الصحافية المغربية هاجر الريسوني عن العفو الملكي: "تصحيح للظلم"

الصحافية المغربية هاجر الريسوني عن العفو الملكي: "تصحيح للظلم"

17 أكتوبر 2019
الريسوني ووالدتها بعد الإفراج عنها (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
اعتبرت الصحافية المغربية، هاجر الريسوني، العفو الملكي عنها "تصحيحاً لظلم كبير لحقها"، وذلك إثر مغادرتها السجن مساء الأربعاء حيث كانت تمضي عقوبة بالحبس لسنة واحدة، بسبب "الإجهاض" و"إقامة علاقة جنسية خارج الزواج".

وأعربت لوكالة "فرانس برس" عن أملها في أن "تكون قضيتها قاطرة في اتجاه رفع التجريم عن الحريات الفردية".

وأصدر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، عفواً عن هاجر الريسوني استفاد منه أيضا خطيبها المحكوم عليه كذلك بالسجن سنة واحدة، بالإضافة إلى طبيبها الذي حكم عليه بالسجن عامين، بحسب بيان لوزارة العدل المغربية.

وقالت الريسوني (28 عاماً) في اتصال هاتفي مع "فرانس برس": "تعرضت لظلم كبير من خلال محاضر مزورة وأدلة قال الادعاء العام في بيان إنه يتوفر عليها، لكنه لم يدل بها للمحكمة، ولم يرافع أثناء المحاكمة. كنت أنتظر أن يصدر العفو الملكي ليصحح هذا الظلم".

وأضافت: "أنا بريئة ومتشبثة ببراءتي، وبيان العفو يؤكد براءتنا جميعاً". واعتبرت أن النقاش الذي أثارته قضيتها "صحي"، معربة عن أملها في أن "يستجيب أصحاب القرار لمطالب المجتمع المدني برفع التجريم عن الحريات الفردية".

وأكدت الصحافية في يومية "أخبار اليوم": "كنت ولا أزال أدافع عن ضرورة احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، خصوصاً في ظل إمكانية استعمالها ضد شخصيات عامّة أو ناشطين". وشددت على موقفها "بضرورة احترام الحق في الإجهاض، رغم أنني لم أجهض، لأن المرأة هي الوحيدة التي تملك سلطة التصرف في جسدها".

وتابعت: "آمل أن تكون قضيتي قاطرة لرفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين البالغين، والمثلية الجنسية، والإفطار العلني في رمضان، وكل الحريات الفردية".

وكان الحكم بسجن الريسوني والملاحقين معها، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، أثار صدمة واستياء في المغرب، وجدلاً محتدما لأسابيع حول الحريات الفردية و"استهداف" الأصوات المنتقدة.

وعانقت هاجر أفراد عائلتها الذين كانوا في انتظارها أمام بوابة "سجن العرجات"، قرب مدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط، ثم رفعت شارة النصر في اتجاه الصحافيين الذين كانوا في المكان نفسه، من دون أن تدلي بأي تصريح، وفق مراسل "فرانس برس".

وغادر السجن أيضاً خطيبها، الأستاذ الجامعي رفعت الأمين، وهو مواطن سوداني مقيم بالمغرب. وقال عقب الإفراج عنه: "سعدت كثيراً بالعفو الملكي (...) أخرج من هذه التجربة وأنا أكثر إيماناً بضرورة حماية حقوق المرأة. أنا أكثر إيماناً بهاجر والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان".

كما أفرج عن طبيب هاجر، ونقل موقع "اليوم 24" عن شقيقه قوله: "عشنا في عذاب شديد"، معرباً عن شكره للملك.

وخلف العفو الملكي الذي شمل أيضاً الممرض ومساعدة الطبيب اللذين دينا بالسجن ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ، ارتياحاً بعد جدل محتدم لأسابيع حول الحريات الفردية و"استهداف" الأصوات المنتقدة.

وأوضح بيان لوزارة العدل المغربية أن العفو الملكي يندرج "في إطار الرأفة والرحمة المشهود بهما لجلالة الملك، وحرص جلالته على الحفاظ على مستقبل الخطيبين اللذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقاً للشرع والقانون، رغم الخطأ الذي قد يكونان ارتكباه الذي أدى إلى المتابعة القضائية".

وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي نبأ العفو الملكي بمجرد صدوره مع تعليقات تعبر عن البهجة والارتياح والتوجه بالشكر للملك، بينما شددت ردود أفعال أخرى على ضرورة مواصلة النضال دفاعاً عن الحريات الفردية.

