الموبايل لإيصال صوت المهمّشين

الموبايل لإيصال صوت المهمّشين

17 يونيو 2018
سمية عمر: الهاتف الذكي أكثر حميمية (العربي الجديد)
+ الخط -
هواتفنا مليئة بصور ولحظات توثّق حكايا ومشاعر وأشياء أخرى. في عالمنا الثالث، غالباً ما تبقى هذه الصور حبيسة أجهزتنا، أو يُنشر بعضها على وسائل التواصل الاجتماعي لتحكي لحظة بدلاً من أن تُخبر قصة أو توثّق حدثاً. ويبدو أنّ المواطن سبق الصحافي في استخدامه الهواتف الذكيّة لنقل الأحداث، من دون أن يتمكن الصحافي العربي من استغلال هذه الثورة وصحافة المواطن، وخوض غمار الـ "موجو"، أو صحافة الموبايل

في أوروبا، باتت صحافة الموبايل أمراً واقعاً. بعض الصحافيين العاملين في محطّات إخبارية مرموقة كبيرة يعتمدون بشكل كامل على هواتفهم لاعداد تقارير وقصص صحافية، وإن كانت نسبة هؤلاء ما زالت ضئيلة جداً. من هنا، كان "الموجو فيست" (MojoFest) مجدداً. على الموقع الإلكتروني، "هو أكثر من مؤتمر. إنه احتفال بنمو مجتمع مهني يستخدم الهواتف الذكية لإنتاج القصص".

صحافيون وخبراء في مجال الهواتف الذكية من مختلف دول العالم شاركوا في المؤتمر الذي استضافته الجامعة الوطنية في غالاوي في إيرلندا على مدى ثلاثة أيام (29، 30، 31 مايو/ أيار الماضي)، للحديث عن هذه العين الجديدة، وأهميتها وسهولتها في هذا العصر، والتقنيات والتطبيقات الجديدة، وغيرها الكثير.

الصحافي الإيرلندي غلين مولكاهي، الذي تبنى وساهم في إطلاق صحافة الموبايل، نظّم هذا المؤتمر، وجمع أشخاصاً يؤمنون بالقصة التي يمكن سردها بطريقة أكثر قرباً من الناس، وأكثر تأثيراً، من خلال الهواتف الذكية. بالنسبة لهؤلاء، ما زال هناك نقص كبير في إنتاج القصص. وعلى الرغم من التقارير الكثيرة التي تعدها محطات التلفزيون والإذاعات ووكالات الأنباء يومياً حول العالم، إلا أن القصة الإنسانية تبقى ضعيفة، ولا تعكس أصوات وهموم أولئك المهمّشين في هذا العالم.

المشاركة العربية اقتصرت على الصحافية اللبنانية الشابة سارة حطيط، التي تعمل مع تلفزيون "DW" الألماني، وتدرّب لاجئين فلسطينيين وسوريين في لبنان على استخدام هواتفهم الذكية لنقل قصصهم. حطيط تحدثت عن أهمية صحافة الموبايل بالنسبة للاجئين، الذين باتوا قادرين على نقل قصصهم بأنفسهم من دون انتظار أحد، إضافة إلى واقع الموجو في لبنان والعالم العربي، وعدم تبنيه من قبل وسائل الإعلام بشكل عام.

التجربة بالنسبة إليها كانت أكثر من مميزة. وبدا لافتاً تفاعل الحاضرين معها بعد عرضها فيلمين من تصوير لاجئين. تقول إنها تؤمن بقدرة الهاتف على مساعدة الصحافي في نقل قصص أكثر صدقاً، مشيرة إلى أهمية بدء تبنيه من قبل الصحافيين ووسائل الإعلام. وتشرح أن "الموجو هو تغيير علاقتنا مع هذا الجهاز، والانتقال من استخدامه للتواصل فقط إلى الاستفادة منه لتقديم قصص ومحتوى. وبكلفة أقل، يمكن للمؤسّسات الإعلامية مواكبة التطور وإنتاج محتوى إعلامي ورقمي بتقنيات بسيطة". وترى أن الوسائل الإعلامية ترفض التقدّم. "في أي إطلالة مباشرة، يحتاج المراسل إلى كاميرا ومصور وأس أن جي. لكن يمكن الاكتفاء بهاتف لنقل الحدث أو اعداد تقرير".

"أهم عنصر في الموجو هو المحتوى الجيد"، تقول حطيط، حتى لو قرّر شخص ما استخدام "سناب شات" أو "إنستا ستوري"، أو أراد أن يكون "فلوغر" ومؤثّراً ((influencer.
لكن لماذا صحافة الموبايل؟ هل في الأمر استغناء عن أجهزة ومعدات لطالما كانت أساسية، وساهمت في تقريب العالم بعضه من بعض، وربط الناس بمختلف الأحداث حول العالم؟ يعزو بيورن ستاشِن، المراسل في تلفزيون "أن دي آر" الألماني، والمسؤول عن تطوير صحافة الموبايل في المحطة على مدى السنوات الثلاث الماضية، ومؤلف كتاب "قصص من خلال الموبايل ــ دليل الصحافي إلى الهاتف الذكي"، أهمية الـ "موجو" لأسباب عدة.


أحد هذه الأسباب، كما يقول لـ "العربي الجديد"،أنه يساهم في "نشر الديمقراطية". ويشرح: "كما هو معروف، فإن إعداد التقارير المصوّرة يتطلب تقنيات تكنولوجية هي في حوزة وسائل الإعلام المملوكة من الدولة، والغرب، والشركات الكبيرة. أما اليوم، ومن خلال الهواتف الذكية، بات يمكن لأي شخص أن يكون لديه صوت، ويعد تقريراً أو قصة مصورة. بالتالي، يمكن انتاج فيديوهات، إضافة إلى تلك التي تنتجها الوسائل الإعلامية، خصوصاً في الدول غير الديمقراطية. ويمكن إعطاء صوت للأشخاص المنسيين، أو اللاجئين، وغيرهم، وهذا شق بالغ الأهمية".

