"جرائم المعلومات" المصري: تقنين الحجب والقمع

"جرائم المعلومات" المصري: تقنين الحجب والقمع

22 يونيو 2018
بدأت مصر بحجب المواقع العام الماضي (غاري ووترز/Getty)
+ الخط -
إمعاناً في قمع الصحافة الإلكترونيّة تحديداً، منح مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المصري "سلطة التحقيق المختصة" الحق في "حجب موقع أو مواقع أو روابط أو محتوى محل البث، متى قامت أدلة على قيام موقع يبث داخل الدولة أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية، أو ما في حكمها، وتشكل تهديداً للأمن القومي، أو تعرض أمن البلاد، أو اقتصادها القومي للخطر".

وفي هذا الإطار، دانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية) ومنظمة "أكسس ناو" (Access Now) الموافقة النهائية، من قِبل مجلس النواب المصري، على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الذي تُقنّن موادُه المراقبة على الإنترنت وحجْب المواقع ومراقبة مستخدمي خدمات الإنترنت والاتصالات في مصر.

ورأت المنظمتان أن موافقة البرلمان المصري على هذا المشروع لا تنفصل عن سلسلة من التشريعات التي أقرّها البرلمان منذ انتخابه في العام 2015، وأبرزها قانون الجمعيات الأهلية (1، 2)، وقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام وقانون التظاهر، وتهدف هذه التشريعات إلى غلق المجال العام وحرمان المواطنين من حقوقهم، وخاصة الحق في حرية التعبير والحق في حرية التنظيم.

وقالت المنظمتان في بيان مشترك، الأربعاء، إنه "وإلى جانب جهات التحقيق، تتوسع نفس المادة في منْح صلاحية إصدار قرار حجب مواقع الويب، إلى جهات التحرّي والضبط المختصة (الشرطة) وإبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لتنفيذ القرار، والذي بدوره يُخطِر مُقدِّمي خدمات الإنترنت بالحجب المؤقت لموقع أو رابط أو المحتوى، وتُلزم المادة مُقدِّمي خدمات الإنترنت بتنفيذ مضمون الإخطار فور وروده، ويكون ذلك في "حالة الاستعجال لوجود خطر حالٍّ أو ضرر وشيك الوقوع"، وهي سلطة تقديرية، لا تخضع ﻷي معايير لمنع جهات التحري والضبط من التعسف في استخدامها. ثم تعرض جهات التحري القرار (بعد أن يكون قد نُفّذ بالفعل) على جهات التحقيق خلال 48 ساعة لتقوم بدورها بعرضه على المحكمة المختصة خلال 24 ساعة، ثم تصدر المحكمة قرارها في مدة لا تجاوز 72 ساعة إما بالقبول أو الرفض. وذلك يعني أن جهات التحري والضبط تحظى بصلاحية أكبر من سلطات التحقيق، والتي لا يكون قرارها ساريًا ولا يُنفّذ إلا بعد صدور قرار قضائي من المحكمة المختصة، بعكس الصلاحية الممنوحة لجهات التحري والضبط".



يُذكر أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يُحدِّد أسباب حجب مواقع الويب بمصطلحات فضفاضة وغير منضبطة في تعريفها، مثل تهديد الأمن القومي، والذي يُعرفه القانون على أنه كل ما يتصل باستقلال واستقرار وأمن الوطن ووحدته وسلامة أراضيه، وما يتعلق بشؤون رئاسة الجمهورية ومجلس الدفاع ومجلس الأمن القومي، والقوات المسلحة والإنتاج الحربي، ووزارة الداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والأجهزة التابعة لتلك الجهات، وهي نفس التهم التي وجهتها جهات التحقيق سابقًا للعديد من المتظاهرين والنشطاء في التحقيقات والمحاكمات، اتهامات بتهديد الأمن القومي، على خلفية الدعوة للتظاهرات، وفي قضايا النشر وفي القضية 173 الموجهة ضد منظمات المجتمع المدني، كما أن هذا التعريف يعني أن ما تراه هذه الجهات مخالفًا لسياساتها سيُعد تهديدًا للأمن القومي.

وتابعت المنظمتان "بالإضافة لتخويل رقابة واسعة النطاق يعمل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على ترسيخ مراقبة شاملة على الاتصالات، حيث تُلزم المادة الثانية من القانون، شركات الاتصالات بحفظ وتخزين بيانات استخدام العملاء، لمدة 180 يومًا. وتشمل هذه البيانات تلك التي تُمكّن من التعرف على المستخدم، والبيانات المتعلقة بمحتوى ومضمون النظام المعلوماتي، والمتعلقة بحركة الاستخدام والمتعلقة بالأجهزة المُستخدمة. وذلك يعني أن مقدمي خدمات الاتصالات سيكون بحوزتهم بيانات توضّح كل الممارسات التي يقوم بها المستخدم بما في ذلك المكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، وكل البيانات المتعلقة بهما، والمواقع التي يزورها المستخدمون، والتطبيقات المُستخدمة على الهواتف الذكية والحواسيب".

