ليس دفاعاً عن أحد

ليس دفاعاً عن أحد

14 يناير 2019
داخل استديوهات "أورينت" (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -
ما نفتقده اليوم أن مفردة العيب لم يعد لها مكانها في ثقافتنا الدارجة وسلوكنا وأخلاقياتنا وردود أفعالنا، وتحديدًا تعاملنا مع بعضنا البعض. قديماً، كان الناس يُفكّرون طويلاً قبل أن يتصرفوا، ويقيسون مواقفهم قبل أن يحوّلوها إلى أفعال. وكان العيب، أو الخط الأحمر، يلعب دور الميزان في هذه العملية. للأسف، لم يعد هناك مكانٌ لهذا الاعتبار في وعينا الدارج. كل شيء مباحٌ ومنفلتٌ وممكن. وهذا أمر يدعو إلى التأمل، بالنظر إلى أنّ التطور الذي عرفته شؤون الحياة بفضل انتشار التعليم والثقافة، ما يفترض أنّ سلوكيات البشر صارت مدنية، وتهذّبت لتخلو من كل ما هو مشين لصاحب الفعل قبل المعنيّ به. 

هذا الوضع المزري بات يشكل حالةً سوريّةً منفلشة على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المحزن أنّ فئةً من الناشطين المحسوبين على الثورة السورية صارت تمارسه من دون حدود. هناك مواجهات تدور بين فرق مختلفة، وأكثرها تقع في ميدان الإعلام. وغير بعيدٍ عن ذلك، يقع التقرير الذي بثّته قناة "أورينت" مؤخرًا، والذي حاول تشويه سمعة عدة وجوهٍ سورية معارضة، وقام بالتصويب عليها بوصفهم "من عملاء قطر"، واتهمهم بالفساد وقبض الدولارات. خلط التقرير الإعلامي بالسياسي، واستعان بخبيرٍ إعلامي أتحف الناس بأطروحةِ أنّ "قطر لا شاغل لديها غير توظيف السوريين".

من يشاهد هذه الحلقة يصاب بالغثيان بلا شكّ، إلا أنّه ليست هناك مفردةٌ تناسب المقام سوى "عيب". عيبٌ على من يقف خلفها ومن نفّذها ومن شارك فيها. لا أدري، هل فكّر هؤلاء في مقدار الضرر الذي ألحقوه بالذين تناولوهم، مثال رياض حجاب ومعاذ الخطيب وسمير سعيفان ومروان قبلان؟ هؤلاء لا يعملون في مجال الإعلام، ومن نشط منهم في ميدان العمل السياسي المعارض كالخطيب وحجاب، انسحب كي لا يسجّل على نفسه أنّه تنازل في وسط يعج بالمساومات واللعب من تحت الطاولة والركض وراء الدول وأجهزة المخابرات، وحتى التعاون مع إسرائيل.

يتفرّغ سوريون لمحاربة سوريين آخرين من المفترض أنهم أقرب إليهم من نظام الحكم الذي دمّر بيوتهم وقتل أهلهم وشرّدهم. وبدلاً من أن تلتقي الطاقات من أجل الحدّ من الأضرار في زمن التراجع وسياسات إعادة تأهيل النظام، ينشغل البعض بالحروب الداخلية وتأدية مهامّ عجز عنها النظام، وهي تشويه صورة الآخر.

فلان "شبيح" وكان يعمل في وسائل إعلام النظام. جيّد، أنت أين كنت وماذا قدمت منذ بداية الثورة؟ هل تريده أن يبقى في صفّ النظام؟ حاول أن تقدم مثالاً آخر، وبدلاً من أن تنشغل به، قم بما يمكن أن يجعلنا نتحدث عنك ونستفيد منك. هناك كثيرون في الداخل والخارج ينتظرون منك أن تقدم شيئاً مفيداً، أن تشمّر عن مواهبك في زمن المحنة وتقوم بعمل يستحق الاحترام، لا أن تستهلك نفسك بالثرثرة على "فيسبوك".

دائماً هناك ما يمكنه أن يكون مفيداً، مهما بلغت الشدة والخسارة. ويكفي أن تفكر أنت في الاتجاه الصحيح حتى تجد أن عملك له جدوى، وهناك من ينتظره ويمكن أن يستفيد منه.
بعض الناس يعملون بصمت وبعيدًا عن الأضواء، يشتغلون ليس لإرضاء أحد، وفعلهم يتحدث عنهم، وهناك من انطفأت طاقته بسبب هذه الحرتقات، وقرر أن ينسحب كلياً.

المفروض أنّ الناشطين وشباب الثورة يشكّلون حالةً أقرب للنزاهة، ويتحلّون بنمط من السلوك يترفع عن الصغائر، والاهتمام بالقضايا التي تخصّ البناء والعمل من أجل استمرارية معارضة النظام، بعيدًا عن أي حسابات أو أجندات لهذا النظام أو ذاك. ولكن للأسف، هناك فئة طفيليّة تطفو فوق صفحات وسائل التواصل، لا تزِن تصرفاتها بهذه الموازين. هؤلاء يعيشون داخل فقاعات متنقلة آنيّة، تنفجر، فتعكّر الفضاء الذي حولها، ليس أكثر.

المساهمون