برلمان السيسي يتأهب لتمرير قانون إعدام الصحافة

5 سنوات على الانقلاب... برلمان السيسي يتأهب لتمرير قانون إعدام الصحافة

03 يوليو 2018
اعتصام عام 2013 لحرية الصحافة (خالد الفقي/فرانس برس)
+ الخط -
"5 سنوات من التمهيد للحظة إعلان الانقلاب النهائي الذي يعتقد النظام أنه سيكون حاسماً هذه المرة في القضاء على أي نافذة أمل في أن تؤدي الصحافة المصرية دوراً وواجباً في خدمة المجتمع، والمواطن المصري"، هكذا يصف نقيب سابق للصحافيين المصريين، الموقف الحالي للمهنة وأبنائها في مصر بالفترة الحالية، وبعد مرور خمس سنوات على الانقلاب العسكري الذي أطاح بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد. ويختصر النقيب، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، الموقف الحالي بـ "بائس ومحزن، يدعو للاكتئاب". 

يأتي هذا بنفس لحظة "لا لقانون إعدام الصحافة"، التي عبر بها المئات من الصحافيين المصريين عن رفضهم لقانون تنظيم الصحافة والإعلام، على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد توقيع قرابة الخمسمائة صحافي من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين، على بيان يدعو إلى لفظ القانون الذي وصفوه بـ"المشبوه"، في الوقت الذي يتأهب فيه مجلس النواب لإصداره نهائياً خلال جلساته المنعقدة هذا الأسبوع.

وتقدم 183 صحافياً بطلب مكتوب إلى مجلس نقابتهم للدعوة إلى عقد جمعية عمومية طارئة، بهدف التصدي لقانون "تقييد الحريات" و"إعدام الصحافة"، والذي يستهدف سيطرة السلطة التنفيذية، ممثلة في المجلس الأعلى للإعلام، والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، على مجالس إدارات المؤسسات الصحافية والإعلامية المملوكة للدولة، إيذاناً بدمج وإلغاء العديد من إصداراتها، وطرحها للبيع أمام مستثمرين محليين وخليجيين.



وأفاد الطلب المقدم من الصحافيين بأن القانون الجديد ينال من استقرار المؤسسات الصحافية القومية، ويُعيد الحبس الاحتياطي في قضايا النشر (ألغي بموجب قانون أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي)، مطالبين مجلس النقابة بالبدء الفوري في إجراءات الدعوة للعمومية الطارئة، وفقاً لنص المادة 32 من قانون النقابة، والتي تلزم المجلس بعقدها في حالة تقديم طلب موقع من 100 عضو فأكثر.

ووافق مجلس النواب الموالي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون تنظيم الصحافة والإعلام، بعد فصله إلى ثلاثة تشريعات متصلة، تحت مسمى "المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام" و"الهيئة الوطنية للصحافة"، و"الهيئة الوطنية للإعلام"، بعد مناقشته مواده على عجل في جلسة العاشر من يونيو/حزيران الماضي، وإحالته إلى قسم التشريع بمجلس الدولة للتأكد من مدى دستورية نصوصه.

وصرح رئيس لجنة الإعلام في البرلمان، المحرر العسكري السابق، أسامة هيكل، بأن مجلس النواب سيمرر القانون بشكل نهائي خلال أيام، ملوحاً إلى عدم الأخذ بمقترحات نقابة الصحافيين التي أرسلت ملاحظاتها على القانون إلى مجلس النواب، بذريعة أن هناك حالة كبيرة من التأييد لمواد القانون في صورته الحالية من جانب أغلبية البرلمان (يستحوذ عليها ائتلاف دعم مصر المشكل بمعرفة الاستخبارات).

وتوسع القانون بشكل غير مسبوق في فرض القيود على عمل الصحافيين والإعلاميين، بالمخالفة لنصوص الدستور المصري التي كفلت حرية الرأي والتعبير، علاوة على قوننة الحبس الاحتياطي للصحافيين في جرائم النشر من خلال مصطلحات فضفاضة، على غرار "التحريض على العنف"، أو "الطعن في أعراض الأفراد"، أو "التمييز بين المواطنين"، أو "في الجرائم التي تمسّ الأمن القومي".

وجدد تكتل "25-30" النيابي رفضه للقانون الذي يشوبه العوار الدستوري، كونه يفتح الباب لهيمنة السلطة التنفيذية على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، ويصادر ما تبقى من مساحات للتعبير عن الرأي، ويخل بتعهدات مصر الدولية في ما يخص حرية الصحافة والإعلام، مديناً منح "المجلس الأعلى للإعلام" صلاحية حجب الصفحات والمواقع والمدونات الشخصية، متى زاد عدد متابعيها عن 5 آلاف شخص.



وشدد التكتل الذي لا يمثل أعضاؤه سوى 3 بالمئة من نواب البرلمان، على أن مواد القانون غير دستورية، وتتضمن العديد من التعبيرات "المطاطة"، فضلاً عن أنها تتوسع في تجريم حرية الرأي والتعبير، محذراً من أن القانون يفتح المجال لبيع المؤسسات الصحافية الحكومية، أو إغلاقها، وهو ما يُهدد بتشريد المئات من الصحافيين، إذ أعطى الحق إلى "الهيئة الوطنية للصحافة" في إلغاء ودمج المؤسسات والإصدارات الصحافية داخل المؤسسة الواحدة.

ونصّ الدستور المصري في المادة (71) منه على "حظر فرض رقابة على الصحف، ووسائل الإعلام المصرية، أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، أو توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية"، في حين ألزمت المادة (72) الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحافية، ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية.

