٍ الممارساتِ اللاواعيةَ"، إذ "لا تستطيع أي منظمة وأي شركة الإفلات من هذه القاعدة، كما لا تستطيع أن تفلت منها وسائل الإعلام عموماً والصحف بشكل خاص". ويخلص إلى أن "صحيفتنا لا تنوي إعفاء نفسها من ممارسة امتحان الوعي العام".
وترى الصحيفة أن هذا النوع من الاعتداء والتحرش قديم، وهو يدخل في إطار الهيمنة القديمة، التي لم تمارَس فقط ضد النساء، "فكما هو موجود في الحياة الحقيقية، فإن المُهَيْمَن عليهم الافتراضيين، في هذه السلطة التي يمارسها إخوانٌ رقميون، ليسوا جميعاً نساء. فثمة رجالٌ يُشار إليهم، كالسخرية من الأجيال القديمة لأنها لا تتحكم جيدًا في المعلومات، كما لا يفلت البعضُ من التعرض أيضاً إلى ذكوريتهم".
ويتطرق ملف "ليبراسيون" إلى قضية تأثير هجمات وتحرشات "رابطة لول" على المسار
المهني لكثير من الصحافيات. فالبعض من الصحافيات المستهدَفات من طرف المجموعة تعثّرن في مسارهن المهني، فيما اضطرت بعضهن إلى التخلي عن مهنة الصحافة بسبب اقتناعهنّ بأن سمعتهن ساءت لدى المشغّلين الكبار (صحف ومواقع وقنوات تلفزيونية). وتستعرض الصحيفة بعض الأسماء التي رأى أصحابها مصائرهم تتغير أو تتجه نحو التغيير: فالمدوّن السابق، كريستوف راميل، يعترف بأن هجمات التحرش والتنمر التي استهدفته سنة 2011، جعلته يغير مهنته ويتجه نحو الإدارة في إحدى الشركات. فيما اتجهت الصحافية والناقدة الفنية عائشة كوتمان إلى التدريس. كما أغلقت الأبواب في وجه الصحافية والنسوية داريا ماركس، التي تعترف بأنها اكتشفت الآن أن بعض من كان يرفض مقالاتها هم أعضاء في "رابطة لول".
وتعترف الصحافية ميلاني فانغا، لصحيفة "ليبراسيون"، بأنها خسرت أربع سنوات بسبب "رابطة لول"، وقد كانت تهاجَم بسبب تركيزها على النسوية. وتصف وضعيتها: "ثقب أسود. الانهيار العصبي. لم أعُد أكتب قط عن النسوية"، صحيح أنها استعادت بعض حيويتها وانطلقت في مشاريع مشرقة، إلا أنها تشدد على كونها لم "أنْسَ أن مساري المهني توقف أربع سنوات. أربع سنوات، واصَل خلالها المتحرشون بي ارتقاءهم المهني في كبريات المنابر الصحافية". 
أما الصحافية لوسيل بيلان، فقد تعرضت لهجمات "لول" بدءاً من سنة 2011. وتعترف أنها اضطرت إلى ممارسة الرقابة الذاتية وتخلت عن فكرة قدرتها على العمل في بعض المنابر، كصحيفة "ليبراسيون" ومجلة "ليزانروك". وتضيف أنها لم تتخلص، لحد الآن، وبشكل كلي، من الصدمات، والتي تركت بصماتها عليها من خلال "فوبيا اجتماعية محطِّمة تسبب لي دائماً أضراراً. من الصعب جداً أن أشعر وكأني شرعية". 

وفي مقال نشره موقع "كوزور"، بعنوان "ما الذي تقوله "رابطة لول" عن العالم الصغير من الصحافيين"، نقرأ: "عصابة من أفراد بغيضين يستخدمون السخرية والشتيمة، ويستعينون بتركيب الصور وبالأكاذيب المهينة ويتحرشون برؤوس الأتراك، خلال سنوات، في ظل إفلات من العقاب ضمنته سريّةُ شبكات التواصل الاجتماعي. هذه هي رابطة لول".
ويكتب الموقع أن تصرفات هؤلاء يتقاسمها الكثيرون على الإنترنت. ولكن الأفراد الذين يقومون بهذه التصرفات، يقومون بها في غالب الأحيان، وهم وحيدون أمام شاشة جهازهم. وحين يتجمعون ويقومون بممارسة الصيد في رهط، فهم يفعلونها على قاعدة توافق أيديولوجي.

ما يجمع بين أعضاء "رابطة لول" هو كونهم يعملون جميعاً في الصحافة والاتصال. والطريف، كما يكتب موقع "كوزور" أن "أخلاقياتهم الرسمية، هي النقيض لما يدافعون عنه في وسائل إعلامهم". ويكشف المقال أنه لا يمكننا أن نجد من بين أعضاء لول، أي صحافي من "لوفيغارو" أو من "مينوت" (صحيفة يمينية متطرفة) أو مجلة "عائلة مسيحية". نعثر فقط على: "أناس من المعسكر التقدمي".
ويرى الموقع أنه من حقنا المشروع أن نتساءل إن كان حضور أغلبية الصحافيين في "رابطة

لول" لا يتناسَب مع ذهنية منتشرة، للأسف، في المهنة: وهي اللذة التي تمنحها سلطةُ الإيذاء، وقدرة تخريب الحيَوات.
وفيما يخص قوة الإيذاء ينقل الموقع تصريحات إحدى ضحايا "لول"، الصحافية ليا لُوجُون، توصيفها للتحرش السيبراني وتقارنه بالتحرش المدرسي. لكنها تشرح التحرش الأول فتقول: "شبكات التواصل الاجتماعي هي ساحة الاستراحة، حيث يستطيع الصحافيون كتابة كل ما يريدون". وفي الأخير لا تريد هذه الصحافية، وهي الضحية السابقة، أن يتعرض المتحرشون بدورهم للتحرش كما تعرّض ضحاياهم، إذ "حين يمُرّ المرءُ من هنا، لا تعود لديه رغبةٌ في أن يتمناه لغيره".
ولعلّ هذا الأمل الذي عبّرت عنه هذه الضحية، وهو درسٌ في الترفع وفي الاقتداء، هو من بين أفضل الدروس المستفادة من كشف هذه الفضائح.
إلا أن طرد هؤلاء المتحرشين من وظائفهم، بعد اعتذارهم الصريح، شرط ضروري لطمأنة الضحايا، وهو ما قامت به بعض الصحف والمواقع، ولو أن جبر الضرر لن يتم سريعاً، ولن يكون مُرضيا للجميع. وتغرد في هذا الإطار، نصيرة المعظم، وهي إحدى ضحايا التحرش في المدرسة العليا للصحافة في ليل: "أمّي عبّرت عن الأمل في أن يحُلَّ الضحايا محلَّ الجلاّدين (في أماكن وظائفهم ومسؤولياتهم)".