كما تُلزم نفس المادة من مشروع القانون شركات الاتصالات بالالتزام بأي "بيانات أخرى يصدر بتحديدها قرار" من مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ما يعني أنه يمكن لاحقًا إلزام مقدمي خدمات الاتصالات بجمع والاحتفاظ ببيانات غير منصوص عليها في القانون، استنادًا إلى قرار إداري يصدر من الجهاز. أيضًا تتوسع المادة في إعطاء صلاحية جمع بيانات المستخدمين ليس فقط من قبل مُقدّمي خدمات الاتصالات، لكن أيضًا وكلائهم وموزعيهم التابعين لهم والمنوط بهم تسويق خدمات الاتصالات.

كما تمنح المادة الثانية أيضًا، جهات الأمن القومي الحق للاطلاع على هذه البيانات، وتُلزم مقدمي خدمات الاتصالات أن يوفروا الإمكانيات الفنية لذلك، حيث تنص المادة على أن "يلتزم مقدمو الخدمة والتابعون لهم، أن يوفروا حال طلب جهات الأمن القومي ووفقًا لاحتياجاتها كافة الإمكانيات الفنية المتاحة لديه، والتي تتيح لتلك الجهات ممارسة اختصاصاتها وفقًا للقانون". وبذلك تكون المادة قد فرضت مراقبة شاملة على جميع المستخدمين في مصر، بدلًا من ارتباط مراقبة الاتصالات بالحصول على تصريح من جهات التحقيق في جرائم محددة ولفترة محددة. وتتيح هذه المادة للأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة في الحصول على بيانات المستخدمين ودون ضوابط أو معايير.



وأشارت المنظمتان إلى انتهاك هذه المادة نصوص الدستور المصري التي تحظر مراقبة وسائل الاتصال دون أمر قضائي مسبب ولمدة محددة، حيث تنص المادة رقم (57) من الدستور على "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك".

وأكدت المنظمتان رفضهما التوسع في جمع البيانات الشخصية للمواطنين، إذ يعاني المواطنون المصريون بالفعل من اضطرارهم للإفصاح عن بياناتهم الشخصية في ممارساتهم اليومية الاعتيادية. فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خلال العام الماضي، عدة حالات استخدم فيها بعض الموزعين البيانات الشخصية لمستخدمين دون علمهم، بما في ذلك بيع خطوط الهواتف المحمولة، ما سبب في حالات عديدة لاختراق الحسابات الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، وتعريض كل الخدمات المرتبطة بهم للخطر في ظل تنامي استخدام الاتصالات وتقنية المعلومات في قطاع الأعمال والمعاملات المالية، فضلًا عن تعرضهم للملاحقات القضائية في حالة استخدام أي من خدمات الاتصالات لارتكاب جريمة يُعاقب عليها القانون.

وقالتا "كما يرسخ القانون لانتهاك الحق في الخصوصية، حيث تتطرق المادة الرابعة من مشروع القانون إلى تبادل البيانات والمعلومات بين مصر والدول الأجنبية عن طريق وزارتي الخارجية والتعاون الدولي، في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية أو تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، دون أن تشمل المادة أي اشتراطات في حالة تبادل هذه المعلومات، خاصة ما يتعلق بوجود قوانين لحماية البيانات في الدول الأخرى، أو اشتراطات تتعلق بنطاق استخدام المعلومات ومدة الاحتفاظ بها أو معالجتها".​

ودعت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ومنظمة "أكسس ناو" إلى سحْب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، حفاظًا على حقوق المواطنين المصريين في التعبير الرقمي والحق في الخصوصية والوصول للمعلومات، مؤكدتان خطورة إقرار هذا القانون والذي سيزيد من وتيرة تضييق مساحات حرية التعبير في الفضاء الرقمي، ويعرض مستخدمي الإنترنت لخطر السجن على خلفية ممارساتهم الاعتيادية لوسائل الاتصال، كما يحدّ من حرية الإعلام خاصة وأن الإنترنت أصبح الوسيط الأول لتداول الأخبار. كما يجب على السلطات المصرية أن توقف ممارساتها التي تقيد الحقوق الرقمية، وترفع الحجب عن المواقع الإلكترونية وتفرج فورًا عن المحتجزين بسبب التعبير عن آرائهم عبر الإنترنت.

المساهمون