في سياق متصل، أعلن نقيب الصحافيين السابق، يحيى قلاش، و14 عضواً سابقاً بمجلس نقابة الصحافيين، في بيان مشترك، عن رفضهم لقوانين الصحافة والإعلام، مؤكدين أنها تشكل اعتداء على الدستور، وردة واضحة عن الحريات الصحافية، وافتئاتاً على حقوق الصحافيين والكتاب والقراء، داعين زملاءهم إلى تجاوز كافة الخلافات، والتوحد معا تحت راية الدفاع عن حرية الصحافة، وحق المجتمع في المعرفة.

ونوّه الموقعون إلى أن نصوص القانون "تصادر ما تبقى من مساحات للتعبير عن الرأي، وتخل بتعهدات مصر الدولية، عبر مواد تجافي روح الدستور، وتعبيرات مطاطة تتسع لتجريم كل صاحب رأي، وتُهدر ضمانات أساسية للعمل الصحافي بإعادة الحبس الإحتياطي في جرائم النشر، والذي نصت مواد قانون الإجراءات الجنائية، وقانون نقابة الصحافيين الحالي، على عدم مشروعيته كضمانة لحرية التعبير من سيف الترهيب والتهديد".


تقنين الحجب
حظر القانون على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون، أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعناً في أعراض الأفراد، أو سباً أو قذفاً لهم، أو امتهاناً للأديان السماوية أو للعقائد الدينية. على أن يلتزم بذات الأحكام كل موقع إلكتروني شخصي، أو مدونة إلكترونية شخصية، أو حساب الكتروني شخصي، يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر.


ونص كذلك على أنه "مع عدم الإخلال بالمسؤولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام القانون، يجب على المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة، وله في سبيل ذلك: وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه".
وحظر القانون على أية وسيلة من وسائل النشر أو البث، التعرض للحياة الخاصة للمواطنين، أو المشتغلين بالعمل العام، أو ذوي الصفة النيابية العامة، أو المكلفين بخدمة عامة، إلا فيما هو وثيق الصلة بأعمالهم، وأن يكون التعرض مستهدفاً للمصلحة العامة.
كما حظر القانون على الصحافي أو الإعلامي، تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة، على نحو يؤثر على مراكز من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة، ويحظر على الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية نشر أو بث أي من ذلك. وتلتزم الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بنشر وبث قرارات النيابة، ومنطوق الأحكام التي تصدر في القضايا التي تناولتها أثناء التحقيق أو المحاكمة، وموجز واف للأسباب التي تقام عليها.

وحظر القانون أيضاً على الصحافي أو الإعلامي السعي إلى جلب الإعلانات، أو الحصول على أي مبالغ أو مزايا عن طريق نشر الإعلانات أو بثها بأية صفة، أو التوقيع باسمه على مادة إعلانية، أو المشاركة بصورته أو صوته في إعلانات تجارية مدفوعة الأجر، مع مساءلة المخالف تأديبياً، وإلزامه، إذا ثبتت إدانته، برد قيمة المبالغ أو المزايا التي حصل عليها إلى مؤسسته الصحافية أو الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها.

ومنذ عشرة أيام، أصدر عدد من النقابيين السابقين في مجلس نقابة الصحافيين المصرية بيانًا مشتركًا، أعلنوا فيه رفضهم مشروعات قوانين تنظيم الصحافة والإعلام المعروضة على مجلس النواب، والتي تشكل من وجهة نظرهم "اعتداءً على الدستور وردَّة واضحة عن الحريات الصحافية، وتفتح باب الهيمنة على العمل الصحافي".

وأهاب الموقعون على البيان بمجلس نقابتهم، فتح حوار واسع تحت مظلة النقابة، بيت الصحافيين جميعاً، حول سبل التصدي لما حوته مشروعات القوانين الثلاثة من مواد تشكل عدواناً على الدستور وافتئاتاً على حقوق الصحافيين والكتاب والقراء والمشاهدين جميعاً، والعمل على تعديلها.



ورأى الموقعون أن نصوص المشروع تفتح الباب أمام النيل من الصحافة القومية، بإعطاء حق إلغاء ودمج المؤسسات والإصدارات الصحافية طبقاً لنص المادة (5) من المشروع، وهو ما يمكن أن يمهد لسيطرة الإعلام الخاص على المجال الصحافي والإعلامي، ويخل بالتوازن الذي يمكن أن يحققه بقاء الصحافة القومية. ويدعم هذا الاتجاه أن المشروع جاء ليكرس هيمنة الهيئة الوطنية للصحافة على الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة لتلك المؤسسات، عبر تقليص أعداد ممثلي الصحافيين والعاملين المنتخبين وزيادة أعداد المعينين من خارج المؤسسات. فضلاً عن تجاوزه لعدد من المكتسبات التي حققها الصحافيون بنضالهم وطالبت بها الجمعيات العمومية لنقابتهم، ومنها حق المد الوجوبي للصحافيين إلى سن (65) عاماً.

وشدد النقابيون الموقعون على البيان، أن المواد (5 و10 و19 و29) من مشروع قانون المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تعد بمثابة مصادرة للعمل الصحافي، فضلاً عن مخالفتها لنصوص الدستور، إذ سيطرت فلسفة الهيمنة والمصادرة على مواد القانون، عبر التوسع في استخدام العبارات المطاطة مثل: مقتضيات الأمن القومي، والدفاع عن البلاد، ومعاداة مبادئ الديمقراطية، والتعصب الجهوي، أو التحريض على مخالفة القانون، طبقاً لنصوص المشروع، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية استخدام تلك العبارات الغامضة للنيل من حرية الصحافة، وعودة المصادرة من جديد.

المساهمون