والسبب الثاني، بحسب ستاشِن، أن الهواتف الذكية تمنح معد القصة زوايا جديدة ووجهات نظر مختلفة. وقد يجد المواطنون سهولة أكبر في إجراء مقابلات من خلال الهاتف بدلاً من الوقوف أمام كاميرا كبيرة، ما يجعل الصحافي أكثر قرباً من الناس. أما السبب الثالث، فهو أنه يمكن للصحافي البقاء مع قصته خلال إعدادها. أما في حال كان الصحافي يستخدم المعدات التقليدية، فسيضطر إلى العودة إلى المحطة لإعداد الفيديو بشكله النهائي.

برأي الصحافي الألماني أنه "من الغباء عدم الاعتراف بأنّ الهواتف الذكية يمكن أن تفعل ما يفعله التلفزيون، ما يعني إنتاجاً بوسيلة أخرى لها إيجابيات كثيرة وبعض السلبيات. من هنا، من الغباء مجدداً عدم استخدامها، مع العلم أنها لم تحلّ محل جميع طواقم المصورين. وسنكون في حاجة إلى الكاميرات في ظروف معينة". ويوضح أن هذا التطور المتعلق بالهواتف الذكية بدأ من إيرلندا، ومن خلال مؤتمر مماثل عقد قبل أربع سنوات، حيث كان هناك بعض المتبنين للهواتف، قبل أن تبدأ في الانتشار شيئاً فشيئاً في أوروبا. "أعتقد أن سبب تخلّف بعض الدول هو أن هذه الثورة بدأت في أوروبا".

بدأت علاقة ستاشِن بالهاتف الذكي قبل نحو أربع سنوات، ومن خلال هذا المؤتمر. وعن كيفية تحقق ذلك، يذكر أنه كان هناك تظاهرة في مدينة هامبورغ الألمانية. لم يكن يرافقه مصوّر واعتمد على هاتفه الذكي، وأعد تقريراً جيداً، ما يعني أن الأمر ممكن.

قصص أُخرى، هذه المرة في "هاشتاغ آور ستوريز"، وهي منصة تستقبل قصصاً مصورة بالهاتف الذكي حول العالم، وقد أطلقها كل من يوسف وسمية عمر. الأخيرة تعمل في مجال استخدام الهاتف للتصوير وإعداد القصص منذ نحو ست سنوات. تقول لـ "العربي الجديد" إن الهواتف الذكية أجهزة رخيصة يمكن من خلالها القيام بأمور عدة، من بينها الوصول إلى أماكن صعبة، وسرد قصص تتعلق بمواضيع حساسة، إضافة إلى كونه أكثر حميمية. "على سبيل المثال، نعدّ قصصاً كثيرة حول الاتجار بالبشر، وهناك فرق كبير بين وضع كاميرا في وجه شخص ما أو هاتف ذكي. والأهم هو احتواؤه على تطبيقات لتحسين المستوى. حين أعدّ قصة عبر الهاتف، أستطيع تصوّر التفاصيل التي قد تهم من سيشاهد القصة من خلال هاتفه". بالنسبة إليها، يتعلق الأمر بـ "خلق محتوى يتطابق مع الموبايل".

وترى عمر، وهي من أنصار تطبيق "سناب شات"، أنّ الهواتف الذكية مقبولة في كلّ مكان، خصوصاً أن العالم يستقبل ويستهلك المواد من خلال الهاتف. في جنوب أفريقيا حيث تعيش، "يوجد هواتف ذكية أكثر من الناس، ما يعني أن كل شخص يحمل هذا الجهاز بين يديه، ويستخدمه لخلق قصص. بالنسبة إلينا، الواقع هو النوعية الجيدة التي نريد تحقيقها. إذا كانت القصة واقعية وحقيقية فستلامس مشاعر الناس وتنتشر بشكل أكبر. الموضوع ليس قيم الإنتاج، بل قوة القصة، وكيف يساهم الموبايل في جعلها أكثر قرباً من الناس".

كيف انطلقت الفكرة؟ بدأت من خلال زوجها يوسف الذي درّب عاملي نظافة في العاصمة الهندية نيو دلهي على كيفية استخدام هواتفهم وتطبيق "إنستغرام" لنقل قصصهم. تضيف أننا لم نحصل على أي قصة من هؤلاء خلال الأشهر التي تلت التدريب، "حتى سلّمنا بفشله". ثم، زادت الحكومة الهندية الضرائب، وبدأ هؤلاء ينقلون قصصهم ومعاناتهم اليومية من خلال ما تعلموه لأنهم كانوا من الفئة المتضررة، ولم تكترث وسائل الإعلام التقليدية لنقل صوتهم. كان الأمر حقيقياً، ما دفع الحكومة إلى تقليص الضرائب على المواد القابلة لاعادة التدوير. من هنا سرد القصص من خلال الهاتف قد يكون له تأثير اجتماعي".

تضيف عمر: "هاشتاغ آور ستوريز" يهدف إلى تمكين الناس لاستخدام هذا الجهاز الذي هو بين أيديهم لنقل قصصهم. ولسنا نحن من نمنحهم صوتاً، بل نعمل على إخبارهم كيف يمكن لأصواتهم أن تصل".

المساهمون