القضاء العسكري والإعلام التونسي... بداية التوتّر؟

القضاء العسكري والإعلام التونسي... بداية التوتّر؟

16 اغسطس 2018
المقصود بالبيان قناة نسمة (كيم بدوي/Getty)
+ الخط -

تبتعد المؤسسة العسكرية التونسية في العادة عن الحياة الإعلاميّة، وتختصر تدخلاتها في توضيح بعض المسائل التقنية الخاصة بالعمل العسكري. لكن مساء الثلاثاء الماضي شهد تغيّراً، إذ أصدرت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري بياناً أشارت فيه إلى أن "بعض وسائل الإعلام تواصل التدخل في مجريات القضية التحقيقية المنشورة بمكتب التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس والمتهم فيها شفيق جراية ومن معه من أجل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة". 

ورأى القضاء العسكري التونسي أنّ حرية الإعلام مضمونة، لكنه في المقابل رأى أن التناول الإعلامي لقضية رجل الأعمال التونسي المتهم بالفساد، شفيق جراية، يستشف من خلالها "حملة ممنهجة لتبرئة ساحته"، إذ ورد في البيان أن "حرية الإعلام والتعبير من الحقوق الأساسية المكفولة بالدستور، إلا أن التناول الإعلامي للقضية أصبح يتبع أسلوباً أقرب إلى الحملة الممنهجة ضد المؤسسة القضائية العسكرية في محاولة للزج بها في التجاذبات السياسية". 
ووجهت النيابة العسكرية الاتهام إلى قناة تلفزيونية بعينها من دون ذكر اسمها، لكن الجميع في تونس يعلم أنها قناة "نسمة تي في". واتهمتها بترويج المغالطات والأخبار الزائفة حول القضية، إذ جاء في البيان أن "إحدى القنوات التلفزيونية تصر على ترويج الأخبار الزائفة حول القضية لإضفاء الصبغة السياسية عليها، وذلك بمحاولة إقحام وزير الدفاع الوطني الحالي فيها والادعاء بتمسكه بتعهيد القضاء العسكري بالقضية. والحال أنها كانت نشرت قبل توليه مقاليد الوزارة فضلاً عن أنه ليست له أية صلاحيات في مباشرة الدعوى العمومية التي أصبحت من أنظار النيابة العسكرية لوحدها منذ إصلاح منظومة القضاء العسكري بالمرسوم عدد 70 لسنة 2011 والذي كان لوزير الدفاع الوطني الحالي دور فعال في إرسائه".



في مقابل ذلك، لم يصدر عن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أو النقابة العامة للإعلام أيّ موقفٍ حول الاتهامات التي وجّهتها النيابة العسكرية لبعض المؤسسات الإعلامية. كما لم تصدر إدارة قناة "نسمة تي في" التي يبدو أنها المستهدف الأول من هذا البيان، أي تعليق حول ما ذكرته إدارة القضاء العسكري حول نشرها لمغالطات وأخبار زائفة حول قضية شفيق جراية ومحاولة تسييس القضية من خلال الزج باسم وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي فيها. 
من ناحية أخرى، أعلنت وزارة الدفاع التونسية، مساء الثلاثاء، عن تغيير الناطق الرسمي باسمها حيث تمّ إعفاء العقيد بلحسن الوسلاتي من مهامه وتكليف الرائد محمد زكري بهذه المهمة، وهو تغيير قد يكون على صلة بالبيان الذي أصدرته إدارة القضاء العسكري حول التعاطي الإعلامي مع بعض القضايا التي تتولى التحقيق فيها، خصوصاً أنّ محمد زكري الذي تمّ تعيينه ناطقاً رسمياً باسم وزارة الدفاع التونسية يجمع بين البعدين الإعلامي والعسكري، على عكس من سبقه في هذه المهام، فقد درس بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس والتحق بعد تخرجه بالجيش التونسي حيث تلقى تكويناً عسكرياً ليعمل لمدة سنوات في ديوان الوزير قبل توليه المهام الجديدة. 

يذكر أن دور القضاء العسكري في تونس بدا أكثر وضوحاً بعد الثورة التونسية سنة 2011، حيث تولى العديد من القضايا المتعلقة بأحداث الثورة التونسية والاتهامات التي وجهت لبعض رجال الشرطة بالقتل العمد للمتظاهرين، كما قام بمحاكمة المدون ياسين العياري (النائب الحالي فى مجلس نواب الشعب التونسي)، بتهمة الإساءة للجيش التونسي وقضى بسجنه ليتم خفض مدة العقوبة والإفراج عنه في ما بعد. كما تولى القضاء العسكري ملف أشهر رجل أعمال تونسي متهم بالفساد شفيق جراية، وهي القضية التي تثير كثيراً من الجدل في الإعلام التونسي، خاصةً أن البعض يرى أنها قضية سياسية بالأساس.