إعلام النظام المصري... تاريخٌ من التحريض

إعلام النظام المصري... تاريخٌ من التحريض

21 نوفمبر 2019
لأحمد موسى جولات في التحريض (ديفيد ديغنر/Getty)
+ الخط -
قبل أيام، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لصفحة من جريدة "الدستور" المصرية، عبْر حسابها الرسمي على "فيسبوك"، تنشر فيها صورًا لعدد من المصريين المعارضين للنظام المصري الحالي، وهم: هشام عبد الله ومحمد شومان ومحمد عطية وخالد أبو النجا وعمرو واكد، وبجانبهم سؤال "الموت يخطف زهرة الشباب الواعد.. لماذا لا يموت هؤلاء؟". ليس غريباً على الإعلام المصري التحريض على القتل علنًا، فقد سبقه رموز النظام السياسي في ذلك، وآخر مثال كان واقعة تهديد وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم، المعارضين "بالتقطيع" وتحريضها بعلامة النحر، أمام إحدى الجاليات المصرية في الخارج، وذلك في يوليو/تموز الماضي. 

لكنّ المدقق في تاريخ بدء تحريض الإعلام المصري على القتل، سيكتشف أنه بدأ إبان مذبحة رابعة العدوية والنهضة، في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، حيث انتشر التحريض وحديث الفتنة ما بين خطاب إعلامي يصِف الإخوان المسلمين بـ"الكاذبين" و"المجرمين"، و"عصابة من القتلة الذين يجب شنقهم"، كما جاء على لسان الإعلامي المصري يوسف الحسيني، مرورًا بوصف الإعلامي عمرو أديب لهم بـ"الخرفان تُدفع لهم الأموال ويقدم لهم الطعام للبقاء في الشارع"، وصولًا إلى ما قاله الإعلامي أحمد موسى إن "الإخوان قتلوا معتصمي رابعة قبل الفض لإلصاق التهمة بالشرطة".

هكذا دُقت طبول "الحرب الأهلية" باكراً، حتى وصلت أوجها صبيحة يوم الفض، حيث خرجت معظم الصحف المصرية بعناوين احتفالية منها "حرق مصر... معركة الجماعة الأخيرة" كما جاء في "الشروق"، و"معركة المصير.. الدولة أو الجماعة" في "المصري اليوم"، و"مصر تواجه الإخوان الإرهابيين" في "التحرير"، و"الإخوان يحرقون مصر" في "الوطن"، و"وانزاح كابوس الإخوان" في "الأخبار" الحكومية، و"مصر تستعيد هيبتها" في "الوفد"، إلى أن انتهى اليوم بأكبر مذبحة بشرية في تاريخ مصر الحديث.

وخلال السنوات الماضية، امتلأ الإعلام المصري بوقائع التحريض والتشهير والسب، وفي ذلك العديد من الأمثلة، كان قد رصدتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) على مدار السنوات القليلة الماضية، ومنها واقعة الإعلامي المصري المقرب للنظام محمد الباز، عندما ظهر في إحدى حلقات برنامجه 90 دقيقة في 12 سبتمبر/أيلول 2018، وحرض بشكل مباشر على قتل أسماء متهمة في قضايا قيد التحقيقات، وشكك في جدوى القانون والمحاكمات، وأكد ضرورة قتلهم بشكل مباشر من أي شخص على شاشة التلفزيون. وقال نصًا: "هؤلاء الناس يستحقون القتل، لو حد مصري يطول أيمن نور يقتله، يطول معتز مطر يقتله، يطول محمد ناصر يقتله، هتقولي بتحرض على قتلهم، هقولك آه، وغيرهم كل القيادات الإخوانية وكل الإعلاميين بتوعهم، اللي يطول حد منهم يقتله". وتابع "هتقولي قدّم بلاغ ضدهم بالتحريض ونشر أخبار كاذبة، لا يا أخي إزاي، الأمر مش محتاج دعاوى تاخد وقت ورقم، قضايا إيه ودعاوى إيه".

كذلك الإعلامي المقرب للنظامين المصري والسعودي، عمرو أديب، سبق وأن حرض على القتل في حلقته بتاريخ 1 يوليو/تموز 2017 على قناة "أون تي في"، عندما وجّه سباً وقذفاً علنياً بألفاظ واضحة ضد دولة قطر ولمذيع في قناة إعلامية. وقال نصًا: "لقيت الواد بتاع الجزيرة، مأجرين واد لطخ علشان يشتمني.. مضطر أقل أدبي أوي، أمهات المصريين يضربوك بالجزمة.. أمهات المصريين ضحوا بعيالهم علشان أنت وأمك تعيشوا، والعيال ماتوا علشان أمك، إلا أمهات المصريين يا كلب، يا كلب سيدك، كلب، بكرة تتعلق من رجليك وتترمي في الزبالة يا مرتزق.. إيه الوساخة دي.. كلب".

