إعلانات تونس... كل الطرق تؤدي إلى جني المال

إعلانات تونس... كل الطرق تؤدي إلى جني المال

12 يونيو 2018
توجه لقناة نسمة ونبيل القروي اتهامات بالإعلانات المقنّعة(فرانس برس)
+ الخط -
يزدهر في شهر رمضان سوق الإعلانات التجارية في التلفزيونات التونسية، إذ يتمّ صرف أغلب الأموال التي تخصصها الشركات التجارية لحملاتها الإعلانية خلال هذا الشهر نظرًا لارتفاع نسب المشاهدة للقنوات التلفزيونية التونسية. ففي السنة الماضية، أي رمضان 2017، تمّ صرف ما يناهز 70 بالمائة من الحقيبة المالية المخصصة للإعلانات التجارية والمقدرة بقيمة 241.1 مليون دينار تونسي (حوالى 100 مليون دولار أميركي)، واحتكرت القنوات التلفزيونية منها النصيب الأكبر بقيمة 159.4 مليون دينار. 

شهر رمضان 2018 لن يكون الاستثناء. ففي هذه السنة، بدا التنافس قوياً بين القنوات التلفزيونية لجلب أكبر عدد ممكن من المعلنين، مستغلّين حدثيْن بارزيْن، وهما رمضان ومشاركة تونس في كأس العالم لكرة القدم الذي يقام في روسيا في 2018.
ما يلاحظ هو أنّ العديد من الإعلانات التجارية لم تتبع الصيغ التقليدية في بثها حيث تقوم عديد القنوات التلفزيونية بإبراز منتوجات تجارية تونسية خلال أعمالها الدرامية وحصصها التلفزيونية دون التنصيص على ذلك، وهو ما اعتبرته الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) مخالفا للقوانين التونسية المنظمة للإعلام. فقد وجّهت "لفتَ نظرٍ" إلى قنوات "نسمة تي في" و"الحوار التونسي" و"التاسعة"، بسبب تمريرها لإعلانات لمنتوجات غذائية في برامجها التلفزيونية، من دون الإشارة إلى ذلك بكلّ وضوح.

وطلبت "الهايكا" من عدد من القنوات جملةً من التعليمات، عليها التقيّد بها، تتمثّل في الإشارة إلى أن "البرنامج التالي يتضمن وضع منتوجات/ علامات/ خدمات ستظهر في إطار عقد إشهاري (إعلاني)". كما طلبت من القنوات أن تظهر جملة "التسوق عبر الشاشة" على أسفل الشاشة بشكل واضح قبل بداية البرنامج ولمدة عشر ثوان على الأقل، وترفق برسم تخطيطي دائري رمادي اللون، ويستمر ظهور هذا الرسم أسفل الشاشة لمدة عشر ثوان على الأقل في بداية البرنامج إثر أفول الجملة المنبهة، كما يظهر الرسم مجددًا في نهاية كل فاصل إعلاني.
وباتت الإعلانات التجارية المقنعة واحدة من الظواهر اللافتة في الإعلام التونسي، حيث يتمّ التعريف بمنتوجات في سياق برامج ترفيهية وحوارية، من دون الإعلان عن ذلك صراحة، وهو ما اعتبرته النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين "عدم التزام بأخلاقيات المهنة الصحافية"، طالبةً هي الأخرى من الصحافيين "تجنّب تقديم مثل هذه النوعية من البرامج التي تسيء للقطاع الصحافي".



لكن بعض المختصين يعتبرون أن القنوات التلفزيونية تعرف ظاهرة "أخطر بكثير من الإعلانات التجارية المقنَّعة"، وهي "الإعلانات السياسية المقنَّعة". إذ تنتصر قناة تلفزيونية لخدمة طرف سياسي دون آخر في الصراعات الحزبية والسياسية التي تعرفها تونس منذ الثورة التونسية سنة 2011، والانفتاح الذي عرفه المشهدان السياسي والإعلامي. فكثيراً ما توجه لبعض القنوات التلفزيونية التهم بخدمة أطراف سياسية مقابل امتيازات ماليّة أو عينيّة، من قبيل التمكين من مناصب في الدولة أو التغاضي عن بعض المخالفات التي ترتكبها هذه القنوات.

ويوجّه هذا الاتهام، أساساً، لقناة "نسمة تي في" ولأحد مالكيها، وهو نبيل القروي، والذي تتهمه الهايكا والنقابة الوطنية للصحافيين ومنظمة "أنا يقظ" باستغلال قناته التلفزيونية لتصفية حسابات سياسية، أو للانتصار لطرف سياسي دون آخر. وهو ما بدا جلياً في الانتخابات الرئاسية التي عرفتها تونس سنة 2014، إذ كانت القناة منبراً للتسويق للرئيس التونسي الحالي الباجي قايد السبسي. وفي المقابل لم تمنح نفس الفرصة لمنافسه حينها الرئيس التونسي السابق الدكتور محمد المنصف المرزوقي، وهو الأمر الذي يتكرر في المدة الأخيرة من خلال انتصار القناة لحافظ قايد السبسي، المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، ونجل الرئيس التونسي الحالي، في صراعه مع رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد. التصرف الذي دفع "الهايكا" والنقابة إلى إدانة ذلك صراحةً وفي بيانات رسمية. بل ووصل الأمر إلى الدعوة من قبل عديد التونسيين إلى مقاطعة القناة التي يتمّ توظيفها لخدمة أجندات سياسية لأطراف معينة وهو ما يتنافى مع مبدأ الحيادية والمهنية.

تؤكد الإعلانات التجارية المقنعة والإعلانات السياسية المقنعة حقيقةً واحدة في المشهد الإعلامي التونسي، هي أنّ كلّ الطرق تؤدي إلى تحصيل الأموال.

المساهمون