وشدد مصدر حكومي تحدث لوكالة "فرانس برس" على أن القرار الملكي "لا يتدخل في النقاش" الذي أثارته هذه القضية. وقال إنه "نقاش سيادي أطلقه مواطنون مغاربة حول تطور مجتمعهم"، معرباً عن "أسفه لتدخل أطراف أجنبية مثل بعض المنظمات ووسائل الإعلام ومثقفين في هذا النقاش".

وكانت منظمات حقوقية تعقد اجتماعاً في مقر "الجمعية المغربية لحقوق الانسان"، سعياً إلى الإعلان عن تأسيس لجنة كبيرة للتضامن مع الريسوني، قبل الإعلان عن العفو الملكي. وفور الإعلان عنه، أصدر ممثلوها بياناً شجبوا فيه "الطابع التعسفي والظالم لاعتقال الصحافية هاجر الريسوني ومن معها وما رافقه من حملة تشهير في إعلام السلطة والأجهزة الأمنية".

كما طالبوا في بيانهم بأن تضع الدولة حداً "لاستعمال الحياة الخاصة وقوانين الحق العام ومقتضيات القانون الجنائي البائدة لخنق الحريات العامة والتضييق على الصحافيين والناشطين السياسيين والمدنيين والمنابر الإعلامية المستقلة".

أحد المحامين الذين دافعوا عن هاجر الريسوني في المحكمة وأمام الإعلام المغربي والدولي، عبد المولى الماروري، كان رفقة زميله سعد السهلي في مقدمة مستقبلي هاجر الريسوني، وعلق على العفو الملكي بالقول إنه جاء ليصحح مسار قطار العدالة عامة والقضاء خاصة "الذي أخذ في الخروج عن سكته بشكل واضح".

وأضاف الماروري أن هذا العفو كان تقدميا وحقوقيا ومنصفا أكثر من العديد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإعلامية، و"تجاوز بكثير الحكم القضائي الذي دان هاجر ومن معها، بل وكان هذا الحكم غير متوقع في قسوته وبعده عن فهم القضية وإنصاف أصحابها".


واعتبر محامي هاجر الريسوني أن هذا العفو بمثابة حكم قضائي عادل، مشيراً إلى أن الصحافية ومن معها لا يزالون متابعين قضائياً، وبالتالي ليس هناك أي حكم قضائي نهائي ضدهم، و"بما أن الحكم غير نهائي وهو موضوع طعن بالاستئناف، فإن العفو بمثابة إلغاء الحكم للابتدائي في ما قضى به من إدانة وعقوبة بالحبس".

وكانت الصحافية التي اعتقلت أواخر أغسطس/آب الماضي أكدت أثناء محاكمتها أنها خضعت للعلاج بسبب نزيف داخلي، وهو ما أكده الطبيب، نافية أن تكون قد خضعت لأي إجهاض. وقالت إن محاكمتها "سياسية"، في حين أكد مكتب المدعي العام في الرباط أن اعتقالها "لا علاقة له بمهنتها"، بل بتحقيق قضائي حول العيادة الطبية.

وأسفر نقاش تولته لجنة رسمية عام 2014 عن الإبقاء على تجريم الإجهاض، مع استثناء الحالات التي يشكل فيها الحمل خطراً على حياة الأم أو الحمل الناتج من اغتصاب أو زنى محارم أو إصابة الجنين بتشوهات خلقية.

ويتدارس البرلمان المغربي حالياً تعديلا للقانون الجنائي ينتظر أن يرسم هذه الاستثناءات، لكن المشروع لا يغير أياً من القوانين التي تجرم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج والمثلية الجنسية والإفطار العلني في رمضان، وفق ما أكدته مصادر متطابقة لـ "فرانس برس".

وتطالب جمعيات حقوقية ومثقفون مغاربة منذ سنوات بإلغاء هذه القوانين، بينما تعارض الأوساط المحافظة هذه المطالب. وشكلت قضية الريسوني مناسبة تجدد فيها تأكيد هذه المطالب.


وطالب ائتلاف يدعو لضمان الحريات الفردية في المغرب النيابة العامة، يوم الإثنين، بالتخلي عن تطبيق تلك القوانين، وإيقاف الملاحقات في قضايا العلاقات الجنسية الرضائية والإجهاض والخيانة الزوجية.

وأقامت السلطات، العام الماضي، دعاوى قضائية ضد 14503 أشخاص بسبب "الفساد" أي الجنس خارج الزواج، و3048 بسبب الخيانة الزوجية، و170 بسبب المثلية، و73 بسبب الإجهاض، طبقاً للأرقام الرسمية.

المساهمون