حجب الإنترنت في إيران... خطوة بأهداف متعددة

حجب الإنترنت في إيران... خطوة بأهداف متعددة

20 نوفمبر 2019
خلال الاحتجاجات الرافضة لرفع أسعار البنزين (فرانس برس)
+ الخط -
بعد اتساع نطاق الاحتجاجات في إيران، يوم السبت الماضي، لجأت السلطات مساءً إلى فرض قيود صارمة على الإنترنت في البلاد، وصلت إلى حد حجب كامل للإنترنت الدولية، شمل الثابت والجوال، في حين كانت متوفرة رغم بعض الصعوبات بعد اندلاع هذه الاحتجاجات على خلفية رفع أسعار البنزين ثلاثة أضعاف، منذ مساء الجمعة حتى السبت مساء.

والأحد صباحاً، نقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن "مصدر مطلع" في وزارة الاتصالات قوله إن قطع الإنترنت يعود إلى تعليمات مجلس أمن الدولة "شاك" لشركات الإنترنت "لفرض قيود على الإنترنت لمدة 24 ساعة"، معلناً أن الوزارة تجري "متابعات مكثفة مع أمانة سر مجلس الأمن لإعادة خدمة الاتصالات مجدداً وإبلاغ شركات الإنترنت بذلك".

إلا أنه بعد انتهاء هذه المدة، لم تعد الخدمة، لتنشر وكالة "فارس" الإيرانية، الإثنين الماضي، خبراً عن الموضوع، أوردت فيه نقلا عن مصدر بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، أن موعد إعادة الإنترنت "ليس واضحاً بعد"، نافياً أن تكون للوزارة أي علاقة بالأمر.

سبق أن فرضت إيران خلال احتجاجات سابقة قيوداً على الإنترنت، لكنها لم تصل إلى ما وصلت إليه هذه المرة، حيث تبلغ حد انقطاع تام للخدمة في أنحاء البلاد، على أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة، حيث لا يمكن لمستخدمي الإنترنت الوصول إلى شبكات التواصل مثل "تيليغرام" و"واتساب" و"فيسبوك" و"تويتر" والمواقع والوكالات والتطبيقات الأجنبية، وكذلك لا يمكنهم فتح إيميلاتهم على "جيميل" و"ياهو" وغيرها.

يشار إلى أن معظم شبكات التواصل الاجتماعي في إيران محظورة منذ سنوات، مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"تيليغرام"، إلا أنه كان بإمكان الإيرانيين الوصول إلى هذه التطبيقات من خلال برامج فك التشفير، عبر الإنترنت الدولية، لكن بعد قطع الأخيرة لم تعد تلك البرامج تعمل.
في الحالات السابقة، كانت تقدم السلطات على حجب منصات ومواقع افتراضية خاصة، من دون قطع الإنترنت الدولية على نطاق واسع لينطقع عقب ذلك التواصل الافتراضي بين الداخل والخارج، في خطوة يبدو أنها تأتي لمواجهة ما تعتبره السلطات الإيرانية عمليات تحريض وتأليب تقوم بها وسائل إعلام وشبكات التواصل من خارج البلاد ضد إيران لـ"إثارة الفوضى فيها وضرب استقرارها من خلال نشر أخبار ملفقة وكاذبة". وكذلك لمنع انتشار واستمرار الاحتجاجات التي تخللتها عمليات تخريب واسعة غير مسبوقة.

وفي حالات نادرة، تمكن بعض مستخدمي الإنترنت بطرق خاصة، مثل استخدام برامج فك تشفير معقدة، من الوصول إلى مواقع وتطبيقات أجنبية، لتظهر بيانات مجموعة "نت بلوكس" الدولية (Netblocks) التي تعمل في مجال الأمن السيبراني، نشرتها الأحد، أن أقل من 7 في المائة فقط في إيران على اتصال بشبكة الإنترنت الدولية خلال الساعات الـ12 التي أعقبت حجب الشبكة، مقارنة بالفترة التي سبقت المظاهرات.



وفي مواجهة هذه الخطوة الإيرانية، أعلنت واشنطن المتهمة من قبل طهران بالسعي إلى ضرب أمنها و"تشجيع عمليات الشغب"، أنه بمقدورها إعادة الإنترنت في إيران، لكن شكك خبراء تقنيون في مدى إمكانية ذلك فنيا.

