قانون جرائم المعلوماتية العراقي... عودة للقيود

قانون جرائم المعلوماتية العراقي... عودة للقيود

16 يناير 2019
إمكانية إخضاع كل حاسوب إلى المراقبة (Getty)
+ الخط -
أثار توجه البرلمان العراقي نحو تشريع قانون جرائم المعلوماتية، مخاوف كبيرة من نتائجه السلبية على حرية التعبير في البلاد، لما يفرضه من قيود وعقوبات صارمة لا تختلف عن قيود موجودة في أنظمة دكتاتورية لا تعتمد دستورياً النظام الديموقراطي كما هي حال العراق. ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهذا القانون، إلّا أنّ البرلمان ماضٍ في تشريعه، بدفع من جهات سياسية معينة، تسعى لبسط نفوذها على الساحة السياسية العراقية

ووصف مراقبون القانون بأنّه "عودة لقيود صدام حسين"، إذ سيكون سيفاً مسلّطاً على رقاب الإعلاميين والمدونين، ليؤسس لإعلام سياسي نافذ تكون له السلطة العليا والصوت الوحيد في البلاد.
وكان البرلمان قد قرأ الأسبوع الفائت القانون قراءة أولى، على أن يمضي بقراءته خلال الجلسات المقبلة، حتى ينضج ليتم إقراره لاحقاً.

وقال مسؤول سياسي رفيع لـ"العربي الجديد"، إنّ "جهات سياسية تسيطر على عمل البرلمان، تسعى لتمرير هذا القانون، من حيث إنّه سيقدّم لها خدمة كبيرة جداً، بتنفيذ أجنداتها السياسية"، موضحاً أنّ "القانون سيكون بمثابة التصفية السياسية للخصوم وبشكل قانوني". وأضاف، أنّ "العقوبات والغرامات الكبيرة وإمكانية تأويل النصوص بحسب الشهية، ستجعل من أي منشور أو معلومة تنشر سواء على المحطات الإعلامية أو على مواقع التواصل الاجتماعي عرضة لمساءلة صاحبها، وعرضة لعقوبات السجن والغرامات المالية الطائلة". مبيناً أنّ "هذا يعني أنّ المواطن العراقي سيجبر على القبول بإعلام السلطة فقط، وألا يقدم على نشر أي رأي له، وإلّا فإنّه سيعرّض نفسه للمساءلة تحت طائلة القانون".
وأشار إلى "وجود إصرار من قبل بعض الجهات على تمرير القانون، وحتى إذا تطلب الأمر، ستمرره بالأغلبية العددية في البرلمان من دون الرجوع إلى الكتل أو النواب الرافضين للقانون".

وتضمن قانون جرائم المعلوماتية 23 مادة اندرجت تحتها فقرات عدّة، نصت جميعها على عقوبات متفاوتة تصل إلى السجن لثلاثين عاماً وغرامات تصل إلى 50 مليون دينار عراقي، وركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.

ونص القانون على إمكانية إخضاع كل جهاز حاسوب أو مجموعة أجهزة مرتبطة ببعضها، والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وبياناتها والبرامج والأنظمة، ومكاتب تزويد خدمات الإنترنت، إلى المراقبة، وإمكانية فتح البرامج والرسائل المخزنة في أي جهاز، في حال وجود شبهة في الاستعمال، كنشر أو إذاعة معلومات أو وقائع مضللة وغير حقيقية، وإدراجها تحت مسمّى "المساس بأمن واستقلال البلد".

ومما يثير الخوف من تطبيق القانون، أنّ نصوصه فضفاضة وتتحمل التأويل بحسب المزاج السياسي، وقال عضو تحالف القرار محمد الدليمي لـ"العربي الجديد"، إنّ "جميع نصوص القانون تتعامل مع أي منشور إعلامي بحذر، ومن الممكن أن تطبق المواد والنصوص في القانون على ذلك المنشور"، مبيناً أنّ "القانون سيكون بمثابة سيف مسلّط على رقاب الإعلاميين العراقيين، وسيقضي على أي مساحة للتعبير عن الرأي في البلاد".

وأكد أنّ "الجهات السياسية التي تدفع باتجاه تمرير القانون هي المستفيدة منه، إذ تسعى لأن تؤسس لإعلام سلطة في البلاد، وأن تكون المؤسسات أو الشخصيات الإعلامية تعمل تحت نفوذ هذه السلطة، ليكون أي خبر وأي تصريح وأي معلومة لا تخرج إلى الإعلام إلّا من خلال تلك السلطة، أي أنّ الإعلام في العراق سيكون أشبه بإعلام بوليسي، صدى للسلطة فقط، ولا يوجد صوت آخر يرصد أي حالة سلبية أخرى". وحذّر من "دخول القانون في خانة المساومات بين الكتل السياسية لأجل تمريره، وفق مبدأ (صوتلي وأصوتلك)، الأمر الذي يعني أنّ البرلمان بنفسه لم يكن صوتا للشعب، بل للسلطة والجهات المتنفذة فقط".

ويؤكد خبراء في الإعلام، أنّ العقوبات التي تضمنها القانون هي العقوبات الأكثر عنفاً في المنطقة، فلم تجرؤ أي دولة على تشريع قانون بهذه الشدة. وقال الخبير الإعلامي، سالم الشجيري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القانون خطير جدّا، ويجب العمل على رفضه وعدم تمريره، لأنّ نتائجه على حرية التعبير ستكون قاسية بشكل غير مألوف"، مبينا أنّه "بمجرد الاطلاع على فقرات القانون، ترى كيف أنّ صياغته تمت بطريقة أمنية ووفق نظرية المؤامرة، وكأنّما يتعامل مع الجهات الإعلامية ومع المدونين ومن يريد التعبير عن رأيه، وكأنّهم جهات إرهابية تستهدف أمن الدولة واقتصادها".

وأكد أنّه "لا توجد عقوبات كهذه على حرية التعبير في المنطقة بشكل عام، كما أنّ القانون يتعارض مع نص وروح الدستور العراقي الذي كفل حرية التعبير للعراقيين، وأنّ نصوص القانون المتداخلة، تتيح فرصة تطبيقها كلّها دفعة واحدة على أي نص إعلامي، ما يعني أنّه قتل لمجرد التفكير بالتعبير، وليس للتعبير".

ودعا لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية والنواب إلى "رفض هذا القانون، وأخذ دورهم بمنع تمريره، دفاعا عن حق المواطن في التعبير عن رأيه بأسلوب حضاري"، مؤكدا "ضرورة إعادة صياغة القانون من جديد لكي يكون قانونا خاصا بالتعامل مع الجرائم ذات المساس بأمن الدولة، من دون أن يؤثر ذلك على حرية التعبير".

ويحذّر مسؤولون وسياسيون، من مغبة عودة العراق شيئا فشيئا إلى الأطر الدكتاتورية وفرض إرادة السلطة على الشعب بالقوة، وتسخير القوانين النافذة في التعامل مع الشعب وقمعه.

المساهمون