هناك أيضًا مثال فج للإعلامي المصري تامر عبد المنعم، عندما كان مذيعًا في قناة العاصمة، ووجّه في حلقة بتاريخ 3 فبراير/شباط 2018 سبا وإهانة واضحة للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وقال نصًا: "أنت فاضي؟ ومين اللي جنبك دوول؟ وإيه الستاير الزبالة دي.. اللي نزل في التحرير يقولك هوهوهو -مقلدًا صوت كلب- أنت هتستعبط، أنت هتعملهم علينا، العيب مش عليك كلامي بعد كده هيبقى مع والدك.. حاسب نفسك على المعارضة بالضاد مش بحاجه تانية، يا عديم الأخلاق، كان محبوس في حمام وده مكانه الطبيعي".

نشأت الديهي، من ضمن الإعلاميين الذين حرّضوا على القتل أيضًا عندما وجّه في حلقة برنامجه بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 2019، إهانات وسبا وقذفا وادعاءات كاذبة ضد الحقوقيين. وقال نصاً "محمد زارع، خد جايزة بالملايين كتمويل غير مباشر، وده محمد لطفي، فاكرين البت أمل فتحي البت قليلة الأدب ده جوز الهانم، أخيرا بقى مين ده مش عارفه.. معرفوش، ده الراجل اللى مش راضي يقول جاب الفلوس منين، ده جمال عيد، دوول اللي اشتكوا مصر لماكرون".

هذا أيضًا إلى جانب واقعة المذيع توفيق عكاشة على قناة "الحياة" بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عندما وجّه إهانته للنساء اللاتي لا يفهمن قوله قائلاً "النسوان اللي ماشية في السوق والشوارع لازم يفهموا، اللي أنا حكيته لك من أول الحلقة عايزة تفهمي افهمي مش عايزة تفهمي إن شالله عنك ما فهمتي وإن شالله عنك ما اتفرجتي ويا رب تموتي غبية زي ما اتولدتي غبية".

وبالطبع لأحمد موسى واقعة على قناة "صدى البلد"، وآخرها في حلقة 20 فبراير/شباط 2019، حيث غيّر من معنى تدوينة خاصة بعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ناصر أمين، التي كانت واضحة ضد عقوبة الإعدام، ليجعلها هو "دفاعاً عن الإرهابيين"! وبدا في هجومه عليه والمطالبة بإقالته. وقال نصًا: "ناصر أمين بيدافع عن الإرهابيين، مدافعش عن الشهداء، بيدافع عن الإرهابيين، ناصر أمين اللى بيقبض من فلوس الشعب، بيدافع عن الإرهابيين، احنا اللى بنقبضوا مرتبه، طالع يقول الإعدام عقوبة قاسية".

أما عن نماذج التحريض في الصحافة المطبوعة، فالمشهد فيها ليس بعيداً وليس بريئاً بدوره، حيث يماثل المشهد في الإعلام المرئي، مواقع إلكترونية تعج بالأخبار المفبركة، والتصريحات الكاذبة، ومقالات تحض على خطاب الكراهية والكذب وتشويه الحقائق.

ورصدت الشبكة العربية منها نموذج جريدة "اليوم السابع" حيث مقال دندراوى الهواري المنشور في 30 مارس/آذار 2019 بعنوان "خالد أبو النجا وعمرو واكد بالكونجرس.. بطولة هابطة +18 بفيلم خيانة الوطن!". بالإضافة إلى واقعة تحريض أخرى في صحيفة "روز اليوسف"، حيث كتب طارق رضوان الصحافي في روز اليوسف، في مقاله "الإصلاح الدستوري" في 24 إبريل/نيسان 2019، "كتب دستور عام 2014 عن طريق رجال مختلفة اتجاهاتهم السياسية، البعض منهم لم يكن مصريًا مخلصًا خالصًا، دستور الفاشيست وضع قواعده فيلدمان نوح دكتور الاقتصاد في جامعة هارفارد وهو واضع من قبل دستور أفغانستان والعراق بعد الغزو الأميركي لهما، فقد كانوا خونة وعملاء ومرتزقة، دستور كتب ليكرس الديكتاتورية الفاشية المتمثلة في حكم الثيوقراط، ليبدأوا في بناء جمهورية الخوف، واجه -الرئيس يقصد- أمواجًا عاتية من اعتراضات الأميركان والقوى الغربية والأفريقية والآسيوية".

وحرّض رئيس تحرير جريدة "الأسبوع"، مصطفى بكري، في مقاله بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2018، والذي كذّب فيه تقريراً لمنظمة العفو الدولية، متّهماً إياها بأنها إخوان وحمّل قطر وتركيا المسؤولية. وفي مقاله أيضا بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الثاني 2018، استمر بكري في شن هجوم بدون أدلة ضد القضايا الحقوقية، فيهاجم تلك المرة الاتحاد الأوروبي ومجلس الشيوخ الأميركي، ويكذب حقائق مثبتة في القضايا التي يتداولها كلاهما.

نموذج تحريض آخر نشر في جريدة "الأهرام" القومية، حيث مقال لعمرو عبد السميع، طالب فيه صراحة بمحاسبة ثوار يناير، بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، والذي جاء فيه "هناك مئات آخرون قادوا عملية هدم الدولة في يناير 2011 ينبغي أن يأخذ الشعب حقه منهم".

المساهمون