وقال السفير الأميركي لدى ألمانيا، ريتشارد غرينيل، إن بلاده لديها "القدرة التقنية على إعادة خدمة الإنترنت إلى الشعب الإيراني" وتجاوز القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية، داعياً أوروبا إلى العمل مع الولايات المتحدة "لتحقيق ذلك".
إلى ذلك، دعا المستشار بالخارجية الأميركية، لين خودور كوفسكي، في تغريدة على "تويتر" إلى معاقبة إيران من خلال تعطيل حسابات مسؤوليها رداً على قطع الإنترنت إلى أن تتم إعادتها.

إنترنت بديلة
بعد قطع الإنترنت الدولية يمكن لبعض الإيرانيين عبر الأجهزة المكتبية الثابتة الوصول إلى المواقع الداخلية فقط، عبر "شبكة الإنترنت الوطنية". وهذا ما أكده أيضاً "المصدر المسؤول" لوكالة "فارس" من خلال القول إن "الوصول إلى المواقع الداخلية والخدمات الافتراضية المحلية متوفر"، وذلك في خطوة، تتجاوز أهدافها ما هو مرحلي منها، خلال فترة الاحتجاجات عبر قطع التواصل مع الخارج إلى طرح "الإنترنت الوطنية" كبديل وتجريبها لمثل هذه الحالات. وهي شبكة محلية بدأت إيران تأسيسها منذ العام 2005، لتكون بديلاً عن الشبكات العالمية و"تضمن تصفحاً آمناً يسهل الحصول على المعلومات والبيانات التي لا تخالف أو تهدد الثقافة الإسلامية في البلاد وللحفاظ على أمن المعلومات الإيرانية"، وفقاً للقائمين على المشروع.

وفي أغسطس/ آب عام 2016، ذكرت مواقع إخبارية إيرانية أن المرحلة الأولى من تأسيس شبكة المعلومات قد دخلت حيز التنفيذ العملي، ثم أعلنت تطبيق المرحلة الثانية والثالثة لاحقا. وكان من المفترض أن توسع الحكومة قاعدة البيانات وأن ترفع مستوى الجودة وأن تزيد عدد الشركات فيها.

وبعد عودة العقوبات الأميركية خلال العام الماضي إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، راجت أنباء عن احتمال أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات على الإنترنت بحيث تقطع الخدمة عن إيران، ما زاد من اهتمام السلطات الإيرانية بـ"الإنترنت الوطنية" وتعزيز قدراتها.
وفي السياق، قامت السلطات المعنية في البلاد بإجراء مناورة إلكترونية، خلال يناير/كانون الثاني الماضي، قطعت خلالها شبكة الإنترنت لساعتين، وذلك تحسباً من عقوبات أميركية قد تستهدفها بناء على تعليمات من مؤسسة الدفاع المدني.



تبعات عدة
إلا أن قطع التواصل مع الخارج افتراضياً خلق مشاكل للإيرانيين، خاصة للموجودين في الخارج للتواصل مع أسرهم وأقاربهم في داخل إيران، حيث يعد التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي أرخص.

إلى ذلك، نجمت عن الخطوة تبعات اقتصادية، حيث باتت تقيد الاتصالات بين الأسواق الإيرانية ونظيراتها في العالم، إذ يقول مساعد وزير العمل الإيراني، عيسى منصوري لوكالة "إيسنا" إن "قسماً كبيراً من الأعمال التجارية مرتبط بالاتصالات الافتراضية مع الأسواق العالمية"، مضيفاً أنه "كلما تتزايد الارتباطات الدولية الاقتصادية تتحسن أجواء العمل والاقتصاد بالداخل". وتابع منصوري أن "وجود قيود على التواصل مع الخارج يقيد نشاطات القطاع الخاص عملياً".

كما قال الأمين العام لنادي مؤسسات الاستثمار في إيران، سعيد إسلامي بيدغلي، الإثنين، لوكالة "إيلنا" العمالية، إن قطع الإنترنت خلف مشاكل اقتصادية منها دوره في تراجع مؤشرات البورصة، قائلاً إن "قطع الإنترنت يعطي انطباعاً وشعوراً بوجود مخاطرة في السوق".

من جهته، قال عضو مجلس إدارة نقابة الأعمال الافتراضية، رضا الفت نسب، في حديث لوكالة "إيلنا"، إن حجب الإنترنت يهدد "80 ألف عمل تجاري على العالم الافتراضي"، مشيراً إلى "وقف كامل للأعمال وخدمات الإنترنت التي تستخدم السيرفيرات الإيرانية لكن الهوست (HOST) في الخارج". وأضاف أن الشركات التجارية التي تستخدم الهوست الداخلي "وضعها أفضل".​